اعتنت كل الديانات السماوية بالأخلاق فبعث الله الرسل والنبيين عليهم أفضل الصلاة والسلام للمساهمة في بناء الصرح الأخلاقي، وجاء بعدهم النبيّ محمد صلى الله عليه و سلّم ليتمم عملية البناء الأخلاقي والتي توارثها الأنبياء من قبله عليهم الصلاة والسلام . فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: « إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق «. (رواه أحمد) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما بلغ أبا ذر رضي الله عنه مبعث النبي صلى الله عليه وسلم قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي، فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله ثم ائتني، فانطلق الأخ حتى قدمه وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر ، فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق. (رواه البخاري). إن من أول ما تهدف إليه الرسالة المحمدية تربية النفوس تربية قويمة و تنشئتها على مبادئ الحق والخير لتكوين المجتمع القوي الذي يستمسك بهذه المبادئ و الأسس، فشملت تعاليمها جميع جوانب الحياة دون أن تترك هذه التعاليم فضيلة من الفضائل إلا دعت إليها وحثت على التمسك بها، ولم تترك أي رذيلة من الرذائل إلا نبهت عن أخطائها وأخطارها وأمرت بالابتعاد عنها، حتى غدت حياة الإنسان منظمة وفق قانون الهي محكم دقيق. والأخلاق لها أثر في سلوك الفرد لما تزرعه في نفس صاحبها من الرحمة، والصدق، والعدل، والأمانة، والحياء، والعفة، والتعاون، والتكافل، والإخلاص، والتواضع، وغير ذلك من القيم والأخلاق السامية، فالأخلاق بالنسبة للفرد هي أساس الفلاح و النجاح، يقول تعالى {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} (الشمس 9 و 10) و هي الأساس لبناء المجتمعات الإنسانية وتماسكه يقول الله تعالى {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا} (آل عمران 103). إن الأخلاق والعمل الصالح المدعم بالتواصي بالحقِّ، والتواصي بالصبر في مواجهة المغريات والتحديات من شأنه أن يبني مجتمعًا محصنًا لا تنال منه عوامل التردي والانحطاط، فليس ابتلاء الأمم والحضارات كامنًا في ضعف إمكاناتها المادية أو منجزاتها العلميَّة، بل ان إبتلاءها في ذهاب وضياع قيمها الأخلاقية التي تسودها و تتحلى بها. إنّ أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية لا يستطيع أفراده أن يعيشوا متفاهمين متعاونين سعداء ما لم تربط بينهم روابط متينة من الأخلاق الكريمة. لذلك فإنّ الأخلاق في الإسلام لا تقوم على نظريات مذهبية ولا مصالح فردية ولا عوامل بيئية تتبدل وتتلون تبعا لها وإنما هي فيض من ينبوع الإيمان يشع نورها داخل النفس وخارجها، فليست الأخلاق فضائل منفصلة وإنما هي حلقات متصلة في سلسلة واحدة، عقيدته أخلاق، وشريعته أخلاق، لا يخرق المسلم إحداها إلا أحدث خرقا في إيمانه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن. (رواه البخاري) وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكذب المؤمن؟ قال: لا، ثم تلا قوله تعالى {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (النحل105). إنّ الأخلاق هي دليل الإسلام و ترجمته العملية، و كلما كان الإيمان قوياً أثمر خلقا قوياً. كما أن الأخلاق في الإسلام ليست لونا من الترف يمكن الاستغناء عنه عند اختلاف البيئة، وليست ثوبًا يرتديه الإنسان لموقف ثم ينزعه متى يشاء، بل إنها ثوابت شأنها شأن الأفلاك والمدارات التي تتحرك فيها الكواكب لا تتغير بتغير الزمان لأنها الفطرة كما جاء في قول الله تعالى {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} (الروم 30) .