كم التقيت به، كم جلسنا نتحدّث عن الأدب والفكر والإبداع، كنت أجلس إليه كتلميذ يبحث عن أقوم مسالك الإبداع فأجد لديه الأجوبة الشّافية عن كلّ القضايا والاهتمامات التي تشغل ساحة الكاتب والكتاب. إنّه الرّوائيّ التّقدّميّ ومبدع القصص القصيرة مؤلّف «طرنّنو» و «بودودة مات»، عملين أثارا زمن صدورهما نقاشات متعدّدة، وبهما أخذ د. محمد رشاد الحمزاوي مكانة عالية متميّزة بين معاصريه وخاصّة عند الشّباب المقبل على دنيا الآداب والفنون المتمرّد على الطرق المعبّدة. د. محمد رشاد الحمزاوي من أبرز أساتذة الجامعة التّونسيّة وهو من بين الذين طوّروا مناهج التّدريس الجامعيّ حتّى أصبح له مريدون كثر وتلامذة أوفياء. إنّه عالم جليل فذّ انكبّ على إنجازات فكريّة وعلميّة عظيمة في ميدان المعجميّة فاشتهر بذلك على المستوى الوطنيّ والعربيّ والعالميّ تاركا إرثا ثقافيّا تفتخر به تونس ويفتخر به العرب. نال د. محمد رشاد الحمزاوي عن أعماله الأدبيّة والعلميّة أكبر الجوائز وأشهرها وطنيّا وعربيّا. كم جلست إليه وكنت أنا الذي أسعى إلى الالتقاء به، وكلّما هاتفته وجدت لديه الاستعداد التّلقائيّ للّقاء وتبادل الحديث عمّا يجري على السّاحة الأدبيّة والفنيّة ولكم كنت أعجب بلهفته الشّديدة لوجود أدب متطوّر متجدّد تتماشى مضامينه وأشكاله مع تطوّر المجتمعات وتطوّر الآداب في العالم. كلّما التقينا خاصّة في السّنوات القليلة التي سبقت الثّورة إلاّ وطلب منّي أن نسعى إلى إنشاء جمعيّة تضمّ مبدعين تقدّميّين لهم رغبة متأصّلة في تطوير الأدب وتثويره ليكون أدبنا في مستوى الآداب العالميّة. إنّها جلسات تمكّنت خلالها من الأخذ منه وعنه الكثير من الإيمان بالأدب والفكر والشّوق المتجدّد للكتابة النّابعة من الوجدان والمرتبطة باهتمامات النّاس.. تعلّمت منه أنّ الإبداع ثقافة واطّلاع وصدق وانفتاح على كلّ المدارس والأساليب والأشكال وكذلك على الفنون باختلاف أنواعها. صارع د. محمد رشاد الحمزاوي منذ خمس عشرة سنة تقريبا آثار عمليّة جراحيّة كارثيّة بسبب خطإ طبّيّ، وكم هي كارثيّة أخطاء الطّبّ في بلدنا. رحل د محمد رشاد الحمزاوي وترك لنا وفينا ما يشرّف الثّقافة حاضرا ومستقبلا. فلتنم هانئا يا أستاذ الأجيال ورائد الإبداع والفكر والثّقافة.