يؤدي رئيس الحكومة الكورية السيد لي ناك يو زيارة رفيعة المستوى الى تونس على راس وفد هام من الوزراء والبرلمانيين ورجال الاعمال . اذا كانت فقرات هذه الزيارة متنوعة و ثرية فان هذا التنوع يعكس حرصا متبادلا على الارتقاء بالعلاقات بين شعبين تفصل بينهما المسافات و لكن تربط بينهما جسور الاحترام المتبادل و ارضية مشتركة من القيم و بعض محطات التاريخ . ذلك ان العودة الى ما لا يقل عن قرن من الزمن تكشف ان البلدين كانا في نفس الوضعية الاقتصادية و الاجتماعية . لقد كانت وضعية كوريا الجنوبية اشد تعقيدا في ظل ما شهدته شبه الجزيرة الكورية من حرب مدمرة كادت تمسح سيول و تركت دمارا يكاد يكون كاملا لم يكن عائقا و مكبلا للشعب الكوري الصديق الذي سرعان ما تحامل على جراحه و الامه و انطلق في ديناميكية لافتة في جميع المجالات ادت الى ما يعرفه العالم الان من تحول كوريا الى نموذج من نماذج التحول المجتمعي الشامل نحو الافضل و باقل التكاليف . تخلص الشعب الكوري من الديكتاتورية و جسد نموذجا ناجحا في محاربة الفساد و خاصة في النجاح الاقتصادي . و لا شك ان اللقاء الاقتصادي بين رجال و نساء اعمال من تونس و كوريا الذي يحتضنه اليوم مقر الاتحاد التونسي للصناعة و التجارة و الصناعات التقليدية يعتبر بكل المقاييس حدثا تاريخيا يتعين البناء عليه لتكريس علاقات قوامها الندية و العمل و التفكير في المصير المشترك . نحترم التجربة الكورية و كل التجارب الاقتصادية الناجحة و لكن هذا الاحترام لا يعني تناسي ما نملكه من خبرة و تجربة و قدرة على حسن الانجاز يستفيد من نقلها كل الاصدقاء و الشركاء و هو ما يعني ان هذا اللقاء سيفيد الطرف الكوري الذي يهتم بتونس لاكثر من سبب. نملك شبابا متحفزا و متكونا و موقعا جغرافيا متميزا الى جانب موارد طبيعية هامة. هذه عوامل هامة يتعين تثمينها خاصة و ان الكوريين يعتبرون تونس نقطة عبور هامة نحو افريقيا و اوروبا . يمكن للتعاون التونسي - الكوري ان يخفف علينا ضغط «النماذج التقليدية « التي نستلهم منها و التي يتاكد انها تعاني من ازمات هيكلية خانقة و لكنها تصر على ان تحول دوننا و الانفتاح على تجارب اقتصادية و انسانية ناجحة على جميع المستويات . ان نجاح الثورة التونسية في تحقيق اهدافها يمر وجوبا عبر التخلص من «الهيمنة « الاقتصادية التي تصر بعض الدول ذات الماضي الاستعماري على فرضها علينا و تمتين العلاقة مع كوريا يساعد على التخلص من هذه «الهيمنة» . من المهم تجسير العلاقة اقتصاديا و ثقافيا مع كوريا لان هذه الجسور تقوم على الاحترام المتبادل و الندية و العمل على نشر السلام و الانتصار لقيم العمل و احترام البيئة و التركيز على الطاقات البديلة و هو ما نحتاجه و يمكن ان نستفيد منه لانجاح التحولات الاستراتيجية التي تنتظرنا و هي التحول السياسي و التحول الثقافي و التحول الطاقي و قد نجحت كوريا في هذه التحولات باقل التكاليف و في اسرع حيز زمني.