من وقت إلى آخر يضرب الإرهاب الجبان مخلّفا ضحايا وخسائر... ومخلفا أسئلة حارقة. والعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت مؤخرا في سبيبة من ولاية القصرين مواطنا تونسيا وفرعا بنكيا هي بكل تأكيد من هذا النوع... ذلك أنها تواصلت على مدى زمني قارب الأربعين دقيقة كانت كافية للإهابيين لكي ينفذوا عملية السطو على الفرع البنكي بمدينة سبيبة ويغتالوا الشهيد خالد الغزلاني شقيق شهيد المؤسسة العسكرية سعيد الغزلاني. ولو كانت العملية فجئية وخاطفة لقلنا إن تلك جبلّة الإرهاب الجبان الذي يختار الزمان والمكان لنفث سمومه وتنفيذ مخططاته الإجرامية ومن ثم التواري... لكن عملية القصرين الأخيرة تواصلت لما يقارب الأربعين دقيقة تحرك خلالها الإرهابيون بنوع من الأريحية ووجدوا الحيّز الزمني لتنفيذ فصلي هجومهم الإرهابي المزدوج قبل الانسحاب إلى جبل المغيلة دون أن يتعرّضوا للمطاردة.. وهذا الوضع يفرض على الجميع طرح الأسئلة اللازمة ومحاولة إيجاد أجوبة ضافية لها حتى نسدّ كل الثغرات التي ينفذ منها الإرهاب وحتى نتعرف على كل الحلقات المفقودة في استراتيجية وخطط حربنا على الإرهاب... يُطلّ في طليعة هذه الأسئلة سؤال جوهري حول خفايا وخلفيات الإخفاق أو التقصير الأمني الكبير الذي مكّن الإرهابيين من الرصد ومن جمع المعطيات والمعلومات بنوع من الحرية وبشكل مكّنهم من وضع خطة الهجوم المزدوج على الفرع البنكي وعلى شقيق شهيد المؤسسة العسكرية... وكذلك بشكل أتاح لهم الحيّز الزمني الذي كان يلزمهم (حوالي 40 دقيقة) لتنفيذ عمليتهم والانسحاب إلى جحورهم في جبال المغيلة. في هذه النقطة يبدو أن الجهة المكلّفة أمنيا بجمع المعلومات واستقصاء حركات وسكنات العناصر الإرهابية سواء في جبال القصرين أو في تخومها أو حتى داخل المدن والأحياء الشعبية لم تشتغل بالشكل المطلوب أو أن أساليب عملها تفتقر إلى النجاعة المطلوبة وتشكو ثغرات قاتلة... وإلا فكيف ينجح الطرف المقابل، رغم الظروف الصعبة التي يتحرّك فيها ورغم الملاحقات الأمنية وحتى تعاون المواطنين في أحيان كثيرة في تحقيق هذا الاختراق الذي مكّنه من حيّز زمني مريح كان يحتاجه لتنفيذ عمليته الإرهابية الغادرة؟ من بين الأسئلة الأخرى التي تفرض نفسها ما يتعلق بغياب حالة التعبئة والتأهب الضرورية لتوقّي مثل هذه العمليات الإرهابية أو للتصدّي لها عند حدوثها... بما كان يفترض ألا يجد الإرهابيون الأريحية التي وجدوها وأن يتمّ الاشتباك معهم وملاحقتهم والسعي الى إيقافهم أو الى تصفيتهم حتى يفكروا مستقبلا ألف مرة قبل أن يفكروا في تنفذ أعمال إرهابية مشابهة وتعريض حياة المواطنين والمؤسسات لأعمال من قبيل ما شهدته مدينة سبيبة. وهذه النقطة تحيلنا رأسا الى مسألة التعيينات والتغييرات في صفوف القيادات الأمنية بهذه المناطق، وهي مسألة أدّت الى تنحية قيادات وكفاءات أمنية عرفت بخبرتها في مجال مقارعة الإرهاب والإرهابيين. إن هذه الأسئلة وغيرها تحتاج الى تحقيق معمّق يخوض في الأسباب القريبة والبعيدة التي أفضت الى نجاح الإرهابيين في تنفيذ هجومهم المزدوج... تحقيق يفترض أن تتبعه محاسبة لكل المقصّرين والمتلاعبين بأمن البلاد والعباد حتى يدرك الجميع أن التقاعس أو الاسترخاء في التصدّي للإرهاب خطّ أحمر وأنّ أمن البلاد خط أحمر... وهو ما يفضي في الأخير كذلك الى مراجعة خططنا الأمنية في المناطق المواجهة لبؤر الإرهاب... كذلك الي صياغة استراتيجية جديدة لتجفيف المنابع أمام إرهابيي الجبال تفضي ليس الى تقليص مخاطرهم وشرورهم بل الى اقتلاعهم نهائيا من هذه الأرض الطيّبة... وهي استراتيجية تستوجب توفير كل الإمكانات البشرية والمادية وكذلك التجهيزات اللازمة لجعلها تمضي الى الآخر في مقارعة الإرهابيين وتخليص الوطن والمواطن من شرورهم. لم يعد معقولا ولا مقبولا أن تشهد البلاد مثل هذه العملية وأن يستكين الجميع بعدها... في انتظار تنفيذ العملية الموالية... وانخراط الجميع في موكب العويل المتجدّد على سقوط مزيد الضحايا والخسائر... فالدولة أقوى من الإرهاب وعلى الأجهزة الأمنية أن تثبت ذلك على الميدان.