تكاثر خلال الايام الاخيرة حالات الاعتداء على الاشخاص والحرمات وتعاظمت الجرائم بانواعها من قتل واغتصاب ونهب واعتداءات ارهابية مما يدفع الى البحث في سبل مواجهة هذا الانحراف السلوكي وطريقة معالجة الاسلام له . الإسلام لا يعتمد في إنشائه لمجتمع نظيف عفيف على العقوبة وحدها كأنه يترصد الناس وينتظر وقوعهم تحت طائلتها، انما يعتمد في المقام الأول على الوقاية من الجريمة والتحذير منها وتوعد مرتكبها بأشد العذاب. وقد عمل الإسلام على تضييق فرص الغواية ما أمكن، وإبعاد عوامل الفتنة والتهييج والإثارة في المجتمع الإسلامي، وهو بذلك كله يغلق كل نافذة تطل منها الفتنة، ويسد كل ذريعة تختمر فيها جراثيمها، ولضمان ذلك فقد حرم الإسلام أسباب الجريمة ودواعيها ووسائلها كحرمة الجريمة نفسها، ليستوقف الناس دوماً على مسافة بعيدة من حدود الجريمة فلا يقربونها. كما اعتمد الإسلام في الجانب الآخر على إزالة العوائق الطبيعية والمصطنعة التي تعيق إشباع الغريزة بالطريق المشروع النظيف، فيسر الزواج للفقراء رجالاً ونساء ليضمن حصانتهم وعفتهم الحقيقية. ثم حرم الإسلام الخمر لما فيها من أضرار بالغة تصيب الإنسان في عقله وجسده وتجعله يقف على حافة هاوية الجرائم. وحارب الإسلام البطالة وحث على العمل ورغب فيه، لان الفراغ جو يهيئ للإنسان فرصة الانحراف والوقوع في الجرائم. قال تعالى: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْس مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ»، وبسبب إدمانها وكم من الأعراض هتكت وكم من الأنفس أزهقت، هذه أشياء لا ينكرها عقل ولا تحتاج إلى نص . من هنا نادى الإسلام أتباعه المؤمنين باجتنابها والبعد عنها لأنها أم الخبائث ومفتاح كل شر، كما بينت السنة النبوية المطهرة. وقد حظي العمل في الإسلام باهتمام بالغ، وتقدير كبير، فهو دين يكره الكسل ويحارب الفقر ويمقت التعطل. والإسلام منهج عملي، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعمل في كل حياته مع المجاهدين يحفر الخندق، ومع الطهاة يجمع الحطب ومع أهله يخدمهم ويساعدهم. وقد حارب النبي صلى الله عليه وسلم التسول وحارب معه فكرة احتقار أي عمل ما دام حلالاً يسد حاجة الإنسان ويحفظ ماء وجهه، فقال: « لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من ان يسأل الناس أعطوه أم منعوه» وسياسة الإسلام في العقوبة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بسياسته في التربية والتنظيم، وقد هيأ الإسلام من سياسة التربية مناخاً طبيعياً تصح عليه دوافع السلوك وتبدو فيه أعمال الإنسان على النحو المرضي عقلا وذوقاً وشرعاً، فإذا كانت بعد ذلك جريمة فقد برهن مقترفها على أنه في حاجة إلى علاج بالعقوبة، تقويماً له وحفاظاً على حرمات الأفراد، وحماية للمجتمع، وتحقيقاً لأمنه. وحين لا تفلح التربية ولا يفلح التهذيب فلا مناص من العقوبة أسلوباً تستقيم عليه نفوس لا يجدي معها سواه. من أجل ذلك أعطى الإسلام للأسرة اهتماما بالغاً إذ أنها اخطر وحدة اجتماعية في بناء الأمة، وأهم لبنة في بناء المجتمع المسلم والأسرة هي المحضن الطبيعي الذي يتولى حماية الناشئة ورعايتها وتنمية أجسادها وعقولها، وفي ظله تلتقي مشاعر الحب والرحمة والتكافل، وتنطبع بالطابع الذي يلازمها مدى الحياة، وعلى هديه ونوره تتفتح للحياة وتتعامل معها. لذلك عمل الإسلام جاهداً على ان تكون البيئة التي سينشأ فيها الفرد بيئة تقية نقية تصان فيها الحقوق، وتتحقق فيها الفضائل. فشدد الإسلام على وجوب تربية الأبناء والاهتمام بهم، وتوفير كل الأجواء والمقومات التي تحقق لهم الخير. وكما ان المسلم مطالب بالعمل على إنجاء نفسه من النار فهو كذلك مطالب بإنقاذ أهله وأبنائه منها عملاً بقوله تعالى: «يا أيها الذي آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون» وقال أيضا «أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم» وهذا أمر نبوي بضرورة ملازمتنا أولادنا ومراقبتهم بأنفسنا، وهذا منتهى السمو في تربية النشء، وإن المجتمع الفاضل الذي تسعى إليه الشريعة هو المجتمع الذي يأخذ فيه كل فرد بيد صاحبه، لا يتركه ولا يخذله بل ينصره إن كان مظلوما، ويمنعه من ظلمه إن كان ظالماً، وهو ما يعرف بالأمر المعروف والنهي عن المنكر فتلك احدى الادوات التي تمنع الوقوع في المنكرات وتعصم ومن الوقوع في الجرائم وتجعل المجتمع المسلم بعيدا عن كثير من الشرور التي بشهدها مجتمعنا المعاصر .