« التخطيط لانقلاب» و»التحضير لجانفي ساخن».. تُهمتان تبادلهما مؤخرا شقان سياسيان. وأصبح التونسيون يعيشون جراء ذلك حالة غير مسبوقة من المخاوف والشكوك. ويدعون إلى كشف حقيقتهما نهائيا حتى لا تتفاقم الأمور نحو الأسوإ. تونس (الشروق) بعد تُهمة «الانقلاب» التي أثارها أمين عام حزب نداء تونس ضد رئيس الحكومة، جاء الدور على تهمة معاكسة وقع توجيهها الى أطراف مقربة من نداء تونس. وهي تهمة «الأرض المحروقة في جانفي القادم «. فالتهمة الأولى مطروحة أمام القضاء العسكري وادعى فيها المُدّعي تخطيط رئيس الحكومة وأطراف أخرى للانقلاب على رئيس الجمهورية وتعيين شخصية أخرى مكانه. أما التهمة الثانية فمازالت بعيدة عن أنظار القضاء. واقتصرت إلى حدّ الآن على الفضاء الافتراضي ال«فايسبوك» وقال فيها مُدّعوها إن أطرافا مقربة من نداء تونس تُخطط للحث على تحركات اجتماعية قوية وساخنة في جانفي القادم قصد الإطاحة بالحكومة. تهم إعلامية وفايسبوكية ليست المرة الأولى التي تشهد فيها الساحة السياسية مثل هذا الانحراف عن العمل السياسي السليم القائم على المنافسة الشريفة والتوجه نحو تبادل الاتهامات الخطيرة... والمثير في بعض هذه التهم هو أن من أثارها لا يبادر بالتوجه إلى الأمن أو إلى القضاء ورفع شكاية رسمية استنادا إلى إثباتات لا تقبل الدّحض(وثائق – ملفات – صور – شهادات..) بل يكتفي بمجرد تدوينة فايسبوكية أو تصريح إعلامي قد تعتبره الجهات القضائية والأمنية غير موجب لفتح أبحاث وتحقيقات (باستثناء توجه أمين عام نداء تونس الى القضاء العسكري في قضية الانقلاب) . وفي كل مرة يكون ما يصدر عنهم مثيرا للبلبلة والارتباك لدى الرأي العام وخاصة لدى المواطن الذي أصبح يخشى التطورات التي تمس من الأمن والاستقرار ومن وضعه الاجتماعي المتدهور بطبعه. مخاوف وشكوك وبقطع النظر عن مدى صحة مختلف التهم المتبادلة (وبعضها أمام أنظار القضاء) ، إلا أن التهمتين المتبادلتين في الأيام الأخيرة ( الانقلاب والأرض المحروقة) أدخلتا حالة حقيقية من المخاوف والشكوك لدى الرأي العام التونسي. وتهددان بمزيد التأثير سلبا على الوضع الاقتصادي وعلى السير العادي لدواليب الدولة وعلى صورة البلاد في الخارج. والأخطر من ذلك أنهما زادتا من حالة الاحتقان العام في البلاد بعد أن كشفتا ابتعاد أغلب السياسيين عن العمل السياسي الواقعي والطبيعي القائم على الاهتمام بشؤون البلاد والمواطن والمصلحة العمومية والتنافس عبر الأفكار والمشاريع والبرامج الانتخابية الضرورية للبلاد مقابل بحثهم عن حماية المصالح السياسية والحزبية الضيقة وخاصة المصالح الانتخابية قبل أشهر من انتخابات 2019 اعتمادا على وسائل عمل غير سياسية تعتمد المناورة والتلاعب والمسّ أحيانا من أخلاقيات العمل السياسي السليم. تحرك النيابة العمومية يرى مراقبون أن تبادل مثل هذه الاتهامات الخطيرة قد يتواصل في الفترة القادمة لتتواصل معه مظاهر تدهور العمل السياسي والحزبي في وقت تحتاج فيه البلاد إلى طبقة سياسية حقيقية تقود العملية الإصلاحية الكبرى في البلاد اقتصاديا واجتماعيا. ونظريا لا تبدو في الأفق أية بوادر للتهدئة أمام إصرار كل طرف على بلوغ كرسي السلطة أو المحافظة على الكراسي الحالية وأيضا أمام تحول الصراع إلى ما يشبه العداء الشخصي بين مختلف الأطراف. وهذا ما يؤكد ضرورة وضع حد لمثل هذه التهم والروايات والأقاويل التي تفرزها الساحة السياسية إما عبر التزام أخلاقي من السياسيين أنفسهم أو عبر إجبارهم قانونيا وقضائيا على الاعتماد على القنوات القانونية والقضائية لتوجيه التهمة الى هذا الطرف أو ذاك اعتمادا على معطيات وحقائق ثابتة وليس عبر مجرد تدوينة فايسبوكية او تصريح إعلامي. كما أن السلطات القضائية ممثلة في النيابة العمومية أصبحت مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالتحرك الفوري تجاه مثل هذه التصريحات أو التدوينات وفتح التحقيقات الفورية واللازمة في شأنها وكشف حقيقتها للرأي العام. فرغم تعدد الاتهامات المتبادلة طيلة السنوات الماضية بين مختلف الاطراف ( انظر المؤطر) إلا أنه لم يتضح إلى حد مدى صحتها من الناحية القضائية رغم ما تحمله بين طياتها من خطورة ومن مس بأمن الدولة واستقرارها وبالسيادة الوطنية. حيث لم يصدر حكم قضائي واحد في مختلف هذه التهم يزيح الغموض ويريح الرأي العام... أبرز الاتهامات المتبادلة بين السياسيين التورط في الارهاب وفي الاغتيالات السياسية العمل على بث الفتنة والتشجيع على الاحتجاجات الاجتماعية وعلى اعمال العنف والتخريب الحصول على تمويلات أجنبية ( بالنسبة للأحزاب) التخطيط لانقلابات ( تهمة طالت وزير الداخلية السابق ورئيس الحكومة الحالية) الفساد المالي والإداري والرشوة تضارب المصالح والمحسوبية خاصة بين كبار المسؤولين والسياسيين المس من امن الدولة الداخلي والخارجي عبر التخابر والتنسيق مع أطراف أجنبية سيطرة بعض الاطراف السياسية على أجهزة حساسة في الدولة ( القضاء – الديوانة – الامن – الإدارة..)