لا نكاد نعثر هذه الأيام على وقت للراحة في جدول أعمال رئيس الجمهورية: ففضلا عن تنقلاته نجده حثيث النشاط في قرطاج حيث يشرف ويستقبل ويستمع ويوصي… الجدير بالملاحظة أن هناك تركيزا على كل ما يثير غيظ النهضة فما الغاية منه؟ تونس (الشروق) في أجندة رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي نشاط عادي يدخل ضمن صلاحياته، من ذلك إشرافه أمس بالقصبة على موكب إحياء الذكرى 66 لاغتيال شهيد الحركة الوطنية فرحات حشاد، وإشرافه الإثنين الماضي بقصر قرطاج على نشاط ديبلوماسي، وإشرافه قبلها على موكب تولى فيه الرئيس الجديد للهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين الطيّب راشد أداء اليمين، وإشرافه قبلها بيوم على اجتماع مجلس الأمن القومي. جدول الأعمال تضمن أيضا لقاءات ببعض الشخصيات الوطنية والأجنبية لكن ما يسترعي الانتباه أن الرئيس بدا من جهة دائم الحضور كثير النشاط، وظهر من أخرى كمن يبعث برسائل شديدة اللهجة لشريكته السابقة في التوافق حركة النهضة بدرجة أولى وإليكم الدليل: منشغل بملف الاغتيالات لا يمكن المزايدة على رئيس الجمهورية في نشاطه فرغم تقدمه الواضح في العمر فإنه كان حاضرا في كل المناسبات التي تستوجب إشرافه أو تفرغه أو زيارته أو سفره… على أن التخمة الواضحة في نشاطه لا تبرر فقط بتعدد الأحداث وإنما بوجود نوع من الإصرار على إعادة النشاط ذاته: من ذلك أنه استقبل هذا الثلاثاء أرملة الشهيد بلعيد، بسمة الخلفاوي مرفوقة بعضو هيئة الدفاع في القضية علي كلثوم، وذلك بعد أسبوع تقريبا من استقباله وفدا عن هيئة الدفاع في القضية ذاتها. الخلفاوي من أكثر المقتنعين بتورط حركة النهضة في قضية الاغتيال أما المحامي كلثوم فقد جاهر مؤخرا بالدعوة إلى حل الحركة قضائيا بدعوى تورطها في الإرهاب على حد زعمه ما يعني أن رئيسنا منشغل أكثر من أي وقت مضى بملف الاغتيالات الذي يؤرق حركة النهضة لكن هناك مزيد في نشاط قايد السبسي: إزعاج للنهضة من عادة رئيس الجمهورية أن يستقبل الشخصيات الحزبية والوطنية لكن القائمة تضمنت هذه المرة رئيس حزب بني وطني سعيد العايدي الذي شدد على «مساندة حزبه لكشف الحقيقة حول قضيّة الجهاز السري وارتباطه بأحزاب سياسية...». ومن عادته أن يشرف على اجتماع مجلس الأمن القومي لكن آخر اجتماع تناول «ما ورد في المعطيات التي قدمتها لجنة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي» أي تلك التي توجه التهمة لحركة النهضة. ومن عادته أن يتقبّل أوراق اعتماد السفراء لكنه هذه المرة تسلّم أوراق اعتماد راشد محمد جمعة المنصوري، سفيرا فوق العادة مفوَّضا لدولة الإماراتالمتحدة التي تتبادل العداء مع حركة النهضة. ومن ضمن نشاطه أن يستقبل الشخصيات الأجنبية لكنه هذه المرة استقبل ولي العهد السعودي في المطار خلال ليلة ممطرة باردة وزاد في التشفي من النهضة (وغيرها من رافضي الزيارة) بأن أقام مأدبة عشاء على شرف ضيفه المبجل قبل أن يوشح صدره بوسام الجمهورية. فترة ما بعد التوافق خلال أيام قليلة ركز الرئيس على قضيتي الشهيدين بلعيد والبراهمي وما أشيع حول الغرفة السوداء والتنظيم السري ومحاولة اغتياله من أطراف على صلة بحركة النهضة سنة 2003 كما رفع العلاقة بعدويها السعودية والإمارات إلى السماء ولا نعلم إن كانت له لقاءات أو مشاورات أو مناورات أخرى سرية في المجال نفسه. رئيسنا وعد في حملته الانتخابية بإظهار الحقيقة في قضيتي الشهيدين لكنه لم يتذكر وعده إلا بعد أن ساءت علاقته بالنهضة، ورئيسنا كان سببا في برود علاقة تونسبالإمارات والسعودية جراء توافقه مع الحركة لكنه لم ينفخ في رماد العلاقة ولم يسع إلى تأجيجها إلا بعد أن نفض يديه من شريكته السابقة. ورئيسنا الذي لا يعترف بالإشاعات والقيل والقال (مثال موقفه الساخر من وجود القناصة) نراه اليوم متحمسا لملفات محاولة الانقلاب ومحاولة اغتياله والغرفة السوداء والجهاز السري ويجد متسعا من وقته لمقابلة كل من يتهم النهضة بغض النظر عن مدى جدية الإدعاء. ولكن لماذا في هذا الوقت تحديدا؟. «أنا موجود» ؟ سنحاول الإجابة اعتمادا على الأزمنة الثلاثة وهي الماضي والحاضر والمستقبل: ففي الماضي القريب قرر الباجي إنهاء توافقه مع حركة النهضة في رد فعل مبرر على وقوفها ضد رغبته ورغبة حزبه في إقالة الشاهد. وفي الحاضر يسعى إلى استعمال كل أوراقه الرابحة (التخويف والتحذير والتهديد والاحراج بمبادرة المساواة…) تأديبا للنهضة على ما يعتبره تنكرا منها لتوافقهما وتحذيرا لها من مغبة تجاهله وإقامة التحالفات على حسابه وتذكيرا لها (ولغيرها) بقدرته على إيذاء كل من يخرج عن طوعه وفي هذا قد يكون بصدد توجيه رسالة غير مباشرة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي تمرد عليه. أما المستقبل فيتعلق تحديدا بانتخابات السنة القادمة، «أنا موجود وسيتواصل وجودي وعلى الجميع أن يأخذوا هذا بعين الاعتبار» الباجي لم يصرح بهذا ولكننا نكاد نسمعه في جدول نشاطه بما يقض مضجع النهضة. بعض ما نشرته رئاسة الجمهورية عن نشاط الرئيس «استقبل رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي، يوم الثلاثاء 04 ديسمبر 2018 بقصر قرطاج بسمة الخلفاوي والمحامي علي كلثوم عضو هيئة الدفاع في قضية اغتيال الشهيد شكري بلعيد. وأفاد علي كلثوم أن اللقاء مع رئيس الدولة استعرض مستجدّات قضية اغتيال الشهيد بلعيد وخاصة العراقيل التي رافقت مسارها والمعطيات الجديدة التي ستدرج بالملف، مشدّدا على تمسك رئيس الجمهورية بإظهار كامل الحقيقة في أسرع الآجال». «استقبل رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي يوم الثلاثاء 04 ديسمبر 2018 بقصر قرطاج، سعيد العايدي رئيس حزب بني وطني. وأفاد سعيد العايدي أن اللقاء تناول الوضع العام بالبلاد (...)، مشدّدا على مساندة حزبه لكشف الحقيقة حول قضيّة الجهاز السري وارتباطه بأحزاب سياسية…». «أشرف رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي، يوم الخميس 29 نوفمبر 2018 بقصر قرطاج، على اجتماع مجلس الأمن القومي. وتداول المجلس في ما ورد من معطيات قدمتها لجنة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي…».