لن يكون اللقاء الصحفي الذي عقده رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي مجرد لقاء عادي رغم أن رئيس الجمهورية لجأ إلى هذه الصيغة في الالتقاء بالصحفيين لأول مرة منذ توليه رئاسة الدولة، ذلك أن محتوى هذا اللقاء يحتاج إلى أكثر من قراءة وسيبقى بكل تأكيد وثيقة هامة لكل من يريد التأريخ للجمهورية الثانية. لقد كان الباجي قائد السبسي رئيسا معتزّا بنفسه وفخورا بدوره وحريصا في الآن ذاته على أن يؤكد أنه يواصل الاضطلاع بدوره بكل جدية والتزام و ذلك من باب الاضطلاع بالأمانة وعلى أن يبوح للرأي العام ببعض هواجسه حول الوضع الحالي وحول المستقبل. لقد حرص الباجي قائد السبسي على أن يغلف«الشعور بالخيبة والإحباط بقراءة لا تخلو من مرارة «لي الذراع» التي تجمعه منذ أشهر مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد. ولا شك أن محاولة «عزل» رئيس الجمهورية والسعي إلى الحد من دوره السياسي يعتبران من حيث المبدإ أمرا مرفوضا لأنه لا يخلو من الناحية الأخلاقية من دلالات سلبية لأن الباجي قائد السبسي قد لعب دورا إيجابيا في عملية الانتقال الديمقراطي ولأنه مؤسّس الحركة التي سمحت ليوسف الشاهد بأن يصبح رئيسا للحكومة . ولكن ما هو أعمق و أكثر أهمية في ما ذكره رئيس الجمهورية أمس هو أن الدستور الحالي للجمهورية التونسية قد عمق الصراع والتجاذب بين السلط من ناحية وحدّ من مهام رئيس الجمهورية وصلاحياته إلى أبعد الحدود من ناحية أخرى. وليس رئيس الحكومة من حيث الموقع والدور بمنأى عن هذا المأزق.. ولعل الجميع يستحضر غموض الأسباب التي أدت إلى الاستغناء عن رئيس الحكومة السابق. ولا يمكن أيضا أن ننسى الضغوط التي واجهت يوسف الشاهد في بداية رئاسته للحكومة من أجل الحدّ من قدرته على أخذ القرار. وإذا ما أضفنا إلى ذلك طبيعة النظام الانتخابي الذي يمنع بشكل عملي إمكانية تمتع حزب بالأغلبية المطلقة ويفرض بالتالي التحالف بين أحزاب قد تلتقي في منطلقاتها الايديولوجية فإننا سنضع أيدينا بلا شك على أحد أهم أسباب الأزمة التي يعيشها حاليا وندرك بالتالي طبيعة المخاطر التي تتربص بالدولة. ولعل من الأسباب المثيرة للخوف أنه من الصعب أن تجد هذه الأزمة طريقها إلى حل واضح المعالم لأن المشهد السياسي تميّز خلال السنوات الأخيرة بتوالي الأزمات وبتناسلها. وهو ما يعني أننا نتجه سياسيا -بشكل تدريجي- الى دخول منطقة الاستعصاء... وهي بلا شك منطقة شديدة الخطورة بالنسبة إلى الأنظمة السياسية خاصة منها تلك التي لم تستقر بعد والتي تعيش مرحلة انتقالية كالتي تعيشها بلادنا اليوم. إن الاستعصاء هو عدم القدرة على المضي إلى الأمام وعدم القدرة على العودة إلى الخلف. لكن الخوف اليوم من أن ينفتح هذا الاستعصاء على سيناريوهات مخيفة لا سمح الله. فهل من رجل رشيد؟