لئن نجح الإضراب العام نجاحا تجاوزت نسبته ٪90 فإنه ترك انطباعا متباينا لدى الرأي العام ورأى فيه البعض إضعافا للحكومة وتعميقا للوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب فيما أيده شق هام من المواطنين واعتبره ضروريا لتحقيق المطالب المشروعة للمواطنين. نفس الانطباع كان واضحا عند الأحزاب السياسية التي انقسمت بين مؤيد ورافض لهذا الإضراب. لكن السؤال المطروح اليوم هو ماذا بعد هذا الإضراب سيما أن أمين عام الاتحاد لمّح إلى إمكانية التصعيد والتوجّه نحو أشكال أخرى من التحرّك قصد تحقيق مطلب الزيادة؟ غير أنه وبالنظر إلى واقع البلاد اليوم وإلى تقاليدها فإن الحل الأنسب يبقى في الجنوح إلى الحوار باعتباره، كما يؤكد التاريخ، السبيل الأنجع لتحقيق المطالب في كنف الأمن والوئام. تونس (الشروق) اختلفت مواقف الأحزاب السياسية من الاضراب الذي نفذه الاتحاد العام التونسي للشغل أمس في الوظيفة العمومية بين الداعم والرافض والمستاء كل حسب موقعه من الحكومة ففي حين التحقت الاحزاب المعارضة للحكومة بالاضراب وعبرت علنا عن دعمها لكل ما جاء في كلمة نور الدين الطبوبي فضلت الاحزاب الداعمة للحكومة اما الصمت او التعبير عن استيائها. بين الدعم والرفض وفي هذا الاطار فقد حضر في الاجتماع العام الذي نظمه الاتحاد في ساحة باردو أمام البرلمان عدة اطراف سياسية من بينها الجبهة الشعبية وحركة نداء تونس وحركة الشعب والتيار الديمقراطي في حين دعمت احزاب أخرى عبر البيانات والبلاغات التي حملت الحكومة المسؤولية في تردي الاوضاع المعيشية للمواطنين عموما. ومن جهته اعتبر القيادي في حركة النهضة والنائب ناجي الجمل أن الحوار هو السبيل الوحيد للنهوض بالاوضاع الاجتماعية لمختلف القطاعات باعتبارها مسؤولية مشتركة بين الاتحاد والحكومة مثلما عبرعن ذلك بيان النهضة الاخير. وقال الجمل أن النهضة تساند مطالب الموظفين في ظل نسب التضخم العالية وتدهور المقدرة الشرائية وتدرك ايضا التزامات الحكومة الدولية في علاقة بكتلة الاجور المرتفعة التي تجعل لكل زيادة مرتقبة انعكاسات مباشرة على ميزانية الدولة مضيفا بأن الامل قائم للخروج بحلول خاصة و أن تقلص كتلة الاجور في المستقبل القريب نتيجة مراجعة قانون التقاعد اذا مارافقه تطور في النمو سيتيح للحكومة اقرار هذه الزيادات. كما دعا بدوره عضو كتلة الائتلاف الوطني وليد جلاد الى وجوب العودة الى طاولة المفاوضات مشددا على أن الاضراب العام الذي خاضه أعوان الوظيفة العمومية أمس خطوة عادية وحق دستوري ومشروع حيث انه من البديهي أن تدافع المنظمة الشغيلة عن حق الشغالين. ولفت جلاد الى أن مسؤولية انسداد الافق تعود الى تراكمات سياسات وتوافقات فاشلة على امتداد حصيلة 8 سنوات مُعتبرا أنّ الحكومة وجدت نفسها في وضع لا يُحسد عليه، وان الحل يكمن في العودة لطاولة المفاوضات والحوار مرة اخرى كحلّ للخروج من الأزمة في صيغة توافقية لا تتسبب في تجويع المواطن ولا تمس من التوازنات المالية للبلاد. وحول موقف النداء من ما ورد في كلمة الطبوبي قالت القيادية سميرة الشواشي للشروق «خطاب مهم جدا حمل أولا توصيفا للواقع اليوم والمقدرة الشرائية للمواطن التونسي تحدث عن منظوريه في الوظيفة العمومية الذين لم يعودوا قادرين على العيش بكرامة اضافة الى تواصل انزلاق الدينار وانهيار الاقتصاد». وتابعت «ما نراه اليوم على المستوى الاقتصادي يؤكد ان الحكومة فشلت أيما فشل لكنها مصرة على المضي في الفشل أيضا السيادة الوطني التي أكد عليها الامين العام وعلى انه تم المس منها وهذا ما نراه اليوم كما ان الاتحاد حمل مجلس النواب جزءا كبيرا من تلك المسؤولية فالنواب الذين انتخبهم الشعب خانوا الأمانة وهذا رأيناه وكان هناك تلاعب بأصوات الشعب التونسي». خطاب مهم ومن جهة اخرى أكدت محدثتنا على ما ورد في خطاب الامين العام بان الاتحاد مستهدف اليوم ويتعرض لعدة هجمات «هذه حقيقة عايشها الشعب ككل مع الاتحاد كما أكد ان الاتحاد معني بالمحطات الانتخابية القادمة هذا أيضا موقف مهم»ليس جديدا على الاتحاد الاعتناء بالشأن الوطني زيادة على وظيفته النقابية وكل من يحاول ان يحصر الاتحاد في المطلبية فقط مخطئ ولا يعرف تاريخ الاتحاد الذي كان دائما أسدا في عرينه متى اختل التوازن في تونس إلا وخرج لإعادة هذا التوازن، ومن يعرف تاريخ الاتحاد يعرف انه اليوم يقوم بدوره التاريخي والنضالي وليس ذلك بغريب عنه». ومن جهته استنكر الحزب الدستوري الحر ما أسماه إهمال الحكومة ملف المفاوضات الاجتماعية الحارق وانشغالها لأشهر طويلة بالتجاذبات السياسية وتقسيم كعكة الحقائب الوزارية بدل التجنّد لحلحلة الوضع وتجنيب البلاد مزيدا من التوتر والاحتقان. وحمل الحزب الحكومة «مسؤولية تداعيات الإضراب العام على موارد الدولة وعلى صورة تونس بالخارج» مستنكرا تحميل المواطن تبعات «خيارات اقتصادية مدمرة اعتمدتها حكومات الترويكا وما بعدها والتي أوصلت البلاد إلى نسبة تداين خارجي أصبحت تهدّد السيادة الوطنية واستقلال القرار التونسي وأدّت إلى تآكل الطبقة الوسطى وتدهور القدرة الشرائية وارتفاع غير مسبوق في نسبة التضخّم». مساندة مطلقة ومن جهته أكد الامين العام للتيار الديمقراطي غازي الشواشي مساندته المطلقة لنضالات الشغالين وهياكلهم النقابية «من اجل حماية المقدرة الشرائية وحقهم في اللجوء للإضراب « محملا المسؤولية كاملة للائتلاف الحاكم لتهاونه في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحد من الارتفاع الجنوني للأسعار وحماية المقدرة الشرائية للعائلات التونسية «خاصة في ترشيد التوريد وضرب الاحتكار والفساد ومقاومة التهريب والتهرب الضريبي والتحكم في مسالك التوزيع وتحفيز الانتاج وتعبئة موارد وحسن التصرف فيها». وفي الاتجاه ذاته اكد المنسق العام لحركة تونس إلى الأمام عبيد البريكي ان الوضع الذي تعيشه تونس الْيَوْمَ قد أدرك مرحلته القصوى من التعقيد و التأزم و ان الأزمة السياسية هي وعاء اجتماعي مشيرا الى ان المظهر الأساسي للأزمة الاجتماعية الخانقة هي ان القرار المتعلق بالشأن الداخلي أصبح مسلوبا من قبل قوى أخرى خارجية تتحكم فيه . وأضاف عبيد البريكي ان الدلالة الأساسية لإضراب الوظيفة العمومية أمس هي الدفاع عن السيادة الوطنية و هي شان عام لا يقتصر على الجانب النقابي فحسب مؤكدا ان تأجيل الجلسة البرلمانية المتعلقة بمناقشة ميزانية 2019 التي كانت مبرمجة ليوم امس «يؤكد ارتباك السلطة و عندما ترتبك السلطة تصبح قراراتها غير خاضعة الى اَي منطق و نحن في مرحلة عمّ فيها الارتباك و أصبحت فيها كل القرارات مرتجلة» وفق قوله . وفي الاتجاه ذاته اكد حزب التكتل دعمه التام لمطالب و نضالات الشغاليين من أجل الترفيع في أجورهم و الحد من تدهور مقدرتهم الشرائية بجميع الأشكال النضالية المضمونة في الدستور، محملا الحكومة والائتلاف الحاكم المسؤولية الكاملة في الأزمة الحالية «بفشله في النهوض بوضعية المالية العمومية وبارتهان الإرادة الوطنية لدى الجهات المالية الدولية». استياء وعلى صعيد آخر فقد كان حزب حركة مشروع تونس أول الأحزاب التي عبرت عن استيائها من الإضراب وأصدرت بيانا عبرت فيه عن استيائها من التوجه الى اقرار الاضراب العام في الوظيفة العمومية « في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد اقتصاديا واجتماعيا» حسب نص البيان. وأوضح المشروع أن المرحلة الحالية تقتضي أساسا التركيز على الحوار في إطار الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي، كما دعا الى إيجاد حلول جذرية وعاجلة لمشكلة التضخم وغلاء الأسعار التي اثرت على المقدرة الشرائية لقطاعات واسعة جدا من المواطنين، حسب نص البيان.