يتميز آخر سنة 2018 بحركية غير عادية للدبلوماسية التونسية. وهو أمر جدير بالتنويه لا سيما وقد بينت التحركات تعددا وتنوعا لشركاء تونس من حول العالم. وهو دليل على أن بلادنا تحظى بتقدير دولي واسع فضلا على رغبة الجميع في تطوير التعاون معها لما تمثله من نجاح يجب مساندته والوقوف إلى جانبه، خاصة في ضوء الظروف الصعبة التي تمر بها التجربة التونسية التي تبقى رغم كل شيء علامة مضيئة في محيطها وفي العالم. لقد لاحظ الجميع تعدد تبادل الزيارات بين تونس والمملكة العربية السعودية وإن كانت ظروف خاصة هي التي فرضت هذا الوضع فلا يمكن إلا تثمين ذلك بالنظر إلى حجم الدولة الشقيقة وأهمية دورها في المنطقة. ويبدو أن الحصيلة كانت مفيدة لبلادنا لا من حيث حجم المساعدات والاستثمارات التي وُضعت على ذمة تونس ، خلال زيارة رئيس الحكومة إلى الرياض تتويجا لما وقع الاتفاق بشأنه بين رئيس الجمهورية وولي العهد السعودي ، ولكن باعتبار عودة الروح بقوة إلى العلاقات التونسية السعودية. إذ ليس من الحكمة أن تبقى علاقاتنا مع دول الخليج مرتبطة بدولة بعينها. وقد وفر استعداد تونس لاحتضان القمة العربية في دورتها الثلاثين الفرصة لتمتين الوشائج الأخوية والتعاون المثمر مع مختلف الدول العربية. ومن المهم أن يبدأ الاعداد بدعوة العاهل السعودي الملك سلمان الذي يتولى رئاسة القمة منذ انعقادها في الظهران في الربيع الماضي. وهي الدعوة التي سلمها له وزير الشؤون الخارجية خميس الجهيناوي. وقد لاحظ الجميع أن هذا الأخير أدى ، مباشرة بعد ذلك، زيارة إلى أبوظبي لتسليم دعوة مماثلة إلى رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة. وكان له بالمناسبة لقاء مهم مع وزير الخارجية والتعاون الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان تطرقا فيه إلى سبل الارتقاء بمختلف أوجه التعاون الثنائي بين البلدين الشقيقين. وإن الأمل يبقى معقودا في أن يقع تجاوز الإشكالات القائمة مع الإمارات التي تظل رقما صعبا في الساحة العربية وشريكا مهما لبلادنا منذ قيام الدولة الاتحادية الشقيقة على يد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في سبعينيات القرن الماضي والذي كانت تربطه علاقات متميزة مع باعث الدولة التونسية الحديثة الرئيس الحبيب بورقيبة ، رحمهما الله. غدا الثلاثاء يحل بتونس الرئيس السنغالي المكي صال في زيارة رسمية الى بلادنا من شأنها أن تعيد التألق الى العلاقات الأخوية العريقة التي تربط بين البلدين والتي وضع أسسها ورعاها الرئيسان المؤسسان للدولتين الحبيب بورقيبة وليوبولد سيدار سنغور. وقد كانت هذه العلاقات مثالا يحتذى لأنها كانت تقوم على أسس واسعة ومتنوعة سياسية واقتصادية وثقافية وإنسانية. ورغم انحسار هذه العلاقات في السنوات الأخيرة فإن التقاء التونسيينوالسنغاليين يمثل دائما فرصة جيدة للسعي المشترك الى الارتقاء المتواصل بالعلاقات إلى ما هو أفضل وأحسن. وفي سنوات الاستقلال الأولى أسهمت تونس في إنشاء بنك في السنغال وفي إنشاء مؤسسات مشتركة. وليت هذا التوجه يعود إحياؤه من جديد من خلال تأسيس جامعات أو مؤسسات بحثية أو استشفائية كبرى أو مراكز لتطوير تقنيات الإعلام والاتصال تكون مشعة على دول الجوار لما يكون لذلك من مزيد ربط سبل التعاون المثمر بين البلدين حتى لا يبقى رهين تبادل تجاري وإن كان حجمه لا يستهان به وهو في صالح تونس. بعد العالم العربي وإفريقيا يأتي دور آسيا. إذ من المنتظر أن يحل بتونس في الأيام القادمة رئيس الوزراء لجمهورية كوريا الجنوبية لي لاك نيون الذي سيكون مرفوقا بوفد كبير من رجال الأعمال. من بينهم رؤساء مؤسسات كبرى مثل سامسونغ لدراسة إمكانيات التعاون والاستثمار الكوري في تونس بالنظر الى الإمكانيات والظروف التي توفرها بلادنا خاصة أنها يمكن أن تكون منصة لاستكشاف أسواق جديدة للصناعات الكورية تجاه كل من أوروبا وأفريقيا جنوب الصحراء. والضيف الكوري أعلى مسؤول من بلاده يحل بتونس منذ الاستقلال. وهو ما يدل على الأهمية التي تعطيها الدولة الصديقة لعلاقاتها ببلادنا علما أن الزيارة تأتي بعد إعادة الروح الى اللجنة المشتركة التي اجتمعت في أفريل الماضي بسيول بمناسبة زيارة وزير الشؤون الخارجية. وفي أواسط خمسينيات القرن العشرين كانت كوريا الجنوبية في نفس مستوى نمو الدول الفقيرة في إفريقيا وآسيا. لكن هذه الدولة رغم مساحتها الصغيرة (100 ألف كلم مربع) وعدد سكانها الكبير (51 مليون نسمة) فقد تمكنت من أن تصبح من أكبر الاقتصاديات في العالم. إذ أنها تحتل المرتبة الثالثة عشرة من حيث الناتج الإجمالي. كما أنها من أول المنتجين في العالم لآليات وتقنيات الإعلام والاتصال. وقد يكون من المفيد لبلادنا الاستفادة من الجوانب الإيجابية للتجربة الكورية التي تبقى مثالا يحتذى رغم اختلاف الثقافات وتباعد المسافات. وقبل نهاية السنة من المنتظر أن يحل ببلادنا وزير الخارجية الياباني تارو كونو في زيارة إلى تونس. ولا تخفى أهمية مثل هذه الزيارة. إذ تعتبر طوكيو من أوائل الشركاء الدوليين لتونس في مجال تمويل التنمية. إذ تولت منذ أواسط السبعينيات تمويل 41 مشروعا في مجالات ذات أولوية مثل الزراعة والصيد البحري والبيئة والبنية التحتية بتمويلات جملية بلغت 6 مليارات دينار.كما أن اليابان تعهدت بإنجاز محطة تحلية المياه بصفاقس التي تبلغ كلفتها أكثر من 800 مليون دينار. ولا شك أن هذه الزيارة ستضيف لبنات جديدة في صرح العلاقات الثنائية علما أن اليابان خلافا للبلدان الكبرى الأخرى لا يفرض التأشيرة على المسافرين التونسيين. وهذا مؤشر على العلاقات المتميزة بين الجانبين.