عاجل/ يهم هؤولاء..وزارة التربية تعلن عن بشرى سارة..    5 ٪ زيادة في الإيرادات.. الخطوط الجوية التونسية تتألق بداية العام الحالي    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    هام/ ترسيم هؤولاء الأعوان الوقتيين بهذه الولايات..    تقلص العجز التجاري الشهري    عاجل/ استشهاد 3 أشخاص على الأقل في قصف صهيوني لمبنى تابع للصليب الأحمر في غزة..    13 قتيلا و354 مصابا في حوادث مختلفة خلال ال24 ساعة الماضية    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    القيروان: تسجيل حالات تعاني من الإسهال و القيء.. التفاصيل    وقفة احتجاجية ضد التطبيع الأكاديمي    بن عروس: انتفاع 57 شخصا ببرنامج التمكين الاقتصادي للأسر محدودة الدخل    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    العاصمة: وقفة احتجاجية لعدد من اصحاب "تاكسي موتور"    الحكومة الإسبانية تسن قانونا جديدا باسم مبابي!    لاعب الترجي : صن داونز فريق قوي و مواجهته لن تكون سهلة    الوكالة الفنية للنقل البري تصدر بلاغ هام للمواطنين..    هلاك كهل في حادث مرور مروع بسوسة..    فاجعة المهدية: الحصيلة النهائية للضحايا..#خبر_عاجل    تسجيل 13 حالة وفاة و 354 إصابة في حوادث مختلفة خلال 24 ساعة    صدور قرار يتعلق بتنظيم صيد التن الأحمر    فريق عربي يحصد جائزة دولية للأمن السيبراني    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    عاجل/ منخفض جديد وعودة للتقلّبات الجويّة بداية من هذا التاريخ..    حريق بشركة لتخزين وتعليب التمور بقبلي..وهذه التفاصيل..    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي يواجه صن داونز .. من أجل تحقيق التأهل إلى المونديال    وزارة المرأة : 1780 إطارا استفادوا من الدّورات التّكوينيّة في الاسعافات الأولية    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    بطولة انقلترا : مانشستر سيتي يتخطى برايتون برباعية نظيفة    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    البطولة الايطالية : روما يعزز آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الأوروبية    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    "ألفابت" تتجه لتجاوز تريليوني دولار بعد أرباح فاقت التوقعات    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب هذه المنطقة..    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    طقس الجمعة: سحب عابرة والحرارة تصل إلى 34 درجة    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    مهرّبون متورّطون مع أصحاب مصانع.. مليونا عجلة مطاطية في الأسواق وأرباح بالمليارات    الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي تتراجع بنسبة 3ر17 بالمائة خلال الثلاثي الأول من سنة 2024    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    سعر "العلّوش" يصل الى 2000 دينار في هذه الولاية!!    قرابة مليون خبزة يقع تبذيرها يوميا في تونس!!    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها الأول على الملاعب الترابية منذ 2022    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فقهنا السياسي من الظهور إلى الضمور
نشر في الحوار نت يوم 17 - 11 - 2015


دراسة من القرآن الكريم والسيرة النبوية الشريفة
محرم 1437 أكتوبر 2015
مقدمة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على الصادق الأمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا كراس صغير في موضوع الفقه السياسي الإسلامي ألتقط فيه معالم ذلك الفقه من إستقراءات في القرآن الكريم وفي سيرة مبينه عليه الصلاة والسلام إذ هو المكلف بتبيينه.
إخترت هذا المنهاج إستقراء لأصول هذا العلم من المصدرين الأوليين لعلي أستمسك بالعروة الوثقى فيه إذ هما سيما الكتاب العزيز الهادي المصدران اللذان نفيئ إليهما.
الحاجة ماسة إلى هذه المعرفة بسبب أن الإسلام بدأ من خلال الحركات السياسية الإسلامية المعتدلة يعانق ساحات الدولة ومعارك السلطة وفضاءات التأثير وهو محل إهتمام من لدن الخصوم والأعداء ومن لدن أهله وأبنائه والمقاومين دونه سواء بسواء.
الحاجة ماسة إلى هذا الفقه بسبب حالة الضمور التي إعترته مذ وقع الإنقلاب الأموي فيما سمي بعام الجماعة ( 40 هج ) ضد إرث الإسلام وإرث الخلافة الراشدة سيما في الحقل السياسي.
هو ضمور فرضته صولجانات الأمويين والعباسيين ومن جاء بعدهم ولجأ الفقهاء في الأعم الأغلب إلى المجتمعات يزكونها ويعلمونها ويحصنونها أن تبتلعها الدولة أو تؤثر فيها بعصاها الغليظة أو بعطاياها السخية وبذا ورثنا إنتفاخا في فقهنا العقدي ( علم الكلام ) وفي فقهنا التعبدي حتى وردت عشرات المسائل التي لا ينبني عليها عمل أصلا بل هي إفتراضات مدرسة الأرأيتيين وكذا في فقهنا الأسري والعائلي.
وظل فقهنا الآخر وهو الأوسع دائرة والأشد تأثيرا من مثل الفقه السياسي والدستوري و الإقتصادي والعلاقات الخارجية ضامرا.
ولما بدأت بعض الأوضاع الدولية والعربية والإسلامية في التبدل الجزئي و أصبح الإسلام شريكا في الحكم في بعض المواضع ظهرت لنا عورات ذلك الضمور بارزة.
وعندها إهتبل فريقان منا الفرصة. هؤلاء يدعون أنه يمكن أن نحكم بما لدينا من رصيد تاريخي ومنه مثلا إقامة الخلافة وتطبيق الشريعة ويكون الخليفة ليسا مختارا من الشعب بل من طائفته وفرقته ويكون حاكما لنا مدى الحياة وتكون الشريعة مختصرة في الجانب الجزائي العقابي منها فنعمد الآن إلى قطع يد السارق وجلد الزاني وقتل المرتد وغير ذلك ولا حاجة لنا بالمرأة لا مرشحة ولا متحملة لأية مسؤولية.
والفريق الثاني غربي الهوى مستعبد مسترق فهو يدعو إلى العلمنة جزئية أو شاملة ولا حاجة لنا لا بشريعة ولا بتفاصيل في قضية الأسرة ليظل الشذوذ محميا وتقنن المثلية وتباح الخبائث بإسم الحرية.
هنا تكون حاجتنا إلى إجتهاد فقهي سياسي أدنى إلى أصول الإسلام وكلياته وإلى تلبية حاجات الناس المعاصرة كما فعل الأصحاب أنفسهم وهم أدنى إلى النبوة.
تلك هي طبيعة التشريع : تفصيل فيما لا يتغير من مثل العبادات و الأسرة. وإجمال لما لا تكنه العقول حقائقه ولكنه مبسوط للفهم من مثل الإيمان. ومستوى تشريعي ثالث هو : إخضاع أكثر الشؤون العامة للأمة إلى الكليات والمقاصد والمبادئ لتظل وفية للمعتقد به موجهة ومغذاة وأوفى لتلبية حاجات الناس إذ ما جاءت كذلك أي كليات واسعة إلا لتستوعب الزمان والمكان تحت سقف العقيدة وفوق أديم الشريعة.
وما نحن بصدده أي الفقه السياسي راجع إلى المستوى الثالث حيث لنا فيه كليات ومقاصد ومبادئ عامة واسعة وعلينا الإجتهاد لتنزيلها فقها بعدما كانت شريعة بحسب مؤهلاتنا و ما يقتضيه عصرنا مشدودين دوما إلى السقف العقدي التشريعي الأعلى.
فإن تكاسلنا عن ذلك ألفى الفريقان مما أنف ذكره فرصة للفسق عن الشريعة إما بدعوى نبذ البدعة أو بدعوى اللحاق بركب الأمم المتقدمة من حولنا.
هي مساحة خطيرة فهي مرآة الإسلام التي ينظر بها الآخر إليه وإلينا. هي مساحة تعني الدولة أي التأثير والتوجيه والتنفيذ وهي مساحة تشتبك مع الموازين الدولية المنخرمة ولا بد أن يكون نسيجنا هنا قويا أصيلا معاصرا يجلب للناس مصالحهم.
ما معنى : فقه سياسي؟
الفقه هو العلم بالشيء أو بالأمر بطريقة إدراكية تقوم على دليل صحيح لا يتسلل إليه الإحتمال فيسقط به الإستدلال وهو بذلك لا يكون إلا علما متكاملا لا جزئيا وعميقا لا سطحيا. فالفقه إذن هو العلم ( والعلم لا يكون علما حتى يكون قائما على دليل ) المتكامل والعميق. العمق يقيه الظاهرية المضللة والتكامل يقيه التجزئة. لذلك طلب منا في الدين الفقه وليس العلم ولا الفهم ( ليتفقهوا في الدين ) سيما لمن تكون مهمته تعليمية. الفقه هو أعمق درجات العلم وأعلى مستويات الفهم فلا تقول فقهت أنك بجانبي لأن ذلك لا يتطلب فقها بل يقتصر على العلم بل هو علم تشترك فيه مع العجماوات لأنه علم بطريق الحس المادي. ولكن تقول : فقهت أنك صاحب حجة بالغة ولا يكون ذلك إلا من بعد الجدال مع ذلك الصاحب لزمن ومن بعد معالجات فكرية وذهنية. ولكن غلب إستعمال العلم عند العرب وفي الوحي على إستخدام الفقه ربما لثقل الفقه وهو ثقيل فعلا ولخفة العلم وهو فعلا مقارنة بالفقه خفيف. الفقه الذي حجب عن المنافقين وغيرهم مما عيروا به في الوحي الكريم معناه عدم توصلهم إلى علم صحيح متكامل عميق يجعلهم يصدقون برسالته عليه السلام وليس هو بمعيارنا نحن اليوم أي العلم بالأحكام الشرعية العملية التكليفية. ولذلك يقدم الفقيه على العالم لأن الفقيه يتجهز بأسلحته ويمخر عباب الوحي ليعرف صحيحه من سقيمه أولا ( السنة ) ثم يعرف أحواله ثانيا فيميز بعضها عن بعض ومن ذا يلحق هذا بالخبائث ليحرم ويلحق هذا بالمباحات فيقيد عند الضرورة . ولكن العالم حسبه أنه يعلم ما توصل إليه الفقيه ويعلم كذلك الدليل الذي ركن إليه فقدمه وأخر غيره كما يعلم سبب إختلافه مع فقيه آخر. هي درجة أدنى إذن. وأشار إلى ذلك عليه السلام في حديثه الصحيح ( فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ) إذ سمى الأول بالحامل وسمى الثاني وهو لا يملك ذلك العلم المحمول إليه بالفقيه. أي : العالم هو حامل الفقه والفقيه هو منتج الفقه. وأكثرنا اليوم ممن يتصدى المنابر وينسب إلى العلم الشرعي لا هو عالم بمعنى علم الدليل وسبب الإختلاف إذ قال العلماء ( من لم يعرف إختلاف العلماء فلم يشم رائحة الفقه ) ولا هو فقيه يستنبط الموقف الجديد المناسب للواقعة إذ مهمة الفقيه الإستنباط الذي هو ثمرة الإستقراء ( ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ). والإفتاء هو مهمة الفقهاء وليس مهمة العلماء إذا كان الإفتاء يعني إجتراحا لحكم جديد وفق ما هو معروف في علم أصول الفقه ومقاصد الشريعة وغير ذلك. أما الإعلام بأن الخمر يحرم شربها إلا للضرورة فلا يسمى ذلك إفتاء بل تعليما لجاهل.
وما شأن السياسة هنا ؟
السياسة كلمة وردت في الحديث النبوي الصحيح ( كانت بنو إسرائيل تسوسهم أنبياؤهم ..). ولم ترد في القرآن الكريم البتة. ساس يسوس سوسا وسياسة ( فعل ثلاثي معتل العين فهو أجوف ) وهو كما ينبض بذلك جذره اللغوي الثلاثي الأصيل ( س ا س ) فعل ينتمي إلى اللطف واللين والرفق والهوان بسبب أنه مركب من حرفي وسوسة وصفير رقيق وهما حرفان مرققان. السوس والسياسة هي إذن معالجة الأمر بطريقة ذكية لطيفة تجلب للناس مصالحهم وتدرأ عنهم المفاسد بأكثر ما يمكن من اليسر والسهولة بل حتى بكثير من الحيلة الإيجابية من مثل حيل إبراهيم ويوسف عليهما السلام في القصص القرآني. كما تقول العرب : ساس فلان دابته أي صاحبها ليعالج ما يفسدها فلا يشقى بها ولا تشقى به.
ذلك هو معنى السوس والسياسة لغة ودلالة إصطلاحية كذلك. سيما بسبب تعقد مصالح الناس وكثرتها وشغب بعضها على بعض فلا بد لها جميعا من سائس أو سوسة وسائسين يعرفون الإنسان ويعرفون الزمان ويعرفون المكان ويعرفون القضية محل العلاج وغير ذلك من شروط الذكاء والحكمة والقوة في غير قهر ولا ظلم واللين في غير ضعف وهوان.
فإن سيس الناس بغير ذلك فإن مصالحهم تتعرض للهلاك سواء منهم هم أنفسهم أو من غيرهم ممن يحيط بهم.
القرآن الكريم لم يستخدم الكلمة ولكن إستعاض عنها بكلمات منها : الأمر. وهي الكلمة التي كلما وردت فيه عادة ما تنصرف إلى الشأن العام الذي يخص الناس كلهم سواء كان في الحقل المالي أو الحكومي أو التنظيمي أو الخارجي ( وأمرهم شورى بينهم ).
القرآن لم يهتم بالكلمة ولكن إهتم كثيرا بما يصلح الناس في أمرهم العام وسياستهم الجماعية فشدد على وحدة الصف المرصوص وعلى التشاور والتوافق والتراضي وعلى الإعتصام وعلى التواصي بالحق وبالصبر وبالمرحمة وبتحكيم الميزان مع القرآن وبالقوة والحديد وبالعلم والإجتهاد والمعرفة والفقه وبالعدل والقسط والحكم بالحق وبالحق في التنوع والإختلاف وبالأسرة من ألفها إلى يائها كما يقولون إلخ ..
ذلك هو منهج القرآن الكريم : لم يحدّ لنا الإيمان ولو مرة واحدة ولكن ظل يذكر لنا آثاره الطيبة التي يثمرها إذ المقصود هو آثاره أما هو في حد ذاته فهو إلى الفطرة البشرية أدنى.
وفي السياسة كذلك : لم يستخدم اللفظ ولم يحده لنا ولكن أكد على قواطعه أن تند حياة الناس عن الفلك المرسوم فيه فتضل كما يضل نجم أبق عن فلكه.
حتى إنه لم يأمر مثلا بتأسيس دولة ولكن أمر بمقتضى ذلك بطريقين :
1 طريق الغريزة كما قال إبن خلدون ( الإنسان مدني بطبعه ) وما كان من الجبلة فإن الإسلام لا يأمر به ولكن يهذبه ويشذبه وينقيه ويحضره ويرقيه. إذ الناس لفرط حاجة بعضهم لبعض سيحتاجون قطعا لتاسيس جماعة فهي حاجة فطرية لا تحتاج لأمر شرعي. ألا ترى أنه لم يأمرنا بالحدب على فلذات أكبادنا ولكنه شدد كثيرا على الحدب على من خلفنا وراءنا أي على آبائنا وأمهاتنا. لم؟ لأن الحدب على فلذة الكبد أمر فطري جبلي لا يحتاج لأمر شرعي لأن الأمر الشرعي قد يعصى وإذا عصي هنا فقد فنيت البشرية وتعطلت إرادته هو سبحانه. ولكن الحدب على الوالدين ليس فطريا فقد يعصى ولذلك إحتاج إلى أمر شرعي ملزم مشدد فيه.
2 طريق سماه الفقهاء ( ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ) أي طريق الوجوب المفروض اللازم بسبب طبيعة الحياة نفسها ولذلك لم يأمر ببناء دولة ولا خلافة ولا ملك ولكن أمر بما يقيم لذلك أوده فيكون قويا عادلا من مثل العدل والقسط والتعارف والحرية والكرامة والصف الواحد المرصوص والعلم. فهل يتم عدل ونحن نحيا مفرقين؟ وهل يتم تعارف ونحن ممزقون وهل يتم إعتصام ونحن متشظون؟
ولذلك عد الإسلام بعقيدته وشريعته نظاما في الحياة البشرية جامعا متكاملا لا يند عنه حقل من حقول الإنسان ولا هم من همومه ولم تظهر شاغبات العالمانية لا جزئية ولا جامعة إلا من بعد حدوث الغزو الغربي إذ نشطت خلاياه فينا وعملت فعالياته لبث ثقافة كنسية متأثرة بالمعركة الطاحنة التي جرت هناك بين العلم والحرية من جهة وبين الكنيسة المسيحية الظالمة متحالفة مع القيصرية السياسية المتغولة من جهة أخرى.
وعندما تجد في الكتاب العزيز أوامر بالحكم بالحق بين الناس وبالعدل والقسط وبالعاملين على الزكاة وبغير ذلك فكيف تقبل أن هذ الدين لا علاقة له بالسياسة؟ إذا كنت ممن يتجاوز المبنى لإصابة المعنى. كيف يحكم بين الناس بالحق والعدل ومن ينتدب العاملين على توزيع المال العام وكيف وبأي مقياس ومن يؤجرهم على ذلك ؟
إذن لا بد من ضرب من ضروب التنظيم الواقع بينهم ولا حرج عليك من بعد ذلك سنة الإسلام في تجاهل الأسماء أن تطلق على ذلك خلافة أو ملكا أو دولة أو جماعة أو أمة أو جمهورية أو إمارة أو أي شيء عنّ لك. لا حرج عليك أبدا إطلاقا ما كانت المقاصد مرعية.
فما هو الفقه السياسي إذن ؟
1 كان يسمى ( فقه السياسة الشرعية وهو جزء من أصول الفقه ). أي هو العلم الذي يهتم بتنظيم الحياة العامة بين الناس وليس بتنظيم حياتهم الخاصة أو شبه الخاصة أي الواقعة بين المساحتين من مثل التوحيد والصلاة وغير ذلك.
2 ولا حرج عليك أن تسميه اليوم فقها سياسيا أو ماليا أو دستوريا أو أي شيء ولكن الحرج أن تعتقد أن الإسلام لا عمل له هنا لأن المسألة عقلانية دنيوية تتقلب بتقلب الأزمنة والأمكنة والمستجدات وهذا صحيح ولكن الإسلام إهتم بذلك أيضا و رتب له بكليات ومقاصد ومبادئ وتوجيهات عامة وتعليمات واسعة حتى لا يحد من حريتك ويجعل دينه ملائما للناس في كل زمان وفي كل مكان.
3 الفقه السياسي هو إذن : العلم أو العلوم والمعارف الذي يدرك بالوحي نفسه وبالتجربة والعقل كذلك لأجل تنظيم الحياة العامة للناس في حقولها الدولية والحكومية والتنظيمية والقانونية والدستورية والقضائية والمدنية والمالية الإقتصادية وفي حقل العلاقات الخارجية في كل الحالات من حرب وسلم وهدنة وغير ذلك على مقتضى أمرين كبيرين إليهما يرد كل شيء ( الفطرة البشرية والسنة الإلهية ). أي على مقتضى ما تستوجب الفطرة البشرية التي عليها يستند الدين من حب للتقدير والعدل والقسط والكرامة والحرية والكسب والتعاون والأمن وهي الموجبات نفسها التي شيد عليها سبحانه كونه العابد كرها تقريبا مع الفارق بين الكائن العاقل المكلف المسؤول وبين غيره.
4 الفقه السياسي هو مختلف الأحكام الشرعية التي نجمعها وننفذها لأجل جريان الحياة وفق مراده وهو يريد سبحانه العدل والقسط والكرامة والإعتصام والوحدة والحرية والتعارف والقوة والتشاور والعلم إلخ..
5 الفقه السياسي اليوم موسع بطبيعته بسبب أن السياسة اليوم في دنيانا تتحكم في بقية الحقول كلها تقريبا سيما أن ثورة الإتصالات فرضت العولمة الغازية بخيرها وشرها. ولذا يكون الفقه السياسي موسعا ليشمل العلاقات بين الحاكم وبين المحكوم في الحقل الدستوري التنظيمي القانوني وبينهما كذلك في الحقل المالي وغير ذلك إذ أن الدولة اليوم تغولت حقا وإبتلعت أو هي بصدد ذلك أو متشوفة إليه أكثر ما يمكن من حقول الحياة.
6 الفقه السياسي لا بد له من ذلك لأن السياسة اليوم يغذيها المال فهو الذي يهيئ لها مجال حركتها فإن كان شحيحا إنقبضت وإن كان مدرارا إنبسطت. المال يصنع القوة والقوة هي التي تحدد للدولة محيط فعلها داخل حدودها وخارج حدودها.
7 من ينظر إلى إرثنا الفقهي هنا لا يجد شيئا يذكر ومن وجد شيئا يذكر فإنه لا يلبي المطلب المعاصر بأي حال. فقهنا السياسي على فرض وجوده عمليا بعد الإنقلاب الأموي ضد إرث النبوة وإرث الخلافة الراشدة المهدية الأولى ومبناها الشورى لا الوراثة لا يسعفنا بشيء تقريبا إذ جمد وتحنط على حالة من الوراثة السياسية الملكية وليست تلك هي أمر الإسلام إلينا في سورة مكية كاملة إسمها سورة الشورى وعلى حالة من الإندياح الجغرافي لأمة المسلمين أي رقعة واسعة شاسعة برأس واحد يحكم برؤوس صغرى أخرى في الأقاليم والإمارات البعيدة وهو وضع لم يعد له وجود وتطورات أخرى كثيرة على المستوى الدولي سيما في الحقل المالي الإقتصادي وحقل العلاقات الخارجية التي كان مبناها ( الفتح الطالب ) قديما تحريرا للناس من الطواغيت التي تحول دون شعوبها ودون سماع كلمة الحق واليوم نحن محكومون بعلاقات موثقة دوليا ومحروسة بالسلاح الحار .. الوضع إذن في حقل السياسة الشرعية أو الفقه السياسي بمعناه الموسع هو غير الوضع بالتمام والكمال.
8 من ذا وجب إحياء ( الفقه السياسي ) ونعني به السياسة صانعا للدولة والحكومة والمال والعلاقات والقانون والدستور والقوة وغير ذلك وليس علاقة عمودية جافة بين حاكم ومحكوم .. كما نعني به الجمع بين قواطع من الوحي صحيحة صريحة هي القواعد المحكمة والحاكمة العليا لهذا الفقه وهي مبثوثة بغزارة في صورة كليات في الوحي الكريم وبين خلاصات التجارب ثم نجني الصالح هنا والمفيد لنا من التاريخ كله سواء كان إسلاميا أو غير إسلامي نشدانا للحكمة والميزان ويقع دمج كل ذلك في معادلة معاصرة تراعي التكييفات النظرية آنفة الذكر سيما من الوحي مع التكييفات التي يتحملها زماننا ومكاننا.
9 إجتراح فقه سياسي إسلامي معاصر مبناه ميزانان كبيران هما : ميزان المصلحة والمفسدة وميزان العدل والجور تحت سقف المرجعية الإسلامية وفوق أديم الأمة الواحدة .
10 هذا الكراس لا يتصدى لذلك فهي مهمة مجامع علمية فقهية عريقة وكبيرة ومدججة بالأساطين والعقول الكبيرة ولكنه إثارة من الإثارات التي قد تدفع الحوار في القضية.

منهاجي في هذا الكراس :
1 أستقرأ المواقع التي فيها حديث عن الشأن العام للناس سواء كان في الحقل السياسي نفسه أو في الحقول العامة التي لها بذلك صلة بما في ذلك القصة التي عني بها القرآن الكريم حتى جعلها ثلثه بالتمام والكمال وغرز فيها الميزان السياسي وشحن بها الحكمة التي طلب إلينا لقفها من أي وعاء خرجت.
2 أستدر من تلك المواقع القصصية وغيرها ما تيسر لي من العبر السياسية والمعاني العامة التي تصلح أن تكون محكمات أو قواعد أو مبادئ أو مقاصد أو كليات كبرى.
والله سبحانه وحده أسأل في كراسي هذا سدادا منه وتوفيقا وحكمة وتوازنا وإخلاصا له وحده سبحانه.










محتويات الكراس


المحور الأول :
إستقراءات سياسية عامة من القرآن الكريم.


المحور الثاني :
إستقراءات سياسية عامة من السيرة النبوية الشريفة


المحور الثالث :
بعض الخلاصات الصحيحة في موضوع الفقه السياسي.








قراءات سياسية في القرآن الكريم

الموضع الأول :
" وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ". ( البقرة 30). لا حاجة لنا هنا للنظر : الإنسان المستخلف من لدن ربه سبحانه من يخلف؟ هل يخلف ربه نفسه سبحانه أم لا. ليس هناك حاجة مفيدة لهذا. الإنسان مستخلف هنا بالعلم الذي علمه إياه ربه وفضله به على الملائكة الذين أخضعهم للسجود له والذين إستعجبوا كيف يستخلف سبحانه جنسا يفسد في الأرض ويسفك الدماء.
النتيجة السياسية : العلم ونبذ الفساد وسفك الدماء .. شرطان من شروط الإستخلاف والإستئمان عندما يباشر الناس ذلك.
الموضع الثاني :
" قال لا ينال عهدي الظالمين".(البقرة 124). لما سأل إبراهيم عليه السلام ربه أن يجعل الإمامة في ذريته مثلما جعلها فيه قال له ( لا ينال عهدي الظالمين ). لم يقل : لا ينال عهدي الظالمون. لأن الظالمين لا يرتقون إلى مرتبة تجعلهم مظنة نيل عهده سبحانه وهو عهد الإمامة للناس والإمامة في الإسلام هي إمامة جامعة وليست إمامة دينية فحسب كما هو الحال عند أهل الكتاب. العهد هو الذي لا ينال الظالمين وليس الظالمون هم الذين لا ينالونه. البون بين المعنيين شاسع واسع. هو فاعل مرفوع ومصف عال وشرف كبير والظالمون غير كذلك.
النتيجة السياسية : الإمامة السياسية والظلم عدوان لدودان لا يجتمعان إلا في ساحة وغى لاظية.
الموضع الثالث :
" وتدلوا بها إلى الحكام ".( البقرة 188). الآية في الإرتشاء الذي هو ضرب واحد من ضروب أكل أموال الناس بالباطل عن علم وبينة وليس غررا صغيرا معفوا عنه أو جهلا بغير عمد. توجه النهي إلى الأمة وبصيغة الجماعة ولم يتوجه إلى الحكام أنفسهم.
النتيجة السياسية : الأمة هي المسؤولة الأولى عن أموالها وحكامها فهي صاحبة الأمر تصرفه بحسب ما ورد إليها وتولي عليها من تظن فيه العدل والقسط. الأمة هي الطرف المؤجر والحكام هم الطرف المستأجر بمقابل إلى حين تنظر فيه الأمة فيهم من جديد.
الموضع الرابع :
" وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ".( البقرة 190).
النتيجة السياسية : القتال فرع من فروع الجهاد الكثيرة وهو مختص برد عدوان المقاتلين فلا قتال إلا ضد من يقاتلنا وليس ضد من لا يقاتلنا وإلا كان عدوانا بل إن من العدوان قتال من يقاتلنا بأكثر مما يقاتلنا وبأي صورة من صورة الكثرة والمبالغة وإلا خرج القتال عن سبيل الله وكان في سبيل الشيطان الذي يضم إليه كل قتال ليس في سبيل الله.
الموضع الخامس :
قصة طالوت وجالوت ( البقرة 246).
النتيجة السياسية : القتال عمل لا يكون إلا مقودا من أهله وفي محله وليس فوضوية بسبب أنه مهلكة للحرمات المقدسة ( إبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله). وهو عملية تحررية وليس تشفيا ولا عدوانا ( وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وإبنائنا ). من شروط الملك القوة الفكرية والبدنية ( وزاده بسطة في العلم والجسم ). طاعة الملك من شروط النصر ما لم يكن ظالما وتتأكد في حالات الطوارئ القصوى ( فشربوا منه إلا قليلا منهم ). يمكن للقلة أن تحدث الفارق أي فارق الغلبة بشرط الصبر ( فهزموهم بإذن الله). أعلى مطلوبات الملك : القوة والحكمة والعلم فهي ثلاثية السؤدد والتحضر. التدافع قانون إلهي ماض مطرد لا يتخلف وهو الذي نتقلده لتغيير الموازين التي لا تتغير بالرؤى أو بالقعود والدعاء ولا بالصلاح منزوع الدسم الإصلاحي أي الصلاح القاعد.
الموضع السادس :
" لا إكراه في الدين ". ( البقرة 256).
النتيجة السياسية : الحرية هي المقصد الأسنى من الإسلام وهي المعقد الأعلى من الشريعة إذ ما أنزل الله إلينا وحيا إلا لنتحرر من سجون أهوائنا أولا وهي التي تدفعنا إلى المقاومة للتحرر من بقية السجون المحيطة وهي كثيرة. الحرية لثقلها في الإسلام عبر عنها بضدها تأكيدا لها وفق صيغة لا إله إلا الله أي نفي الضد لتأكيد الحق. فإذا كان الإنسان منفيا عنه إكراهه على الدين وهو غذاء السياسة أن تتوحش نفيا وليس نهيا فحسب فإن المنطق العقلي يقودنا إلى أن كل ما هو تحت الدين منفي عنه ذلك. والسياسة تحت الدين فهي منفية بالإكراه مفروضة بالحق. من لم يرض أن يكون له رب يكره عليه لا يرضى أن يكون له حاكم يكره عليه. قاعدة عقلية منطقية إسلامية تربعت فوق عرش الرشد.

الموضع السابع :
قصة إبراهيم الخليل عليه السلام مع النمرود. ( البقرة 258).
النتيجة السياسية : من تمام الإعتقاد وخلوص التسليم وصفاء الإيمان جهاد الطواغيت الذين يحولون دون الناس ودون سماعهم كلمة ربهم أما جهاد رعية نخرها الذل وسيف السلطان فوقها مرفوع مسلط فلا يغير من الحال شيئا حتى لو أتى بشيء من الخير. وأفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر والجهاد أفضل عمل بعد الإيمان.
الموضع الثامن :
" للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله .." ( البقرة 273).
النتيجة السياسية : أولى الناس برعاية الدولة هم الفقراء من الذين قامت عليهم الدولة الجديدة بمشروعها التحريري وإعمال التوازن مطلوب دوما ولكن الضابط هو عدم تعريض أولئك الفقراء منهم فحسب لذلة الفاقة تحت أي دعوى.
الموضع التاسع :
الحملة ضد الربا. ( البقرة 275).
النتيجة السياسية : المال حاجة كالحرية بل هو ضجيع الحرية وشرطها. والعدل فيه كسبا ومتعة وتوزيعا وإستثمارا فريضة عظمى مقدمة من فرائض الدولة لتعويق كل طريق مفض إلى أكل أموال الناس بالباطل. والربا الذي هو عمود إقتصاد الأرض كلها هو صورته الفاحشة الصارخة. فمن أبى فليتجهز لحرب الله
الموضع العاشر :
آية الدين الأطول مطلقا. ( البقرة 282).
النتيجة السياسية : من أوكد مهام الدولة حفظ الحقوق المالية للناس ومن مستلزمات ذلك تجهيز الإدارة للتطور والتعصر والتحضر والترقي بالكتابة والتوثيق والتخزين والنشر نشدانا للتقدم والنهضة ولتقديم خدمات صحيحة وسريعة وقابلة للمحاسبة والتقويم والمراجعة وبث التعليم المناسب لتخريج إطارات إدارية وقيادية عليا سعيا حادبا لحفظ حرمات الناس.
الموضع الحادي عشر :
" وأعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ". آل عمران 103.
النتيجة السياسية : أعلن السياق هنا بإجماع المفسرين أن الكفر هو التفرق الذي سببه طاعة أهل الكتاب ( الآية 100). وكان ذلك بمناسبة تنازع على بئر مما كاد أن يعرض الصف الإسلامي الواحد على تنوعه إلى التصدع فنزلت هذه بشدة ونكير لفرض عزيمة الإعتصام بالدين أي بمحكماته وليس بمتشابهاته على المؤمنين كلهم والمؤمنات. وعدت الإعتصام هو تقوى الله حق تقاته مما لا يرقى إليه ملك مقرب إذ لا يقوى على تقوى الله حق تقاته مخلوق أبدا.
الموضع الثاني عشر :
" يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم ..". آل عمران 118.
النتيجة السياسية : بطن الأمة فؤادها الحي النابض حيث المؤسسات والقرارات ورسم السياسات وتحليل قضايا الأمن والخوف لا يلجه إلا خلّص الأمة وليس من غيرها توقيا للخيانة والغدر فلا ولاية لهم علينا خارجيا ولا ولاية لهم فينا داخليا من باب أولى وأحرى ولا ينفي ذلك التعاون في كل حقل كما إستأجر عليه السلام لقيادة الهجرة مشركا. البطانة من البطن لسانا عربيا وجذرا لغويا مشتركا.
الموضع الثالث عشر :
" ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ..). آل عمران 104.
النتيجة السياسية : الدعوة إلى الخير في الأمة مؤسسة أي أنها عملية مأسسة وتنظيم وليست عفوا أو تطوعا إذ هي أكبر فريضة إسلامية بعد الأركان الأربعة المعروفة حتى عدت عند بعض الفرق ركنا خامسا وهو راجح جدا. وظيفة هذه المؤسسة الحكومية مزدوجة : حماية فريضة الإعتصام آنفة الذكر من جهة وعدم تعريض الأمة وصفوفها لذهاب اللون والريح والطعم تميزا لها إذ الدعوة الداخلية إلى الخير هي ملح الأمة وبدونه تفسد فساد طعام لا ملح يحفظه.
الموضع الرابع عشر :
" فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لإنفضوا من حولك فاعف عنهم وإستغفر لهم وشاورهم في الأمر ". آل عمران 159
النتيجة السياسية : يخاطب عليه السلام هنا بمقام الولاية السياسية العامة وليس بمقام النبوة المبلغة فحسب وبذا ينسحب هذا على كل مسؤول يخلفه مهما كانت صفته أو حتى مستوى مسؤوليته. فرائض المسؤول هي : اللين وخفض الجناح والحلم والرحمة لجمع الصف وعدم تعريضه للتمزق بخلقه الغليظ الجاف + سلوك العفو قدر الإمكان درء للحدود بالشبهات إلا أن يعرض العفو ميزان العدل والقسط للميلان + الإستغفار للناس وهو من أثر حب متبادل + مشاروة الناس فيما يجد ويستحدث. الشورى في الأمة فريضة وليست نافلة وهي ملزمة للحاكم وليست معلمة فحسب ولكن لها مؤسساتها وقوانينها وحقولها. والعبرة فيها هي كرامة الإنسان وتعبئته ليكون الإنسان الصالح المصلح المسؤول في أهله وقومه وأمته ونخل الآراء نشدانا لأدناها شرا أو لأعلاها مصلحة موازنة بين الخيرين وبين الشرين.
الموضع الخامس عشر :
" وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ". آل عمران 161
النتيجة السياسية : لرفعة إعتبار الإنسان مالا عنده سبحانه بدأ بتجريم الغلول وهو الأخذ من مال الأمة قبل التوزيع ودون إذن المسؤول المكلف من الأمة نفسها عليه هو عليه السلام وكأنه معرض لذلك وهو غير معرض لذلك ولكن لعظمة الجريمة بدأ به لعل الترهيب منها يحصل في صدورنا نحن. ولم يرتب على جريمة الأخذ من المال العام في الدنيا شيئا ليكون الجزاء فظيعا شنيعا يوم القيامة. حرمة المال العام على كل أحد حتى على النبي نفسه أي على المسؤول نفسه هي الرسالة السياسية.
الموضع السادس عشر :
" يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ".آل عمران 164
النتيجة السياسية : وظائف أربع للمسؤول الذي يخلفه في منصبه الدنيوي عليه السلام وهي وظائف الدولة التي تكلفها الأمة لخدمتها : تلاوة الآيات أي بناء المساجد وتوفير الأئمة الأكفاء والمناخ الذي يكفل للناس سماع آيات الله + تشييد المؤسسات الكفيلة بتزكية النفوس وتطهير القلوب تحصينا للصف الداخلي الواحد أن تدب فيه دابات الفرقة + ومثلها المؤسسات الكفيلة بالتعليم والتربية والتأهيل والتحصيل العلمي في كل حقل ديني ودنيوي سواء بسواء ومنها العلوم الفنية العملية التي تعلمنا الحكمة ومن أي وعاء خرجت أو وطاب برزت. أي على الدولة وظائف تعليمية تربوية جامعة حيال الناس الذين كلفوها بخدمتهم.
الموضع السابع عشر :
" إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعمّا يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا. يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا". النساء 58 59
النتيجة السياسية : هذا الموضع المتركب من آيتين هو أول موضع يحمل إلينا معالم المرجعية الدستورية السياسية الأولى في الإدارة والحكم كما يحمل إلينا أكبر معالم الرسالة نفسها. لا وجود لأي موضع آخر في القرآن الكريم كله هو أشد وضوحا وأكثر جلاء منه لبيان الرسالة ومرجعيتها. رسالة الإستخلاف وعنوان الإستئمان هما : الحكم بالعدل بين الناس وأعتبرت تلك هي الأمانة التي هي في عنق كل مؤمن ومؤمنة تكافلا منهم جميعا لتأديتها إلى أهلها أي إنتخاب من هم أهل للقيام بأعباء الحكم بين الناس بالعدل. أما مرجعية الحكم الكفيل بتحقيق العدل فهي طاعة الله أي طاعة كتابه أولا ثم طاعة رسوله عليه السلام أي طاعة سنته ومنهاجه العام في الحكم والإدارة ثانيا فإن عرضت لنا قضية لا قرآن لنا فيها ولا سنة نؤسس المجالس العلمية والفكرية الكفيلة بملء ذلك الفراغ إعتمادا على الأصول والمقاصد نفسها التي جاء بها الكتاب والسنة فلا تكون طاعة أولي الأمر سواء كانوا ساسة علماء أو ساسة غير علماء تلزمهم مرجعية العلماء إلا طاعة خادمة للطاعة المستقلة الأولى ( الكتاب والسنة ) وليست طاعة فاسقة عنها ولذلك إرتهنت طاعتهم بكونهم منا أي منا دينا وهوية ومنا إفرازا وليس تسلطا ولا غلبة بالسيف. فإن حصل تنازع يهدد صفنا الواحد المرصوص كلفت الأمة بأسرها الخطاب موجه لها هي دوما وليس لأي أحد غيرها برد الأمر محل التنازع إلى الكتاب والسنة مجددا فهما المصدر في الإجتهاد وهما المرد في التنازع وهما من يملكان حق الطاعة المطلقة لا المقيدة.
الموضع الثامن عشر :
" وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ". النساء 75
النتيجة السياسية : القتال الذي هو فرع من فروع الجهاد الكثيرة فريضة على الأمة وهي التي تقدرها زمانا ومكانا وحالا بواسطة مؤسسات أولي الأمر الذين إنتخبتهم لمثل ذلك والمقصد الأسنى من القتال هو تحرير المستضعفين المفتونين حقيقة ( قريش ) أو حكما (الفرس والروم ) لأن الأمة مكلفة بالبلاغ ولا سبيل لإبلاغ هؤلاء إلا من بعد تحريرهم من السلطان الذي يحجزهم عن ذلك أو يحجز كلمة الله أن تصل إليهم.
الموضع التاسع عشر :
" وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ". النساء 83
النتيجة السياسية : الجهة المخولة وحدها لتحليل الطارئات الكبيرة التي يمكن أن تهدد أمن الناس أو تهز صفهم الواحد المرصوص بغرض إتخاذ الإجراءات المناسبة هي القيادة العليا التي تمثل الأمة التي إنتخبتها وهي التي تفوض من تريد من أهل الذكر في ذلك الحقل لأجل إستنباط الحقيقة وإقتراح مواجهتها أن تنداح في الناس قالات كاذبة تبث فيهم الذعر أو تهون من إجتماعهم. مقاومة كل ذلك هي مسؤولية الدولة التي تجعل بسياستها الخبر مقدسا كما يقال اليوم أي لا تهاون في مقاومة ظنية مصدرية في الشأن الأمني العام مما تعم به البلوى ومن بعد التواضع على سياسة إعلامية عمودها الصدق لا الكذب والتحري لا الظن يظل التحليل حرا حرية كاملة لا حد لها إلا حد تعريض الصف الواحد إلى الإهتزاز. ( ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم .. ).
الموضع العشرون :
" وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ..". النساء 92
النتيجة السياسية : الدولة بمؤسساتها الأمنية والقضائية والتعليمية مسؤولة مسؤولية مباشرة في الدنيا والآخرة على قدسية الروح البشرية ومكلفة بفعل ما من شأنه تحصينها وتكريمها وتحريمها أن تقتل أو تهان دما ومالا وعرضا وفردا وأسرة ومجتمعا. ذلك هو رأسمالها الأكبر.
الموضع الواحد والعشرون :
قصة اليهودي المتهم بالسرقة بالباطل والمبرئ منه سبحانه. النساء 105 حتى114.
النتيجة السياسية : العدل الذي هو أول فريضة من فرائض الدولة في الإسلام ليس أعور ولا أحول بمثل ما هو عدل الأنظمة الغربية اليوم بل هو عدل خالص ومخلص لا يرى في المظلوم سوى إنسانيته وبشريته وآدميته المقدسة بروح الله ولا يرى فيه دينه أو مذهبه أو ملته أو لسانه أو لونه أو عرقه فلا تزر وازرة وزر أخرى. والمواطنة حق وواجب يستوي فيه الناس داخل الوطن الواحد لا عبرة بإختلاف دينهم ولا غير دينهم.
الموضع الثاني والعشرون :
" يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ..". النساء 135
النتيجة السياسية : رسالة الدولة في الإسلام رسالة واحدة مزدوجة حيث يكون شطرها الأول قيومية الأمة بالقسط وليس مجرد العدل ما أمكن ذلك وهي قيومية تحفظها الأمة للناس أجمعين قدر الإمكان أن يظلم واحد منهم بدون حق ويكون شطرها الثاني قيومية الأمة على الشهادة لله أن تظهر فيهم شهادات الزور التي تسلب الحق من أهله سياسيا وإداريا أو ماليا ومعنويا. ليس قياما فحسب بل قيومية تغليظا وإعلاء وتقديسا لحرمة الإنسان وعندما تكون الشهادة لله يحتضر الزور أو يختفي. ولا بد من جمع آية أخرى وردت في سورة المائدة ( آية 8) لحسن فقه هذا المطلب الأعظم ( .. لله شهداء بالقسط).أي قيومية من الأمة بالقسط لله وعلى الشهادة لله بالقسط. هي رسالة واحدة في الأصل عنوانها الأعظم هو : قيومية الأمة بالقسط لتحقيق أكبر درجات العدل بين الناس وإخلاصا لله في ذلك هي فريضة الأمة العظمى.
الموضع الثالث والعشرون :
" لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ". النساء 148
النتيجة السياسية : الدولة مكلفة بإتاحة مؤسسات يعبر فيها المظلوم بغير حق عن مظلمته جاهرا بها ومستعلنا غير مستخف بأثر من توجس خوف لأن لصاحب الحق مقالا كما قال عليه السلام في الحديث الصحيح. فهو حق المعارضة وحق الإصلاح وحق التغيير وحق التظلم في أي حقل حصلت فيه المظالم وبأي عدد شملت تلك المظالم وعندما تكون المظالم مما تعم به البلوى أي في الحقول العامة تكون مسؤولية الدولة أكبر في دعم أركانها بالمعارضة تنفيذا لأمره عليه السلام ( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر).
الموضع الرابع والعشرون :
" يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ..". المائدة 1
النتيجة السياسية : الوفاء بالعقود والمعاهدات المبرمة من لدن الأمة بدولتها التي إختارتها هو خلق عظيم كريم وهو فريضة عازمة محكمة ولا يتميز هنا عقد فردي خاص عن عقد جماعي ولا عقد بين الأمة وبين غيرها من الأمم المختلفة عقديا ولا شأن هنا لأي شيء سوى لإعلاء خلق الوفاء سواء كان العقد سياسيا أو ماليا أو مدنيا أو كان مرتجلا أو موثقا أو كان مع من نحب أو مع من نكره إلا عقدا أمضيناه مكرهين لا أحرارا والحرية شرط بناء أي عقد في أي حقل. وأجل عقد هو عقدك مع ربك ولكن ذلك ليس محال حساب في الدنيا.
الموضع الخامس والعشرون :
" من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ..". المائدة 32
النتيجة السياسية : عود على بدء مع قدسية النفس البشرية وحرمتها العالية جدا حتى إن قتل إنسان بريء واحد يساوي عند الله سبحانه أي في الميزان الحق والمعيار القسط قتل البشرية جمعاء قاطبة مذ خلق أبوها آدم إلى آخر نطفة مني تخرج من رحم والدتها صارخة. يتشدد النكير هنا تشددا ليس مثله تشدد والأمة معنية بذلك بدولتها ومؤسساتها وإلا حكمت على نفسها بالزوال والإندثار.

الموضع السادس والعشرون :
" إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلف أو ينفوا من الأرض ..". المائدة 33
النتيجة السياسية : تعقيبا على قدسية وحرمة النفس البشرية تبعا لآدميتها وليس لدينها جاء حد الحرابة وهو أقسى حد في الدنيا والأمة مكلفة بتنفيذه بطريق دولتها أو مؤسستها المفوضة بمثل ذلك وهي قسوة مغلظة جدا مكافئة لجريمة العدوان على بناء الرحمان أي الإنسان وعندما تتكافأ الجريمة مع العقوبة يكون العدل بل القسط. ولحرمة الإنسان وحرمة ماله سمى الوحي العدوان عليه حربا ضد الله ورسوله. ولكن السؤال المحير هو : ماذا عندما تكون المؤسسة التي تسلطت وتغلبت هي القائمة على الحرابة؟
الموضع الثامن والعشرون :
" والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله ..". النساء 38
النتيجة السياسية : السرقة عدوان على المال المحرم للإنسان المقدس المحرم وهو ضرب من ضروب الحرابة سوى أنها عادة ما تكون بطريقة الحيلة وغيرها. قطع اليد من الرسغ شريعة قاسية ولكنها قسوة متكافئة مع جريمة العدوان على الإنسان المقدس في ماله المحرم وذاك هو عين العدل وأم القسط والأمة مكلفة بتنفيذ شريعتها من بعد تهيئة المناخات السياسية والإجتماعية والإقتصادية لذلك حتى تكون شريعة عدل لا شريعة ظلم فإذا جاع الناس فلا قطع ليد سارق ولكن تقطع يد الحاكم الذي تخم شبعا ونهبا وسلبا فجاع الناس فسرقوا.
الموضع التاسع والعشرون :
" فاحكم بينهم بما أنزل الله " و " وإن أحكم بينهم بما أنزل الله ..". المائدة 4849
النتيجة السياسية : الإسلام عقيدة وشريعة وخلق ونظام جامع للحياة كلها بأسرها فهو دين ودولة وهو عقيدة وشريعة وإلا أضحى مسيحية أو يهودية أو عالمانية جزئية. آيات الحكم بالحق والعدل والقسط مشددة ولا تحصى. والأمة مكلفة بتنفيذه شاملا جامعا قدر الإمكان وبالتدرج إبتغاء إصابة مقاصده العظمى سيما الحرية والكرامة والعدالة والوحدة وحق الإختلاف والتعارف والحكم بالحق وإنصاف المقهور والمظلوم وإدارة التشاور والتوافق والتراضي ونشر السلم والأمن وعمارة الأرض بالجمال والزينة والرغد. والدولة التي تختارها الأمة هي الراعية لتلك المقاصد أن تتأخر فتكون فتنة وإكراه.
الموضع الثلاثون :
" يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ..". المائدة 51
النتيجة السياسية : عود على بدء إلى قضية عظمى من قضايا الإسلام وشريعته وهي قضية الولاية التي يجب أن تكون محررة للأمة بالكامل. الولاية تعني السلطان الذي يفرض عليك عندما يريد خلقا لا ترضاه فهو الأعلى وأنت الأدنى وعندما تكون الولاية بذلك المعنى لكافر على مؤمن فردا أو جماعة فإن ذلك الولي قد ينفذ إليك ليفتنك بأي صورة من صورة الفتنة. ولكن الولاية لا تنفي التعاون من المسلمين مع كل الناس على قاعدة التساوي والعدل والتكافل على المتفق عليه بين البشرية وهو كثير كثير وعلى قاعدة الندية والتكافؤ. الولاية هي تحرير القرار السيادي والسياسي ليكون خالصا لأهله من الأمة ومؤسساتها وما عدا ذلك فالتعاون بين الناس مطلوب لعمارة أرض لا يقدر المسلمون وحدهم على عمارتها ولا غيرهم لوحدهم فحسب على ذلك.
الموضع الواحد والثلاثون :
" لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ..". المائدة 82
النتيجة السياسية : الآخر العقدي المختلف ليس في درجة واحدة لا عقديا ( إذ أهل الكتاب إلينا أدنى ) ولا سياسيا والمعيار هنا هو نبذ الإستكبار ( وأنهم لا يستكبرون). فكلما كان الآخر نابذا للكبر علينا وعلى غيرنا كان تعاوننا معه في الدنيا لا في الدين مطلوبا والعكس صحيح أبدا. أي أن ميزان التعاون في الدنيا لا في الدين هو ميزان العدل والجور أو المصلحة والمفسدة بل كلاهما وليس هو ميزان الحق والباطل أو الحلال والحرام أو الطاعة والمعصية أو الكفر والإيمان.
الموضع الثاني والثلاثون :
" يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ". المائدة 90
النتيجة السياسية : هي أوامر ونواه يظنها الغافلون المتعلمنون إستهلاكيا لا فكريا مختصة بالفرد ولا أثر لها على الأمة ومؤسستها الحاكمة. ليس لتلك المؤسسة أن تتيح المحرمات القطعية سيما الكبائر منها على قارعة الطريق تشجيعا بإسم الحرية بل عليها تشريع ما يضيق من تلك المحرمات الخبيثة إلا على أهلها من الأقليات التي لا حرمة لها في دينها تتعاطاها في محالها الخاصة بها وليس مستعلنة بها في أمة رضيت أن تحكم بشريعة الله سبحانه. ذاك عدوان على الحرية وهم يظنون أنه فتح لأبواب الحرية. الميسر يثمر الكسل والعطالة والبطالة أملا كذوبا في ثروة تنزل من السماء التي لا تمطر ذهبا ولا فضة والخمر أم الخبائث تبعث على إقتراف القتل والسرقة وقذف المحصنات إلخ ..
الموضع الثالث والثلاثون:
" قالوا يا موسى إجعل لنا إلها كما لهم آلهة ..". الأعراف 138
النتيجة السياسية : رسالة الإسلام تحريرية جامعة من ألوان الإسترقاق كلها بالأساس الأول إذ ليست هي رسالة تعبيدية تسبق التحرير. في هذا الموضع يطلب بنو إسرائيل من نبيهم موسى عليه السلام أن يصنع لهم وثنا بما يدل أنه مأمور بتحريرهم من فرعون أولا فإذا تحرروا في سيناء عالجهم بالدعوة إلى الإيمان ولو كان يحرص على هدايتهم قبل تحريرهم ما صدر عنهم مثل هذا وإلا كان ينبغي عليه ألا يصحب معه في فراره بهم إلا موحدا مؤمنا وليس وثنيا. قالتي هي : الحرية أسبق من العقيدة والعدالة أسبق من الشريعة ورص الصف أسبق من إعتبار حق التنوع. حجر الزاوية في المعالجة السياسية للدولة في الإسلام هي بث الحرية أولا فإذا تحرر الناس تحسن تدينهم وأتقنوا عملهم ووحدوا صفهم وما ضاقوا بخلاف فرعي ومن قلب المعادلة إنقلبت عليه سنن المالك سبحانه فأردته.
الموضع الرابع والثلاثون :
" وأعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وإبن السبيل ..". الأنفال 41
النتيجة السياسية : المال العام من أي مصدر مباح جاء هو ملك الأمة والدولة التي تنتخبها الأمة مسؤولة على حفظه لعول المحتاجين منه تنفيذا لأعلى مقاصد الإسلام أي العدالة والكرامة وحظ هؤلاء هو الخمس كاملا لضمان الحد الأدنى من العيش الكريم لهم. الدولة مسؤولة على تنفيذ ذلك المطلب العالي المعظم.
الموضع الخامس والثلاثون :
" وأعدوا لهم ما إستطعتم من قوة ..". الأنفال 60
النتيجة السياسية : إعداد القوة المالية وهي قوة وسائلية حكمها حكم غايتها والقوة المادية والقوة العسكرية الكفيلة تكافؤا بصد العدوان وتحقيق النصر هي فريضة الدولة في الإسلام وخوطبت بها الأمة لأنها هي المسؤولة على الدولة وهي قوة تحمي الحق بالحق وليست قوة عمياء تهدم الحرية أو تضطهد الضعفاء وهي قوة تحقق ما عرف اليوم بتوازن الرعب أي توازن القوى التي يرهب كل منها الآخر فهو إرهاب تنشئة القوة التي يراها من تحدثه نفسه بالعدوان فيرعوي ويتأخر وينزجر ولا يرهب الخصم الماكر والعدو الغاصب سوى قوة تنشيء الإرهاب في نفسه فلا يجازف بنفسه. وهي اليوم قوة عسكرية لا تتم بغير قوة علمية ولا بغير قوة مالية وما لا يتم الواجب إلا به فهو قطعا واجب موجوب.
الموضع السادس والثلاثون :
" وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ..". الأنفال 61
النتيجة السياسية : إعداد القوة ليس للعدوان ولا لإيقاد الحروب ولكن لتحصين الناس حتى خارج الدائرة الإسلامية نفسها من المستضعفين من العدوان وبذا تكون السياسة الخارجية هنا هي : قتال من يقاتلنا أو من يقاتل غيرنا ظلما ونحن قادرون على الحماية وسلم من يسالمنا أو يسالم غيرنا من المستضعفين من غيرنا. ولا يتحقق سلم إلا بقوة ولا يتحقق رد عدوان إلا بقوة.
الموضع السابع والثلاثون :
" براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ..". التوبة 1
النتيجة السياسية : حظر المنطقة الحرام سيما في الحرم المكي من الوجود المشرك القار أمر تقتضيه العقيدة التي تتفاصل مع الشرك الوثنية الصنمية الصريحة مفاصلة لا لقاء فيها إذ حرمت الإلتقاء على أساس التعايل ( بناء الأسرة ) وهي ذاتها التي تفرض حماية معالمها ( البيت الحرام ) من أي وجود مشرك وهو مطلب عقدي عال يشيد بين الإسلام وبين الشرك حصونا عالية وخنادق غائرة ومنها المنطقة الحرام كأنها وطن صغير يقتطعه الإسلام لنفسه خالصا تيسيرا للعبادة والتزكية وتجديد التوحيد الصافي ولنا اليوم دولة يهودية وأخرى كاتوليكية.
الموضع الثامن والثلاثون :
" وإن أحد من المشركين إستجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ..". التوبة 6
النتيجة السياسية : منح اللجوء السياسي لأي مضطهد مقموع مقهور من الناس في الأرض كلها واجب من واجبات الدولة في الإسلام لأنها دولة تحرير وتكريم وليست دولة دينية خاصة بالمتدينين فحسب ولا بالمسلمين فحسب بل هي دولة الإنسان وهي دولة الحرية إلا لضرورات عسكرية أو أمنية تقدرها الأمة بمؤسساتها وتقدر الضرورات بقدرها.
الموضع التاسع والثلاثون :
" حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ". التوبة 29
النتيجة السياسية : الجزية هي المعلوم المادي أو المالي ويكون خدميا كذلك جزاء وفاقا لا غبن فيه مما يعطيه المواطن المغاير دينا للدولة في مقابل حمايته من دون أن يكلف بخوض غمار الحروب. واليوم عندما تشكلت المواطنة وفق إستحقاقات دولية معروفة بعضها غائر في التاريخ وبعضها حديث فإن المواطن المغاير دينا لم يعد مطالبا بالجزية لأنه متساو مع بقية المواطنين كلهم في المساهمة في أعباء الدولة من خلال دفع الضرائب والقيام بالواجبات المدنية والمالية المعروفة فتلك هي جزيته إذ هي وسيلة لمقصد وليست مقصدا مستقلا والوسائل من شأنها التبدل. أما صغارهم فهو منوط بحالة الحرب القديمة التي تكون فيها الجزية من بعد غلبة وتخضيد شوكة أو هو صغار نفسي بينهم وبين ربهم وليس هو صغار دونية وهوان وعدم مساواة مع قيم المواطنة السارية على كل مواطن.
الموضع الأربعون :
" إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وإبن السبيل فريضة من الله ". التوبة 60
النتيجة السياسية : الدولة مسؤولة على جمع الزكاة زكاة المال خاصة لمقامها في الدين ولعظيم أثرها ماليا وماديا بإنشاء مؤسسات عمل عليها وهي مسؤولة على توزيعها على مستحقيها من هذه المصارف الثمانية المذكورة بالتحديد والضبط. فمن منعها الدولة التي تنتخبها الأمة فهو مرتد ردة سياسية حتى لو أداها بدون إذن الأمة ممثلة في مؤسساتها لمن يريد هو وبتقديره هو. وإعلان الحرب عليه لأجل حقوق الناس المالية في الزكاة إعلان مشروع مجمع عليه من أعلى إجماع في الأمة ( إجماع الأصحاب ). من أبرز فقرات النظام الإقتصادي في الإسلام ( الزكاة والربا ) هذا يحارب لأنه ظلم وأكل لمال الناس بالباطل والإثم وتلك تؤسس لها المنشآت لجنيها وصرفها لمستحقيها لأنها تساهم في تحقيق أعلى مطالب الإسلام : العدالة الإجتماعية التي بها يرص صف واحد متنوع.
الموضع الواحد والأربعون :
" والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ..". التوبة 71
النتيجة السياسية : نبذ الولاية لغير المؤمنين أن تكون لهم بطانة داخلية وسلطان على الأمة وعزا ومنعة تنخرم بها الموازين يقابله ترسيخ الولاية بين المؤمنين والمؤمنات بعضهم لبعض رجالا ونساء خارج دائرة الأسرة القائمة على قانون آخر وبذا تكون المرأة وليا على الرجال في مؤسسات المجتمع والدولة فيما تتخصص فيه وتحسنه سيما إذا إختارتها الأمة لذلك وفي أي موقع كان بما يتناسب مع حالها الذي تقدره هي وآل بيتها والمجتمع بأسره بطريق غير مباشر ويكون ذلك تنفيذا للولاية المشتركة لهذه الآية لأجل القيام تكافلا منهما معا على فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صمام الأمان للمجتمع وملحه الحافظ.
الموضع الثاني والأربعون :
" فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين .." التوبة 122
النتيجة السياسية : الدولة مسؤولة على تنظيم الشأن التعليمي في كل المعارف والعلوم والخبرات لأجل تحصين المجتمع من آفات الجهل بالدين وبالدنيا معا وكذا آفات الأمية بكل معانيها الغابرة والحاضرة ولأجل تنفيذ أول مطلب إسلامي ( إقرأ) ولأجل إعلاء مؤسسات الفكر والعلم والبحث والإجتهاد والتجديد والإبداع بآلة ( القلم ). آلتان لا قيام للدولة رأس الأمة إلا بعلوهما ( القلم والسيف ) أي العلم والقوة. الدولة مسؤولة على توفير التخصصات المطلوبة للعصر ومسؤولة على إحداث التكافؤ بين كل التخصصات قدر الإمكان فلا يطغى التخصص الحربي على العلمي ولا هذا على ذاك.
الموضع الثالث والإربعون :
" قال إجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ". يوسف 55
النتيجة السياسية : الإصلاح فريضة إسلامية محكمة وضرورة واقعية معاصرة أشد إحكاما.وتمر المجتمعات والأمم والشعوب بدولها ومؤسساتها بحالات مختلفة من الضعف والقوة وإنخرام الموازين إلى هنا أو هناك تنفيذا لقانون التدافع المعلوم. وما لا يباح هنا في الحالات العادية الطبيعية يباح هناك في غيرها لأجل خدمة أعلى المقاصد فهي دوما المعتبرة وما الوسائل إليها إلا مؤخرة تقدم بحسب نجاعتها. ترشيح النفس لمسؤولية ما حالة لا بد منها عند إضطراب الموازين فلا تعالج أحيانا بعض تلك الإضطرابات إلا بإضطرابات مثلها. والعبرة دوما بالأغلب الذي هو ليس الترشيح للنفس ولكن حالات الإصلاح لأوضاع مضطربة يقتضي مثل ذلك عندما يأنس الإنسان من نفسه مركب السلطة والملك أي : العلم والحفظ أو ما عبرت عنه زوج موسى عليه السلام : القوة والأمانة. قوة العلم وأمانة الحفظ. حتى المتغلب صاحب الشوكة بتعبير صاحب النظرية الجويني في إلتياثه لو أظهر بالممارسة علما وحفظا أو قوة وأمانة فإن للأمة المتغلب عليها بحد السيف وقوة الشوكة أن ترضى به في حدود موازين منخرمة إذا كان الخروج عليه سيما بمثل شوكته منزوعة العصبة الحامية لا يحقق أكثر مما يتحقق منه أمنا وعدلا. هي معادلات وموازنات وتوافقات ومقاربات على الأمة حسن معالجتها عند إضطراب الأحوال.
الموضع الرابع والأربعون :
" وقال لا بني لا تدخلوا من باب واحد وإدخلوا من أبواب متفرقة ". يوسف 67
النتيجة السياسية : الإصلاح الذي هو فريضة إسلامية محكمة مطلوب أن يكون خاضعا للحكمة والتدبير ولا تكفي فيه النية الخالصة ومن الحكمة في ذلك أن تعتمد الإستراتيجية الإصلاحية مداخل متعددة ومتنوعة تدخل على الإنسان من كل نوافذه أو على كل إنسان من النافذة التي تجلب له قبولا وفهما وتباشر الحقول المناسبة ألا يؤتي هذا الحقل أكله فيؤتيه الآخر بسبب تركب الإنسان وتركب الحياة فلا بد أن يكون الإصلاح مركبا كذلك لا أحادي البعد.
الموضع الخامس والأربعون :
" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ". الرعد 11
النتيجة السياسية : هذه أكبر قاعدة في منهاج الإصلاح وفقه التغيير. ومبنى الفقه السياسي عند كل أمة إنما هو الإصلاح والتغيير مساهمة في زحزحة الموازين السائدة إلى الجهة المراد أن يؤول إليها تفكير المصلح. تحمل هذه القاعدة المركزية في الفقه السياسي أصلا آصلا عنوانه : الإنسان هو محط التغيير فهو وسيلة الإصلاح وهو غاية الإصلاح معا. والإنسان هو نفس تحرك جهازا مركبا جامعا فيه الروح والفكر والذوق وما الجهاز البدني إلا حمالا للجهاز النفسي وقاربا له يمخر به عباب الحياة. محط هذه القاعدة المركزية في الفقه السياسي هي أن الإنسان فاعل في الكون وسبب في الحياة وسنة في الكسب وقدر من أقدار الرحمان سبحانه وليس هو مفعول به فيما أستخلف فيه وعليه إستؤمن بل هو كائن مريد أي مخير بالتعبير التراثي القديم وليس هو هنا مسير لا حول له ولا قوة. معنى ذلك أن أقدار الرحمان التي نؤمن بها ولا نعلمها قبل وقوعها ترتب لنا في الأعم الأغلب ما نرتب لأنفسنا من خير أو شر ولكن تحت سقف الإرادة الإلهية الحاكمة. قاعدة الفقه السياسي هي أن الإنسان مسؤول لإحداث التغيير وليس هو ريشة في مهب الريح.
الموضع السادس والأربعون :
" إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ..". النحل 90
النتيجة السياسية : إقامة العدل بين الناس كلهم في كل حقول حياتهم قدر الإمكان هو أمر إلهي مباشر جاء بفعل الأمر لحما ودما وبجملة إسمية مؤكدة وبصيغة المضارع. وأول حقل يحتاج العدل هو الحقل السياسي سيما في أيامنا لهيمنته على الحقول الأخرى كلها تقريبا. وإيتاء ذي القربي يعني بداية توحيد الصف الإسلامي من دوائره القريبة الأولى إذ لو تصدعت تلك تأبّى صف مفتوق عن الرتق وعاند مجتمع مصدوع أن يرأب. يأمر بالعدل ويؤكده بالنهي عن ضده ( البغي). والعدل أساس العمران كما قال إبن خلدون. ثم يبين أن أول ركن من أركان إقامة العدل هو أن ( أوفوا بعهد الله إذا عاهدتم).
الموضع السابع والأربعون :
" أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ". النحل 125
النتيجة السياسية : الدعوة إلى الخير التي هي مؤسسة قانونية معترف بها لأنها فريضة وليست نافلة ولا تطوعا هي مسألة حدد منهاجها تحديدا توقيفيا أي غير قابل لإجتهاد. وهذه هنا بعض فقرات ذلك المنهاج لتحقيق مقصد الهداية أولا ولكن كذلك لوحدة الصف الذي ينقسم بسرعة لو مورست الدعوة إلى الخير بضد ذلك ( ولو كنت فظا غليظ القلب لأنفضوا من حولك ). الفقه السياسي مبناه الحكمة وهي الميزان في كل قول وفي كل فعل مراعاة للتوافقات وجمعا للكلمة لا تبديدا لها. تلك فريضة الأمة قبل بناء دولتها وهي فريضتها بعد بناء دولتها وهي تحتاج لذلك المنهاج الذي من فقراته ( أدعو إلى الله على بصيرة ) ومن فقراته ( فقولا له قولا لينا ) إلخ .. هو أمر موقوف وليس متروكا للإجتهاد بسبب خطورة تأثيره في الإتجاهين. ثم يثني على ذلك بالعدل مرة أخرى إذ لا حياة بدون عدل ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به).
الموضع الثامن والأربعون :
" وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ". الإسراء 16
النتيجة السياسية : هذه سنة أخرى من سنن الإجتماع السياسي عنوانها أن سبب الدمار الذي يلحق بالبشرية وعمرانها إنما هو إشاعة الفسق وظهوره وعدم مقاومته. الفسق هو الإستعلان بالمعصية والمخالفة وهو ضد الإستتار. لك أن تكون فاسقا في بيتك ومحلك الخاص ومع الفسقة مثلك ولكن للجماعة أن تقاوم منك ذلك إذا إستعلن بإسم الحرية لأن الناس كلهم ركاب سفينة واحدة تهدد بالغرق لأول ثقب فيها إذ الماء لا يحابي ثقب هذا أو يدخل من ثقب ذاك.
الموضع التاسع والأربعون :
" كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك ". الإسراء 20
النتيجة السياسية : هذه قاعدة أخرى من قواعد الإجتماع السياسي عنوانها أن كسب الدنيا مجعول في متناول البشرية جمعاء قاطبة بغض النظر عن طاعتها أو فسقها فمن أراد الدنيا له ذلك عندما يتخول سبلها وسننها وقوانينها ونواميسها لا يشغب عليه كفر بالله. هذه القاعدة عبر عنها فقهاء السياسة قديما فقالوا إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ويخذل الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة. ذلك هو قانون الدنيا وقوتها وكسبها ولنا اليوم في أرضنا أبرز مثال وأجلى نموذج على هذا.
الموضع الخمسون :
" ولا تبذر تبذيرا ". الإسراء 26
النتيجة السياسية : خطاب موجه بصيغة الفرد ولكنه يشمل الجماعة أيضا إذ عندما يكون التبذير جماعيا تزاوله دولة فإن الهلاك أدنى إلى الناس كلهم حتى لو كان أكثرهم على غير ذلك. تلك هي ضريبة الإنتماء ولكن الإنتماء فطرة وضرورة والإنسان مدني بطبعه. من فقرات الفقه السياسي أن يحصل توازن في الإنفاق وإعتدال في الإستهلاك وقوامة في الصرف فلا يحابى حقل على آخر لأغراض اللهو وإشاعة التراخي وترك الشأن العام. تعرف ذلك من إطلاعك على ميزانية الدولة مثلا كما تعرفه من المحيط بك. ولشدة خطر التبذير الذي هو حيف إقتصادي وظلم مالي نسبه إلى الشيطان وهل يأمر الشيطان بخير؟
الموضع الواحد والخمسون :
" ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ". الإسراء 31
النتيجة السياسية : هذه قاعدة من قواعد العمران السياسي عنوانها أن القوة في الناس مجتمعات ودولا وحضارات وأمما وشعوبا لها مظاهر معروفة ومنها الكثرة العددية وهل الصين اليوم ومثلها الهند ليست قوية سوى بأشياء أخرى عدا جيشها البشري اللجب؟
ولا يعني ذلك عدم تنظيم الإجتماع البشري بالتخطيط للنسل كثرة وقلة وقوة وضعفا ولكن ذلك يعني أمورا ثلاثة : أولها بطلان القالة الخرافية التي تقمصها بورقيبة في تونس ليقتل الولد الجديد وعنوانها ( المولود الجديد هو فم فاغر يطلب أكلا فحسب) بل هو كذلك في السنوات الأولى ثم يكون ذخرا وقوة ورأسمال يطعم كما أطعم. وثانيها أن السياسة النسلية أي الإنجابية تعقيرا لأرحام النساء هي سياسة فردية عائلية أكثر منها سياسة دولية حكومية إلا في حالات نادرة جدا تسمى بتقييد المباح عند إفضائه إلى المكروه المحقق ولكن بلادا مثل تونس جعلت من ذلك خطة وأدت بها ملايين مملينة ونالت بها جوائز دولية في واقع دولي منخرم ظالم. وثالثها أن السياسة النسلية عندما لا تكون خاضعة لمعايير وضوابط وغير مدروسة من أهل النظر والتخصص عمرانيا وإجتماعيا وسياسيا وماليا فإنها تبدد قيم البلاد وتهدد قدراتها وتجعلها حديقة خلفية وليس دولة صناعية متقدمة لها في الأرض مكان وتحت السماء ظلة.
الموضع الثاني والخمسون :
" ولا تقربوا الزنى ..". الإسراء من 32 حتى 39
النتيجة السياسية : هذا الموضع كموضع الأنعام فهو شريعة تحتاج إلى تخطيط فقهي فهما وتنزيلا ضمن شبكة قانونية ومجلات إجرائية. المفهوم منهما ومن غيرهما على ندرته لتفرقه هو أن الدولة مكلفة من الأمة مسؤولة على تنفيذ تعاليم الإسلام المحكمة الثابتة الراسخة القطعية ولكن بضابطين كبيرين : ضابط رضى الأمة سيما عند حصول تنوعات كبيرة في تركيبتها السكانية وهي حالة تعالج بالتنظيم الفدرالي أو الكنفدرالي أي بتعميق التنظم المحلي الواسع وليس بالعالمانية كما أثر في أيامنا كذبا وزورا. وضابط تحويل الشريعة إلى فقه أي إلى قانون يسير الفهم والتنفيذ وضابط ثالث أكبر من ذينك وأعلى وهو ضابط أيلولة ذلك التنفيذ إلى تحقيق المقصد المراد من الشارع وهو إصلاح الإنسان فردا وأسرة وأمة وإسعاده روحا وبدنا وعقلا وذوقا ولذا تقدم الحرية على العقيدة ويقدم العدل على الشريعة ويقدم رص الصف على كل ترتيب وكل خلق وكل عمل لأن الصف المخذول المفتوق المصدوع لا يمسك خيرا إلا كما تمسك الماء الغرابيل. الأمة هي صاحبة الشريعة ولكنها كلفت الدولة بتنفيذها في ضوء تلك الضوابط والمعايير والأولويات. عقب على تلك التشريعات بالحكمة فلا حكمة بدون تنفيذ الشريعة وفق مقاصدها وأولوياتها وضوابطها.
الموضع الثالث والخمسون :
" ولقد كرمنا بني آدم ..". الإسراء 70
النتيجة السياسية : من أكبر مباني الفقه العمراني السياسي كرامة الإنسان تقريرا إلهيا سابقا وصارما ومؤكدا وليس نتيجة بحث لتفكير بشري فلسفي. وكرامة الإنسان تعني المساواة التامة الجامعة الكاملة المطلقة بين الناس كلهم أجمعين لا فرق بينهم في الكرامة ولا تمييز بينهم لا بسبب دين أو لسان أو عرق و أأأاننكجممااايننممنم
. تلك قاعدة تحتضن الأقليات ضمن الدستور العادل الذي يجترحه الناس لعمرانهم. وسبب التكريم نفخة روحية إلهية لم ينعم بها مخلوق عدا الإنسان أي ضمن المكلفين المسؤولين. ومناط التكريم نسبته إلى الآدمية التي كانت أول من إستقبلت تلك النفخة الروحية الإلهية. ألسنا بحاجة إلى مثل هذا الفقه في زمن التأله الحكومي الذي ربما فاق التأله الفرعوني الهاماني القاروني السابق. ومن مظاهر التكريم التي على الدولة تنفيذها : تيسير الحمل والتنقل للناس في البر والبحر دون حواجز إلا لإقتضاء أمني يقدر بقدره وتيسير أسباب الرزق كسبا وإنفاقا ومتعة وإستثمارا. أي ضمان حق التنقل بحرية وضمان حق الكسب بحرية كذلك.
الموضع الرابع والخمسون :
" وقل الحق من ربك فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ". الكهف 29
النتيجة السياسية : قمة عرش الحرية هي هذه. وقمة عرش كرامة الإنسان هي هذه. وقمة عرش مسؤولية الإنسان بناء على إرادته الحرة هي هذه. لأول مرة تنسب المشيئة إلى الإنسان وحده في حقل هو وحده من يقرر فيه ( الإيمان أو الكفر). تلك مسؤولية الأمة ودولتها : تنفيذ حرية الإنسان المستخلف المسؤول المستأمن فلا إكراه في الدين ( أفأنت تكره الناس أن يكونوا مؤمنين ). على الأمة بدولتها البلاغ المبين فحسب. لا أتأثم تحرجا بتدين مزيف أن أقول : الله سبحانه لفرط عظمته وقدرته وقهره ولتلازم حكمته مع مشيئته هو الذي ضمن لنا نحن أبناء آدم وحواء حرية الإيمان كما ضمن لنا حرية الكفر سواء بسواء. هو يحب لنا الإيمان وهدانا إليه ولا يحب لنا الكفر ورغبنا عنه ولكنه حرمة منه سبحانه لكرامتنا التي إرتضاها هو ترك لنا الحرية ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). قال لنا بلسان الحال : أساس إجتماعكم المواطنة وليس الدين.
الموضع الخامس والخمسون :
" فأردت أن أعيبها ". الكهف 79
النتيجة السياسية : فقه العمران البشري ( السياسة بالتعبير المعاصر ) مبناه الموازنات والتوافقات والمقاربات وليس المفاصلات والحديات والحتميات. السياسة هي المسرح الذي يشارك فيه كل الناس بأحزابهم المحتربة وليس المختلفة فحسب. السياسة هي الحقل الذي يجمع في الحرب الباردة العدو بعدوه لنزال سلاحه القلم والفكرة واللسان والحزب والجمعية والمنظمة. هنا لا يمكن لفريق حسم المعركة لوحده بالكلية أو بالضربة القاضية ولا يمكن له إن تمكن من ذلك أن يعيش بسلام ويحيا بأمن سنة ربك سبحانه. هذا الحقل كحقول أخرى كثيرة لا يكون متمحضا للخير فحسب ولا للشر فحسب بل فيه من الخير ومن الشر أقدار. بسبب ذلك فإن حسم الحقل السياسي مبناه التوافق بين الناس وليس الحسم ومبناه البحث عن مساحة مشتركة للعيش مهما تكن محدودة فهي خير لهم من الإنفراد والفردية لأن ذلك يولد في الإنسان الشعور البهيمي قوامه السبعية والإفتراس والنهم والجشع والأثرة. هذا حقل مبناه تحمل الضر الأدنى لتجنب ضر أقصى والإكتفاء بخير أدنى عند تعذر تحصيل خير أكبر. لذلك كان مبناه التوافق والتوازن والموازنة ورسم سلم لمراتب التحصيلات والأعمال أي سلم لأوليات الأعمال وأولويات الإنجاز. عيب سفينة هي قوت الأيتام عيب وفاحشة وإثم وذنب غليظ وجريمة منكورة ولكن الذي يرى ذلك المشهد ثم يغمض عينيه هو أحول أعور بل أعمى ولو مد بصره العقلي وتوليده الذهني لأدرك أن ذلك الذنب كان لا بد منه لتوقي ذنب أعظم منه وهو أن يغور الملك الظالم على سفينة الأيتام فيؤممها بالكلية. تلك هي الحياة فمن فقه أنها مبنية على الموازنات بين خير الخيرين وبين شر الشرين فقه الدين ومن جهل ذلك فلا فائدة له أن يعلم من الدين حبة خردل. فقه السياسة الشرعية بالتعبير القديم مبناه هذه القصة في الكهف أي الحدب على مصالح الفقراء والمستضعفين بكل قوة حدبا قوامه الموازنات والموافقات وليس الحتميات والشرطيات والمعادلات الرياضية الصماء فأم الفقه السياسي هو الحدب على الضعفاء بحكمة وذكاء وتغليب ذلك على الحق الشخصي (ويستخرجا كنزهما ). ضح بحقك اليوم في سبيل المحتاجين تدرك الفقه السياسي.


الموضع السادس والخمسون :
" ويسألونك عن ذي القرنين ..". الكهف 83
النتيجة السياسية :
1 على الأمة أن تكلف بالدولة مؤسسة في مثل قوة ذي القرنين وأمانته قدر الإمكان فإن تخلت عن حقها في أمرها وهبت نفسها للإستبداد والإسترقاق والإستعباد. فإن لم تظفر بمن هو كذلك قوة وأمانة وهما في الناس قليل من قليل حقا قدمت القوة بحد أدنى من الأمانة عنوانه تجنب الخيانة ثم ظلت متوجسة مراقبة شاهدة لا غائبة ولا مغيبة أي ظلت تمارس المعارضة الإيجابية أو الوزن المضاد أو القوة العدل ( بكسر العين ).
2 على الأمة أن تكلف من يتبع الأسباب لجني النهضة والتقدم إذ لا تمطر السماء ذهبا ولا فضة ولا الأرض كلأ إلا بسبب لذلك تكرر هذا ( فأتبع سببا ) ثلاث مرات.
3 عليها تكليف أهل العدل لا أهل الجور ( فأما من ظلم فسوف نعذبه .. وأما من آمن وعمل صالحا .. فسنقول له من أمرنا يسرا ).
4 عليها تكليف من لا يستبد بالأمر من دونها بل يجعلها شريكا في العمران وإقامة العدل أي بناء مجتمع قوي وأمة إيجابية فاعلة ( فأعينوني بقوة ). و ( قالوا إنفخوا ).
5 عليها تكليف القوي أو الحكيم الذي يكلف القوي على الحماية والصيانة ( آتوني زبر الحديد ..). وذلك لتوقي شر يأجوج ومأجوج. حماية الأمن الخارجي مهمة الدولة رقم واحد وليس رقم إثنين.
الموضع السابع والخمسون :
" قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون". النمل 32
النتيجة السياسية : القصة القرآنية موضع تدبر وإعتبار. وبلقيس ملكة سبأ جعلها الوحي الكريم نموذجا ومثالا للحاكم العادل عدلا سياسيا بمعنى أنه يعرض المشورة ويلتزم بها فيما لا بد له من ذلك سيما من حالات الأمن والخوف. عرضها هنا في موضع إشادة بفعلها السياسي هذا وهي ملكة لا منتخبة يمكن لها أن تقطع بما تريد. ولكن الشورى أدنى إلى إصابة الحق أبدا وهي كفيلة بتأهيل الإنسان لحسن المشاركة في الإجتماع السياسي والعمران البشري ثم لحسن قيادة كل ذلك وهي كفيلة برص الصف الواحد كذلك على أساس حق الإختلاف وقانون التعدد.

الموضع الثامن والخمسون :
" قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة". النمل 34
النتيجة السياسية : سجل الوحي الكريم هذه القاعدة المكينة من قواعد الإجتماع البشري والعمران السياسي على لسان بلقيس ملكة سبأ وهي حكمة نسبها إليها وهي لا تزال من قوم كافرين عندما قالت ذلك. وعندما يذكر ذلك للعرب المشركين في مكة والمرأة عندهم سقط متاع تورث ولا ترث وتنكح ولا تنكح فإن الحكمة البلقيسية يكون لها طعم آخر ونكهة أخرى ولكنها لنا نحن اليوم كذلك ممن ورث عن العرب ذاك فحسب. عنوان هذه الحكمة العمرانية هو أن الفساد والإذلال ثمرتي دخول الملوك ( إحتلال بلساننا نحن اليوم ) حقه المقاومة وليس الإستكانة ولذلك بادرت بالشورى فلما واجهت حميرا وبغالا عقولهم تحملها عضلات أيديهم وأرجلهم وليس رؤوسهم وصدورهم عالجت الموقف بالذكاء المطلوب أي إختبار " الملك " بهدية في مستوى مقامه وأكثر فإن كان نبيا ركلها وإن كان ملكا قبلها.
الموضع التاسع والخمسون :
" قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين ". النمل 38
النتيجة السياسية : حتى الملوك الأقوياء ( أنبياء وملوكا ) لا يعالجون المواقف الكبيرة سوى بالتشاور والتوافق والتراضي ويشدد الوحي الكريم في ذلك ويرويه هنا وهناك ليكون المضغة الأكبر من مضغ الفقه السياسي ومعاقد العمران أن يخر سقفه بالتأله والفردية.
الموضع الستون :
" ونريد أن نمن على الذين إستضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين. ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ". القصص 5.6
النتيجة السياسية : القصة القرآنية موضع تدبر وإعتبار سيما في حقلها وإلا فلا لزوم لها. هندسة القرآن ثلاثية تقريبا فثلث للقصة ومنها المثل وثلث للكون بتضاريسه الأرضية والجوية وثلث للباقي من تشريع ومشاهد القيامة وأحوال نفس وتربية إلخ.. ثلث كامل للقصة والثلث كثير كما قال عليه السلام. هندسة القصة التي هي ثلث القرآن الكريم كله ثلاثية كذلك إذ أن الثلثين تقريبا منها مخصصان لموسى عليه السلام وقومه بل إن أكثر المشاهد هنا ترددا هو المشهد الفرعوني وما كان ذلك كذلك سوى لإبلاغنا رسالة عمرانية سياسية بليغة جدا ومقدمة حقا عنوانها : لا شيء مثل الظلم السياسي تخر به سقوف العمران لتحل المحنة محل المنحة ولا شيء مثل العدل السياسي تقام به السعادة. إذا كانت تلك هي هندسة القرآن الكريم المتمحض بنسبة كبيرة منه للشأن العام عموما والسياسي منه خصوصا عارضا الأمثلة السيئة لتجنبها ( فرعون نموذج أصرخ ) والأمثلة الحسنة لتمثلها ( بلقيس وسليمان وذو القرنين ) .. فأنى لنا ألا ننهل من معينه معالم فقهنا السياسي؟
1 تحريك همة المستضعفين لإستعادة حقهم السليب من الآلة الفرعونية حاضرا وغابرا هي إرادة إلهية ربانية رحمانية كتبها هو بنفسه على نفسه ( ونريد). ليس هو تحريك للتحرر فحسب بل هو تحريك للإرتقاء إلى مصاف الإمامة والقيادة لأن التحرر من نيّر الإستعباد دون بناء دولة جديدة تؤم بالعدل لا بالجور الفرعوني يمكن أن ينتج فرعونا جديدا يستخلص الآلة الإدارية الحكومية ليطحن بها أولئك المستضعفين أنفسهم من جديد ( ونمكن لهم في الأرض ).
2 الله لا يعذب فرعونا ومن في إثره صناعة للإستبداد بمعجزات خارقة تظل لها الأعناق خاضعة والمستضعفون قاعدون بل يعذبهم بالمستضعفين أنفسهم ( منهم ). ولا يحذر أولئك شيئا حذرهم سقوط ملكهم وذهاب سلطانهم وخلع عرشهم.
الموضع الواحد والستون :
" إن خير من إستأجرت القوي الأمين ". القصص 26
النتيجة السياسية : يلتقط الوحي مرة أخرى قالات حكيمة في الفقه السياسي من أفواه الحكماء ليرسخها هنا وكأنه يريد أن يقول لنا هي حكم أهلها بشر وعقلاء وليست هي بدعا نبويا يخرج عن طاقة الناس. هي حكمة الفقه السياسي الأرشد ذاتها التي نطق بها يوسف عليه السلام أي الحفظ والعلم. هنا على لسان إمرأة بمثل حكمة بلقيس فكلاهما إمرأة. الدولة أجير يستأجره المجتمع لخدمته والقيام على شأنه العام الذي لا يتفرغ له كل أحد وخير من تستأجر الأمة لخدمتها ( القوي الأمين ). القوي أهلية وكفاءة وعلما ومعرفة وخبرة والأمين إخلاصا ووفاء ونصحا.
الموضع الثاني والستون :
" وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ". القصص 80
النتيجة السياسية : حب المال فينا مجبول مغروس ومزين فطرة بل هو حب شديد فإن تقيض لذلك من يزكيه ليكون حبا يثمر العمارة والإصلاح فبها ونعمت وإن لم يكن ذلك حصل الدس والنكد وإشرأبت الأعناق إلى قوارين تخلف قارون الأول ثم يعبد المال وتصبح الثروة وملاكها ومؤسساتها معبودات لا وسائل عمارة. والأمة بدولتها مسؤولة على إنتاج أولي العلم الذين يقولون ( ثواب الله خير). نحن في سفينة واحدة إن تركنا فيها المؤسسات القارونية تسيل اللعاب غرقنا جميعا.
الموضع الثالث والستون :
" وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ". الأحزاب 67
النتيجة السياسية : السادة والكبراء عادة هم مؤسسة الدولة وعصب الحكم وموضع التأثر والتوجيه سواء كان ذلك بعقد تراض بين المجتمع وبين نخبته الحاكمة أو بغلبة وغصب وشوكة سيف. وفي الأحوال كلها فإن الناس الذين بلغهم كتاب الله فعلموا ما فيه من محكمات راسخات ثابتات قطعيات لا متشابهات ولا هي محل خلاف وتردد بين الآراء لا يسعهم سوى طاعة تلك المحكمات ولا عذر لهم في طاعة مخلوق أيا كان بما يجعلهم في حالة عصيان صحيح صريح مباشر لربهم سبحانه إلا من إضطر غير باغ ولا عاد فهو يتقي بطشهم ترخصا منه لئن إتسع له هو فهو لا يتسع ليشمل الناس كلهم. ذلك مبدأ الفقه السياسي والباب الرئيس في علم العمران.
الموضع الرابع والستون :
" يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ". ص 26
النتيجة السياسية : تعجل النبي الملك داوود عليه السلام في القضاء بين الخصمين في شأن إستكفال النعاج ومكمن تعجله الذي عاتبه عليه ربه سبحانه هو أنه لم يستمع إلى الخصم الآخر ولذلك قالوا : لو جاءك من فقئت عينه فلا تحكم له حتى تنظر إلى خصمه فلعله مفقوء العينين كلتيهما. تلك هي وظيفة الإنسان المستخلف أي الحكم بين الناس بالحق .
الموضع الخامس والستون :
" وأمرهم شورى بينهم ". الشورى 38
النتيجة السياسية : الشورى هي عماد الحياة السياسية مطلقا بل هي عماد المجتمع في مختلف حقول مناشطه من الأسرة ( عن تراض منهما وتشاور) حتى المؤسسة السياسية (وشاورهم في الأمر) ولذلك تكون الشورى خلقا إسلاميا عاما ولكنها في حسم الخلافات التي جبلنا عليها فريضة مفروضة إلتزم بها هو نفسه عليه السلام يوم أحد وهي على غير رغبته. الشورى في الشأن السياسي والدولي والشأن العام هي مؤسسة مسؤولة. إحتلت هنا بؤبؤ العين بين الصلاة والإنفاق أن تكون نافلة نتخطاها أو تكون معلمة لا ملزمة نذر بها الرماد في عيون الناس. الشورى هي عماد الإجتماع السياسي إهتدى إليها الغربيون وغيرهم فتقدموا. وما نكبت أمتنا وكر عليها قطار الإنحطاط ثم الإحتلال إلا يوم إنقلب الأمويون على فريضة الشورى ومؤسسات الرأي. سمها ما شئت إذ العبرة بالمسميات لا بالأسماء. الشورى هي محط كرامة الإنسان وهي الضامن ضد غرق السفينة الواحدة التي نستقلها بسبب الإستبداد بالرأي والفردية وهي أكثر آلة بها يتوحد الصف المرصوص. أصل الشورى هي إختلافنا وإختلافنا جبلة وإجتماعنا ضرورة فلا مناص إذن من الشورى. لنا فيها سورة مكية كاملة وليست شيئا عابرا صغيرا.
الموضع السادس والستون :
" إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة ..". الحجرات 6
النتيجة السياسية : على الأمة أن تحسن ضبط الأنباء الجوالة بين الناس إذ مبدأ الفتنة والحرب المستعرة كلمة واحدة. الإعلام اليوم هو السلطة الأولى في الأرض بسبب ثورة الإتصالات الماردة وهو يسوق الناس فعلا إلى ما يريد أهله إلا قليلا. وبين الحرية الإعلامية وتحصين المجتمع أن يخر عليه سقفه بسبب الإشاعات والأكاذيب مسافة مسؤولية لا بد من مراعاتها. ليس هناك حرية منفلتة ماردة لا تعرف حدا إلا في شريعة الغاب ربما. على الأمة تنظيم ذلك سيما في عالم أضحى بيتا زجاجيا صغيرا من خلال مؤسساتها ودولتها فهي المسؤولة وهي المخاطبة دوما بالتكليفات. نبأ واحد خاطئ أو غير دقيق يمكن أن يؤسس لمظالم لا حد لها. الإنباء والإعلام والإخبار لها ضوابط تراعي حق الإنسان فلا سخرية ولا همز ولا لمز ولا إتباعا للظن ولا تنابز بالألقاب. سيما أنباء الأمن والخوف إما أن ترد إلى أولي أمرها لإتخاذ الإجراء المناسب من بعد التحري ثباتا وصحة وتحليلا وإما فهي الحرب الأهلية وتمزق الصف وحصول الفتنة وتسلل الذئب.
الموضع السابع والستون :
" وإن طائفتان من المؤمنين إقتتلوا فأصلحوا بينهما ..". الحجرات 9
النتيجة السياسية : الناس ليسوا ملائكة أبرارا والمؤمنون ناس من الناس لا عصمة لهم وليس هذا إفتراضا بل إختلف خير الناس الأصحاب زمن علي في إثر مقتل عثمان عليهم الرضوان جميعا وحملهم إختلافهم وهو سياسي قح بين رؤيتين في إعادة تأسيس الدولة على أسس صحيحة متينة على الإقتتال في الجمل ثم في صفين. ليس معنى ذلك التهوين من الإقتتال ولكن معنى ذلك أن الخلاف السياسي كفيل بقلب السفينة رأسا على عقب لو لم يخضع للحوار والنقاش والجدال في هدوء. نفيد من التاريخ قدسية المبادئ وعدم عصمة الرجال كائنا من كانوا والحياة تجربة أو لا تكون. ذلك يعني أن الشأن الفردي يمكن علاجه بيسر وإذا لم يعالج فتأثيره محدود ولكن الشأن العام لا بد أن يخضع للمعالجات الجادة والمتأنية أن يظل الناس فوضى لا سراة لهم أو يسود جهالهم كما قال الشاعر وفي الحالين نكبة نحن اليوم أكثر من يشعر بوطأتها. ولذلك نتلقى الإختلافات تلقيا طبيعيا حائلين دون تحولها إلى إقتتال فإن حصل هذا فإن الإصلاح بين المقتتلين هو سبيل إعادة رأب الصدع. والتشريع الإسلامي يذهب بعيدا جدا لأجل إعادة بناء السقف الذي يحفظ للسفينة الواحدة التي تقلنا توازنها إذ يأمرنا بقتال الطائفة التي لم تخضع للصلح والمصالحة وقد تكون بالآلاف المؤلفة ولكن ذلك يهون لأجل حفظ السفينة ومن فيها. القتل مؤلم ولكن تعريض السفينة للهلاك أشد إيلاما منه ولذلك نقدم القتل لمن رفض التصالح. أرأيت حرص الشريعة وحدبها الحادب على الصف الواحد المرصوص؟ وما كان الإقتتال مخرجا من ملة محمد عليه السلام ولكن الحصفاء يعملون على تجنبه وتجفيف منابعه منذ البداية وكما قيل درهم وقاية خير من قنطار علاج.
في الأعم الأغلب من تاريخ البشرية فإن السياسة هي السبب الأكثر في تفريق الصف وخرم وحدته وليس الدين ولا غير الدين ولذلك على أهل الرشد والحصافة ألا يجتمعوا حتى يتواضعوا على دستور سياسي موثق فيه فقههم السياسي.
الموضع الثامن والستون :
" ولا تجسسوا ". الحجرات 12
النتيجة السياسية : ليس النهي وقد ورد بصيغة الجماعة خاصا بالحالة الفردية بل هو عام يشمل الحالة الجماعية أي لا تتجسس الدولة ومؤسساتها على أي كان إلا بإذن من قضاء عادل مستقل في حالات إستثنائية يقدر أنها قد تهدد الأمن أي أمن الناس إذ التجسس على الناس إنتهاك لحرياتهم وكراماتهم وحرماتهم ولكل واحد من الناس الحق كاملا في كل شيء داخل بيته أو حيث لا يرى من الناس ما لم يهدد الناس ولذلك إعتذر الفاروق لما تجسس على بيت قوم يعاقرون الخمرة ويهمون بفعل سوء وأخبرنا في الحديث الصحيح أن من تجسس على بيت قوم ففقؤوا عينيه فلا قود عليهم أي لا ضمان. للبيوت والمنازل وما في حكمها حرماتها الخاصة بها.
الموضع التاسع والستون :
" إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ..". الحجرات 13
النتيجة السياسية : الدولة التي هي مؤسسة الأمة العليا لخدمتها والقيام على شأنها العام مسؤولة على تنفيذ مقاصد الإسلام قدر الإمكان ومن أكبر مقاصد الإسلام التعارف بين الناس والسياحة آلة من آلات التعارف بين الناس والتعارف مقدمة للتعاون وسل فتائل الحرب وبسط الأمن. الناس مأمورون بالتعارف لأنهم متساوون ومن أكبر مظاهر تساويهم أنهم مخلوقون ( من ذكر وأنثى ) وأن إنتماءهم المختلف قبليا ودينيا وعرقيا وغير ذلك مدعاة للتعارف وليس إلى التحارب. المؤسسات الدبلوماسية المعتمدة بين الدول بعضها مع بعض هي مظهر من مظاهر التعارف والمهم المقصد أما الوسائل فهي لا تحصى ولا تحصر. ولذلك جاءت ثورة الإسلام العظمى في عالم القيم ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم). الإنسان مكرم مقدس محرم حر ما لم يعتد على غيره ولا فضل له لأخيه الإنسان الذي يشترك معه في المصدرية الخلقية والنفخة الروحية إلا بالتقوى التي هي جماع العقل والزكاة والحكمة والعدل والقسط والخير والبر والمعروف والإحسان والفضل ولكن التقوى ليست مظاهر نعرفها بها بل هي ( هنا ) أي في الصدر كما قال عليه السلام.
الموضع السبعون :
" وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ..". الحديد 25
النتيجة السياسية : الفقه السياسي هو تحكيم الميزان من بعد العلم بالكتاب. هما كتابان منزلان جنبا إلى جنب : الكتاب الذي يحمل النظرية المؤسسة فيها محكمات قاطعات راسخات ثابتات قطعيات هي أمه والميزان الذي ننفذه بالشورى ( الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان ) وبالعلم الباحث المجتهد لا المجتر المقلد ( ووضع الميزان ) وبالحديد الذي يضمن ما يفصل في الإبان بعد قليل بحوله سبحانه. الميزان هو إعمال النظر والتفكر والتدبر بتشاور وتوافق وتراض لأجل حسن فقه محكمات الكتاب وحسن فقه التجربة التاريخية ومن قبل ذلك سيرته عليه السلام فهي الميزان الذي نفذ الكتاب وحسن فقه الواقع المعيش إذ لا يمكن تنزيل الكتاب إلا من بعد تأسيس الميزان الذي يخبرنا كم يستوعب من تلك المحكمات وإلى أي حد ومتى وكيف وغير ذلك. هو كالميزان المادي الذي يقدر ثمن السلعة وقيمة البضاعة فلا طغيان ولا إخسار. المقصد الأسنى من الكتاب والميزان إنما هو القسط من الناس بين الناس. القسط هو مطلب الإسلام الأول. الكتاب وحده بلا ميزان لا يحقق القسط المطلوب والميزان وحده بلا كتاب لا يحقق القسط المطلوب فلا يتحقق قسط مطلوب إلا بهما معا.
الموضع الواحد والسبعون :
" وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس ..". الحديد 25
النتيجة السياسية : هي كتب ثلاثة منزلة ( القرآن المسطور والكون المنظور والميزان المعقول) وثلاثتها تحتاج إلى قوة تحميها وتكفل لها حماية المستضعفين وهي قوة الحديد. مبنى الفقه السياسي ( القلم و الصف والشورى والحديد والميزان ). تلك هي أركانه. الحديد رمز إلى القوة العسكرية وإلى القوة المدنية التي تكفل الرغد والسعادة. الحديد يضمن المدنية كما يضمن العدل. الأمة مسؤولة قعطا على إستخراج الحديد لحماية نفسها واللحاق بالمدنية والحضارة والترقي والإحسان والإتقان. الأرض اليوم تتنفس حديدا فمن ملك الحديد ملك الناس ومن لم يملك الحديد أفترسه الحديد. ذلك هو قانون الحياة.
الموضع الثاني والسبعون :
" لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ..". المجادلة 22
النتيجة السياسية : عود على بدء مع قضية الولاء والبراء إذ الممنوع فيها الموادة أي بث الود والحب والركون والموادة أبلغ من مجرد الود وأكثر وأكبر حتى لكأن الود بينهما مشترك متبادل. أما التعاون في الدنيا لا في الدين من لدن المسلمين مع غيرهم حتى لو كانوا أكفر من الكفر وأحرب من الحرب فهو مطلوب عندما تتحقق مصلحته أو تربو عن مفسدته. والبون شاسع بين الود وهو عمل قلبي وبين التعاون وهو عمل باللسان والجوارح.
الموضع الثالث والسبعون :
" كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ..". الحشر 7
النتيجة السياسية : الأمة مسؤولة بدولتها ومؤسساتها على تقديم العناية بالمحتاجين والفقراء والمستضعفين ماديا وماليا وليس ذلك منة ولا إحسانا بل هي فريضة مفروضة لتحقيق أكبر مقصد من مقاصد الحياة المالية والإقتصادية أي عدم تكدس المال والثروة في أيدي الأغنياء والموسرين ليموت الناس جوعا. ليست المساواة هنا هي المطلوبة لأن المساواة هنا حلم من الأحلام الجميلة فحسب ولكن المطلوب العدل والقسط قدر الإمكان لضمان الحد الأدنى من العيش الكريم لكل مواطن ثم يتفاضل الناس من بعد ذلك بحسب بلائهم وهو تفاضل مقصود من الباري نفسه سبحانه.
الموضع الرابع والسبعون :
" لا تتخذوا عدي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ..". الممتحنة 1
النتيجة السياسية : مرة أخرى مع الولاء والبراء التي تفيد قطع المودة القلبية وليس قطع التعاون عندما يكون مصلحة. الولاء ولاية لغير المسلمين على المسلمين والولي هو من يدبر أمر المستولى عليه والبون شاسع بين الولاية وبين التعاون. ولكن الخيانة هي أكبر ذنب وأعظم ردة ولها بالردة في الشريعة صلة موصولة ولم تتردد البشرية في الحكم بالإعدام على الخائن لأن الخيانة تعرض الدولة والناس إلى أيسر طرق السقوط وبدم بارد. ولذلك كان جزاء النفاق الدرك الأسفل من النار لأنه خيانة.
الموضع الخامس والسبعون :
" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من درياكم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ..". الممتحنة 9
النتيجة السياسية : هاتان الأيتان هما عماد السياسة الخارجية للدولة في الإسلام. الأرض معمورة بالناس كلهم من كافر ومؤمن ومن محارب ومسالم إلخ .. والأمة تبني سياستها الخارجية مع الناس على أساس بذل القسط والبر للمسالمين بغض النظر عن دينهم وعرقهم ولسانهم ولونهم لأن السلم جزاؤه السلم وعلى أساس نبذ الموالاة مع المحاربين حربا مباشرة أو بالتعاون والإشتراك. والأمة بدولتها وأهل الشورى فيها هي من يقرر متى تخوض الحرب مع هؤلاء ومتى تعقد الهدنة معهم ومتى تصالحهم إلخ .. المهم هو أن السلم للسلم ونبذ التعاون مع المحارب إلى حين يتقرر الأمر هل تكون حرب أو هدنة أو صلح.
الموضع السادس والسبعون :
" يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك ..". الممتحنة 12
النتيجة السياسية : المرأة كائن إنساني كامل الإنسانية وهي شقيق الرجل بالتمام والكمال ومساوية له في المصدرية الخلقية الأولى والنفخة الروحية الإلهية ومساوية له في التكليف الرسالي ( إلا ليعبدون ) وهي مسؤولة مثله بالتمام والكمال أمام الله يوم القيامة عما كسبت يداها لا تدعى يومئذ بإسم أبيها أو أمها أو أخيها أو زوجها أو ولدها. ثمنها كثمنه وسعرها كسعره وديتها كديته وحرمتها كحرمته وكرامتها ككرامته وحقها هو حقه وواجبها هو واجبه وما الإختلافات الأخرى الصغيرة في بعض جزئيات الوظيفة إلا لتحقيق التكامل والتعاون وليس هو أمارة هوان أو علامة دونية. ومنها أنها تتحمل المسؤوليات السياسية أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر ومن ذلك في الحقل السياسي وهي مكلفة بالبيعة أي بالمشاركة في العقد السياسي المدني بين الدولة وبين الأمة وهي تبايع النبي نفسه مثلها مثل الرجل. وإذا ثبت ولم يثبت بدليل لا يتسلل إليه الإحتمال أن يسقط به الإستدلال أنها لم تبايعه بيدها مصافحة فالعبرة ليست بصورة البيعة ولكن بمضمون البيعة إذ قد يبايع اليوم رجل مقيم في أقصى الأرض دولة في أدناها عن طريق ثورة الإتصالات فهل نهدم بيعة هذا لأن اليد لم تقع في اليد. ألا تميزون بين الشكل وبين الجوهر وبين الصورة وبين المضمون أو بين المبنى وبين المعنى؟ كلمات البيعة هي هي فلم التعلق بأهداب لا يتعلق بها إلا الأطفال الصغار في لهوهم. ا لمرأة المبايعة هنا هي نفسها المرأة التي خرجت سرا وخلسة من مكة تاركة زوجا وذرية ومالا ودارا مهاجرة إلى المدينة ومتقحمة لمفاور ومغاور ومخاوف لا يعلمها إلا الله في ذلك الوقت. هل أبطل الله هجرتها لأنها غير ذات محرم؟ هل عاتبها أنها عرضت نفسها للتهلكة؟ ما لكم كيف تحكمون؟
البيعة هي عقد التراضي والتوافق بين الأمة وبين الدولة فلا غلبة ولا شوكة ولا غصب ولا تزوير. البيعة السياسية عقد مدني لا ديني تحفظ بها الأمة وجودها وتجددها بما تكلف منها من يخدمها بأجره إلى حين وتحفظ بها الدولة المستأجرة أمن الناس من خوف وطعامهم من جوع. البيعة هي العقد السياسي بين الناس إذ لا بد لهم من عيش مشترك وهم مختلفون وإلا فهي الحرب التي لن تضع أوزارها بينهم حتى تبيد خضراءهم وتفني وجودهم فيستبدلون.

الموضع السابع والسبعون :
" إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ". الصف .2
النتيجة السياسية : لا قيام لأي فقه سياسي حتى خارج الدائرة الإسلامية إلا بإنشاء صف واحد مرصوص كالبنيان يشد بعضه بعضا إذ ذاك هو ضمان العمران أن يندك سقفه. ليس من شرط الصف الواحد أن يكون متماثلا أو متجانسا أو حتى متقاربا دينا وعرقا ولسانا ولونا وجنسا بل إن إختلافه في كل تلك المواضع هو أكبر باعث على وحده صفه. ليس الأمر هنا مقصورا على الذين يقاتلون في سبيله بل هو عام سوى أنه عندما نزل ذلك كانت حالة القتال هي الحال الغالبة بسبب عدوان المشركين واليهود على الدولة الجديدة والدين الجديد والأمة الجديدة. ولك أن تقول أيضا أن الإنسان فردا وأمة في حالة قتال دائم فالحياة معركة شرسة طاحنة ضارية يأكل فيها القوي الضعيف ويفترس فيها الغني الفقير ويئد فيها الكثير القليل فهي كبد وسعي وكدح لا يني. هذا أمر لفرط الأخذ به من لدن الغربيين وهم لا كتاب لهم يهديهم لا يحتاج إلى تأصيل شرعي بل تأصيله عقلي بإمتياز.
الموضع الثامن والسبعون :
" وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ". البلد 17
النتيجة السياسية : لإقامة الصف الواحد المرصوص وتنفيذ فريضة الإعتصام بحبل الله وعروته الوثقة وبالأمة في مجموعها كذلك هناك وسائل متعينة منها : التواصي بالحق الوارد مرة واحدة في سورة العصر والتواصي بالصبر الوارد مرتين : مرة هناك ومرة هنا والتواصي بالمرحمة الوارد مرة واحدة هنا. التواصي هو المشاركة منا جميعا والمساهمة في الإيصاء والتوصية فإن كان التواصي طريقا أحادي الإتجاه فإنه لا يثمر شيئا. التواصي بالمرحمة ليس حسنة ولا نافلة بل فريضة بمثل قوله ( ولا تحاضون على طعام المسكين) فلا يكفي إطعامه بل لا بد من إنشاء الدولة التي تطعمه وتوفر له سبل العيش الكريم وفرص التكافؤ مع غيره ولا بد للمجتمع توازيا مع الدولة من إنشاء الجمعيات والمنظمات والمبادرات التي تحض على طعام المسكين وتضمن التواصي بالمرحمة به. ولذلك قال في موضع آخر ( ويل للمطففين ) وقال ( ويل لكل همزة لمزة ) فالويل كل الويل للمعتدي على حقوق الإنسان ماليا وإقتصاديا أو عرضيا ومعنويا. وبذلك تزامنت الدعوة إلى التوحيد من أول يوم جاءت فيه الرسالة مع الدعوة إلى الحدب على المحتاج والفقير فهما صنوان شقيقان فإن إفترقا كان ذلك مظنة كفر ( أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ) فإن كانت الأمة هي التي تدع اليتيم أو فيها من يدع اليتيم فلا تقاومه فإنها مهددة بالكفر إذ لا خير في دين يعرف به الإنسان حق ربه عليه ولا يعرف به حق الإنسان عليه.

78 موضعا أحصيتها بفضله ونعمته سبحانه من القرآن الكريم إستقراء للفقه السياسي الذي بدا فيه ظاهرا بارزا محكما مشددا ثم آل فينا لأسباب تاريخية وسياسية ودينية معروفة إلى الضمور. لي عودة إليها تلخيصا وتركيزا وتكثيفا بحوله سبحانه من بعد جولة إستقرائية أخرى في بستان السيرة النبوية الشريفة.



















قراءات سياسية في السيرة النبوية

لماذا السيرة ؟
المقصود : لماذا في السيرة وليس في السنة؟ السنة بما هي قول وفعل وإقرار أخصص لها كراسا آخر أسميته ( مائة حديث في السياسة ) .السيرة هي الحقل الأنسب لمثل هذا لأنها هي البيان العملي للقرآن في كل الحقول ومنها الحقل السياسي. صحيح أن السيرة مقيدة بما يتاح له عليه السلام في زمانه ومكانه وحاله ولكن الله سبحانه قدر له مساحة من الزمان والمكان تكون مناسبة جدا لبيان ما كلف بإبلاغه وبصورة تشكل لنا معالم فقهنا السياسي تشكلا عمليا ميدانيا وهو يخوض غمار الأرض والتحديات والمعارك والتوازنات ويبني التوافقات والإصلاحات وغير ذلك. وصحيح أيضا أن السنة مسندة والسيرة غير مسندة ولكن لنا منها مفاصل كبرى قليلة ولكنها ثابتة راسخة تكاد تكون قطعية بل لنا وثائق سياسية دستورية نبوية وراشدية معلومة ومعروفة وألف فيها بعضهم كتبا. دلالة الحديث هنا حمالة أوجه في أحيان غير قليلة ولكن دلالة العمل لا نختلف عليها في ضوء معالم الفقه السياسي في القرآن الكريم. لذلك يكون العمل هنا أقوى من القول في الأعم الأغلب وليس دوما بطبيعة الحال. السيرة وليست سيرة محمد فحسب عليه السلام عادة ما تكون الحقل الخصيب الذي يرجع إليه المصلحون إستنهالا وإستئناسا وإستضاءة وإستنارة. السيرة النبوية فعلا هي مرجع المصلحين وهي كراس الإصلاح في الحقول كلها لمن يعرف كيف تؤتى الأمور ولكن في ضوء محكمات القرآن الكريم بل تحت حكمه وسلطانه.
ولماذا السيرة السياسية فحسب؟
لا أظن أن فقهنا السياسي المعاصر سيكتب له نجاح يناسب دور الإسلام والإسلاميين اليوم في الأرض وأمة العرب والإسلام دولا وحكومات دون أن نستأنف المشروع العاشوري اليتيم ( مقامات المشرع ) الذي لم يفصل فيه من قبله أحد سواه بمثل ما فعل في مقاصده الشرعية وإن كان الأسبقون قد ثبتوا إهتمامهم بالأمر من قبله. الذي أرنو إليه ولست من أهله هو أن يتصدى لهذا العمل رجل مثل الشاطبي الذي خلص أو حرر المقاصد من أصول الفقه ثم تبعه إبن عاشور ثم آل علم المقاصد نفسه من بعد إبن عاشور إلى مثوى النسيان والتجاهل. تلك هي طبيعة العلم في التناسل والتوالد وتلك هي الحاجة المتأكدة لتحرير مقامات المشرع لأن اللغط فيها كثير والخلط فيها أكثر بسبب عدم التمييز بين مختلف مقامات التشريع.

ولماذا أقصر الحديث عما هو ثابت قطعي فحسب؟
تلك مشكلة أخرى وهي مشكلة عدم إسناد السيرة بمثل ما حدث للسنة ولا يتعجل المرء في البحث عن سبب أو أسباب في تاريخ عريق قديم ولكن المؤكد أن السيرة مثلها مثل المغازي والتفسير لا أصل لها كما قال العلماء فيها مما ليس منها وربما يكون العذر في مثل ذلك أنها ليست للإتساء الفردي الديني بمثل ما هو الأمر في السنة التي خضعت لعلم الرجال أو الجرح والتعديل إذ هي محل خصيب للمصلحين أن يفيدوا من دروسها ومواعظها بما يناسب أوضاعهم ولكنه ليس عذر كاف ولا واف. ولكن المهم رغم كل ذلك إنما هو تحري ثبوت واقعة السيرة فيما نحن بصدده وفي غيره. ولا فرق هنا بين سيرته عليه السلام قبل بعثته نبيا وبعد ذلك فلا يصدر منه سيما في الشأن العام سوى الطيب حتى قبل البعثة لأنه ظل محل إعداد وتأهيل لحمل الرسالة.
الموضع الأول : حلف الفضول
بعد أن وضعت حرب الفجار أوزارها تداعت قبائل من قريش منهم بنو هاشم وغيرهم إلى حلف يتعاهدون فيه على الإنتصار للمظلوم والإنتصاف له وكان ذلك في ذي القعدة المحرم وقال عليه السلام في ذلك ( لقد شهدت في دار عبد الله إبن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعيت به في الإسلام لأجبت ). ذكر ذلك إبن هشام في سيرته.
النتيجة السياسية : لا يسع فقهنا السياسي سوى المشاركة في الأحلاف والمعاهدات والمبادرات الدولية العاملة على تجفيف منابع الظلم والقهر قدر الإمكان أو مقاومتها فإن كان في موضع أعلى أمكنه إنشاء مثل ذلك أو قيادته فليكن فإن ذلك من لازمات الشهادة على الإنسان. التحالف مع المخالف عقديا مطلوب لأجل تنفيذ مقاصد الإسلام إذ الحياة أوسع مما نظن وأعقد وأشد تركيبا والعمارة أعسر من أن ينهض بها مسلم دون كافر مسالم. ماذا لو تشكل اليوم حلف فضول إنتصارا لفلسطين المحتلة منذ 1948 وشارك فيه القوي منا ومنهم؟ من يعيق ذاك؟ هم قطعا ولكن نحن كذلك.
الموضع الثاني : إجارة الدعوة وأمينها العام بأردية مشركين
تعددت مواضع الإجارة هنا منه عليه السلام وأقصر على ثلاثة منها إذ من المتفق عليه أنه ظل عليه السلام في ظل عمه أبي طالب وهو مشرك ومات مشركا يحمي ظهره بدافع عصبي ويجير دعوته وهو لا يؤمن بها وتحمل في ذلك من أقرانه من أسياد قريش ما عانى والنبي عليه السلام يدرك جيدا أن دعوته في حماية مشرك ولا أحد يمكن أن يتصور ما الذي يحل به لولا أنه سبحانه قيض له حماية منيعة من مشرك. كما أنه طلب الإجارة من مشرك معروف في قريش بمنعته وذلك عندما عاد مطرودا من الطائف خشية أن يتعرض لإنتقام من سادة قريش لا تبقى معه للدعوة باقية وبمثل ذلك إستأمن مشركا آخر على قيادة رحلة الهجرة الخطيرة جدا ثقة في أمانته وأهليته لذلك ( عبدالله إبن أريقط).
النتيجة السياسية : مع موضوع الولاء والبراء مجددا. لا قطع مع أي ولاء يوفر للإسلام وأهله أمنا سيما في أوضاع حرجة معروفة وذاك هو ( حبل الناس ). وكل ولاء غير ذي طابع ديني ولا تأثير ديني قيمي له يعيق رسالتنا بل هو هنا يوفر لها الحماية في غابة ذئاب جائعة هو مطلوب. هنا لدينا ميزان مختلف ليس هو ميزان الكفر والإيمان ولا ميزان الحلال والحرام ولا هو ميزان الطاعة والمعصية بل هو ميزان العدل والجور. فقهنا السياسي مع العدل حتى لو كان شركاؤه في العدل مشركون كفرة وهو ضد الجور حتى لو كان أهل الجور مسلمين مؤمنين.
الموضع الثالث : توظيف العصبية
في بيعة العقبة الثانية وبعد أن تحددت وجهة الهجرة الأخيرة تأمينا للدعوة ولأهلها وبحثا عن مساحة حرية جديدة إصطحب عليه السلام معه لذلك اللقاء السري الخطير جدا بينه وبين الطرف الثاني في عقد البيعة أي بعض الأنصار عمه العباس وقد كان مشركا إذ لم يؤمن إلا في فتح مكة وهو الذي بادر بالحديث مؤكدا أن محمدا في منعة من قومه ولكنه إختاركم علينا فإما توفوا له العهد وإلا فهو في منعة وعزة.
النتيجة السياسية : العصبية في الناس أمر جبلي فطري غريزي وحد منها مطلوب لحفظ الذات وتحقيق الإنتماء. والعصبية واقع لا نملك إلغاءه ولكن نملك تهذيبه وتشذيبه وتوظيفه لمصلحة قيم الحق والعدل والحرية والمساواة. العصبية هي التي وفرت للأمين العام للدعوة وللدعوة نفسها في سنوات الجمرالحامية اللاظية الأولى في مكة حجرا دافئا آمنا فهل كان عليه السلام غافلا عن ذلك؟ وهي التي وظفها هو بنفسه في بيعة العقبة الثانية لتكون رسالة إلى رحم الإسلام الأول في المدينة أني في الذروة من العرب وقريش وبني هاشم ( خيار من خيار من خيار) ولكن القمع حال دوني ودون رسالتي وهذه عصبتي تسلمني إليكم بدعوتي فهل أنتم حافظوها؟ العصبية قوة وشوكة شرط من شروط الحكم والملك والقيادة وتحصيل الطاعة. والعصبية اليوم هي الدولة القطرية الجديدة من بعد تشرذم عصبية الأمة وإندكاك سقفها الحامي وتذرر لحمة مجتمعاتها وأسدية شعوبها فمن عصّب الناس بالدولة وساسهم بالحق والعدل والحرية والكرامة ضمن الأمن من خوف ومن جوع. بل ثبت أن الإستقواء بعصبيات أخرى هرئة صدئة ضد عصبية الدولة إنما هو إستقواء بفأس لهزّ جبل.
الموضع الرابع : وثيقة المدينة
الوثيقة المبرمة مع اليهود في المدينة ثابتة بنصها ولكن المختلف فيه هل هي الوثيقة نفسها التي شيدت عهدا سياسيا بين المسلمين أنفسهم أي بين المهاجرين والأنصار أو هي وثيقة مستقلة. رسالة الوثيقة هي تكافل مواطني المدينة كلهم من يهود ومسلمين وغيرهم على حماية المدينة من أي هجوم خارجي وتخصيص قريش بعدم الإيواء والتعاون وإطلاق الحريات الشخصية والدينية فيما عدا ذلك. ولولا ثبات وثيقة مثل هذه ما كان ينبغي له أن يقاتل الإسرائيليين بطنا من بعد بطن إذ لم يكن القتال سوى بسبب إقتراف الخيانة العظمى ضد الوثيقة وبناء تحالف سري مع قريش لضرب المدينة أو إعداد لإغتياله أو لغير ذلك من الأعمال التي لا تعد في العرف الدولي سوى خيانة لعهد سياسي سابق.
النتيجة السياسية : وثيقة المدينة وعمل المدينة الأولي الإبتدائي الذي باشره عليه السلام ( بناء المسجد وعقد التآخي العملي وليس النظري بين المهاجرين والأنصار والوثيقة السياسية) .. هما عماد الدولة في الإسلام وهما عمران الفقه السياسي فيه سيما عندما يكون المجتمع متنوعا عقديا مثل مجتمع المدينة. تلك وثيقة كفيلة لوحدها فحسب بفضح الأكذوبة العالمانية التي يتبناها كثير من المسلمين جهلا وقوامها أن واقع التعدد وليس هو مشكلة كما يقال بل هو إرادة ربانية فيها الحكمة لا يعالج بغير نظام عالماني بزعم أن العالمانية تبث الحرية. وهل يبث الإسلام الإكراه حتى نعدل عنه إلى العالمانية؟ العبد الفقير إلى ربه تعالى يقول ويكتب أن محمدا عليه السلام بدستوره المدني ذاك هو أبو النظام الفدرالي أو الكنفدرالي على ما بينهما من تشابه وإشتراك المعاصر في روحه ومقصده لتوفير أقصى حدود الحريات المحلية والدينية والمدنية والأهلية والخاصة الشخصية ولتوفير سقف سياسي واحد منيع يجعل المواطنين كلهم بمختلف إنتماءاتهم مسؤولين على حماية البلاد ومن فيها تصديا لكل محاولة خارجية للإحتلال . محمد عليه السلام بوثيقته تلك هو أبو فقه المواطنة الدستورية المعاصرة التي لا تقوم على أساس الدين أو أي إنتماء غير الإنتماء الوطني المشترك بين أبناء الوطن الواحد. فإذا جهلنا نحن ذاك بأبعاده اليوم بسبب تراكمات تاريخية وسياسية وفكرية وفقهية ومذهبية وطائفية فالذنب ذنبنا نحن وليس هو ذنب الإسلام ولا ذنب نبي الإسلام ولا ذنب أجل وثيقة إسلامية موثقة مكتوبة في فقهنا السياسي ومعالم عمراننا الإجتماعي.
الموضع الخامس : مصالحة غطفان لشق التحالف العسكري
عرض عليه السلام على أصحابه أن يصالح غطفان حليف قريش في الهجوم العسكري الكاسح حول المدينة قوامه عشرة آلاف جندي بثلث ثمر المدينة أملا منه أن يشق ذلك الحلف الذي قال عبر عنه بقوله أن العرب رمتكم على قوس واحدة. ولكن الصحابة لما عرفوا منه أن ذلك رأي وليس وحيا عبروا عن إستعدادهم للثبات والمقاومة إذ لم تكن غطفان تنال منهم شيئا وهم مشركون فكيف وقد أكرمهم سبحانه بالإسلام فعدل عن رأيه عليه السلام.
النتيجة السياسية : ماذا تقول في نبي يرسم فقهك السياسي بحروف منها تسليم ثلث ميزانية الدولة لم يكن يعرف في المدينة لأهلها كسب مادي سوى ثروة النخيل تقريبا عن طواعية لدولة أخرى جاءت تحاربه ضمن تحالف عسكري عربي عرمرم؟ أرأيت كيف أن الدنيا مركبة وليست أحادية البعد؟ لو نظرت إلى الواقعة بعين واحدة لقلت قطعا : هذا يرهن بلاده وثروتها لعدوه؟ أو قلت : هو يفعل ذلك خوفا ووجلا. ولكن لو نظرت بالعينين كلتيهما لقلت أنه عليه السلام يوازن بين المصالح والمفاسد أو بين المفاسد نفسها ببعضها ببعض. إغناء غطفان المشركة المعتدية بثلث تمر المدينة مفسدة كبيرة دون ريب ولكن نجاح التحالف في دك المدينة وهدمها على من فيها أفسد. فماذا يفعل العاقل حتى لو لم يكن مسلما؟ أليس يقدم المفسدة الأدنى لتوقي الكبرى؟ أم هي نظريات نقرؤها ونستمتع بها وعند التطبيق نستفتي الناس ماذا نفعل أو نعود إلى ما ورثناه؟ أليست التضحية بالمال أدنى مفسدة من التضحية بالإنسان؟ الفقه السياسي توازنات وموازنات وتوافقات وموافقات والعلم بشر الشرين لتوقيه وليس بخير الخيرين لإصابته إذ أن ذلك في الحياة السياسية نادر جدا. ومن طبيعة الإنسان الذي خلق من عجل ألا ينظر إلى نصف الكأس الفارغ أما الملآن فلا يمتلئ به جفن حتى يكون الكأس كله ملآن وهذه صورة نادرة في الحياة.
الموضع السادس : صلح الحديبية الشهير
هي معاهدة سياسية مكتوبة موثقة شأنها شأن دستور المدينة سوى أنها تحمل بنودا عدها الصحابة مجحفة لا تتناسب ووضعهم في مقابلة قريش خصمهم الذي صدهم عن أداء عمرة لا علاقة لها بالتجاذبات السياسية إذ أن المعاهدة لا تمنحهم حق العمرة في هذا العام ولكن في الذي يليه وأن من جاء محمدا عليه السلام مسلما من قريش رده إليهم ومن جاءهم منه مرتدا لا يمنع من ذلك وأن صلاحية المعاهدة السياسية تمتد عقدا كاملا من الزمن ومما زاد الطين بلة أن قدم أحدهم فارا من قريش التي تلاحقه إذ وصل محمدا عليه السلام في اللحظة نفسها التي وقع فيها نيابة عن الأمة على بنود تلك المعاهدة فرده إلى قومه وكان قد تنازل في مقدمتها عن صفته النبوية الرسالية فرضي أن يكتب من محمد إبن عبد الله وليس من محمد رسول الله كما رضي أن يكتب بسمك اللهم وليس بسم الله الرحمان الرحيم وهو الأمر الذي جعل الصدور تغلي غليان المرجل ولم يتقدم أحد إليه عليه السلام سوى الفاروق معبرا عن الشعور بالدنية في الصف الإسلامي.
النتيجة السياسية : من أعجب أركان الفقه السياسي أن تلتقط عنوان اللحظة السياسية التي أنت فيها فإن كانت متجهة ولو ببطء لا يراه سوى الأذكياء حتى من الصف المقابل إلى تغيير لصالح مشروعك بل ولو لصالح فقرة من فقراته فحسب .. فما عليك سوى الإستعداد لإعلان التنازلات وقبولها لأن خصمك له أنف مثل أنفك فهو بشر ويريد أن ينسحب من مقاومتك بشرف لا بهزيمة وما يضيرك أنت ذاك؟ هل تريد نصر نفسك أم نصر الحق؟ والأهم من خصمك هو الشاهد الدولي المراقب. هو يستقبلك أنت لأول مرة على رقعة شطرنجه وهو الآن ينظر إليك ويقرأ كل حركة منك وكل سكنة. لم تكن مهمّا قبل سنوات وعقود أما الآن فأنت مهم جدا وقد يضحي الشاهد الدولي بخصمك الذي يهم الآن بالإنصراف من الحلبة ولكن بشرط أن تكون أنت مقبولا قبولا نسبيا إذ لا يضيره أن يحرك آلة جديدة في وجهك ليشغلك بها على الأقل. المقبولية لا تعني التنازل عن مبادئك. ولكن ما هي مبادؤك؟ لا تتضخم أكثر من اللزوم ولا تنتفخ فالدين الذي تزعم له من المبادئ أكثر مما يحتمل جاء لهداية الناس كلهم مثل ما هداك أنت. هل هو حكر عليك أنت؟ المقبولية تلك قد تكون بل تكون قطعا بحوله سبحانه سببا في تغيير موازين قوى كثيرة في مناطق بورجوازية إرستقراطية عاشت ردحات من الزمن عريقة طويلة لا تشعر مجرد شعور بوجودك. ألا يكفيك أن تكسب قلوب الناس وتغيرا في نظرتها؟ أم تريد الفوز بالضربة القاضية فحسب؟ تواضع قليلا. دع ما عجزت عنه لملابسات دولية معروفة وتاريخية كذلك دعه لأجيال تأتي من بعدك.
خصمك الذي يفرض شروطه مجحفة كما تراها أنت يعرف نفسه أنه منهزم ولكنه يريد أن ينهزم بشرف وينسحب بشرف فأمنحه فرصة لعل وعد ربك يتحقق ( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ).
ألم تسقط المعاهدة التي لم يحسن الفاروق قراءتها على سعة عقله السياسي العظيم في غضون عامين فحسب وكان مقدرا لها أن تعمر عقدا كاملا.
لتحرم من قضاء شؤون دينية من مثل العمرة وأشياء أخرى كثيرة تقع اليوم كذلك .. لا تجعل من ذلك قضية شاغلة تهمك فتتصدى لها غافلا عن إتجاه البوصلة التي تعمل على إنفاذ مشروعك وأفول مشروع خصمك. ليسع بصرك العقلي زمانا غابرا وزمانا حاضرا وزمانا قابلا ولا تحبس نفسك في نقطة ما في مكان ما.
مجرد إمضاء المعاهدة في الحديبية يعني أن الذي يقود النظام العربي إعترف بك ندا وهو اليوم يحاورك. كيف كنت قبل سنوات معدودات.؟ ألم تكن مطرودا مهاجرا مشردا تبكي لوعة على فراق وطنك ... ؟
ولا تحمل نفسك أكثر من اللزوم فمن آمن في مكة سيجعل الله له يسرا ولست أنت المسؤول عنه. أنت مسؤول عما أنت له مؤهل فحسب.
تلك هي القاعدة الركينة في الفقه السياسي : عندما تكون في موضع إبتداء ولا بد للإبتداء من طحن وإبتلاء وقهر وسجن وتشريد وقتل وتجويع وتنكيل فالصبر الصبر. الصبر الجميل ولا بد من مرحلة غربلة وتأهيل. وعندما تكون في موضع آخر من بعد خوض غمار المقاومة وتبدلت بعض الموازين أو بدأت في التبدل فعليك أن تتبدل أنت كذلك وعليك ان تتغير أنت كذلك. يتغير زمانك ولا تتغير أنت؟ وأنت سياسي؟ عند بداية تبدل الموازين لك عنوان آخر إسمه : المشاركة بدخول الحلبة مع خصوم الأمس وأعداء الأمس. كيف يسبقونك هم إذ يدركون أنهم بدؤوا في الأفول وأنت متأخر الفهم منحط الفقه؟ كنت تقاوم وأنت محط إعجاب الناس لأنك كنت وحدك من يتلظى بالنار أما اليوم فأنت فوق الحلبة نفسها مع أولئك الخصوم والأعداء لأن الحكم الذي عليه تنافس لإقامة قيم الحق والعدل والحرية هو فوق تلك الحلبة نفسها وليس فوق ساحة مقاومتك التي كنت عليها. أنت الآن تقاوم سياسيا وهي مقاومة ولكنها عصية نسبيا عمن لا سابقة له بذلك. هل تريد أن يبدل سبحانه ميزانه في الإبتلاء فيمتحنك بالشر فحسب ولا يمتحنك بالخير؟ ألأجلك أنت تبدل السنن؟ الإبتلاء بالخير لا يكون إلا فوق الحلبة ثم من الحلبة إلى عرش السلطة. ذلك هو الطريق لا يتبدل وأنت من يتبدل إن أردت أن تكون محل إبتلاء دوما وإلا أخرج من قاعة الإمتحان وعندها لا يلحقك قانونه.
الموضع السابع : فتح مكة وإعلان العفو التشريعي العام وتفعيل الإجارة
( إذهبوا فأنتم الطلقاء ) هي كلمته يوم فتح مكة وهو توجه سياسي ربما فاجأ الناس به بل هي مفاجأته بالتأكيد وليس في الصف القرشي المعادي فحسب بل في الصف الإسلامي كذلك ولو جزئيا. وبذا تمكن من إجراء حالة الطوارئ العامة بيسر إذ رفع من شأن قيادة قريش في شخص زعيمهم أبي سفيان ( ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن) وفتحت الدولة بسرعة قياسية وفي حالة طوارئ باب اللجوء السياسي الذي باشرته إمرأة هي أم هانيء التي أجارت حموين لها أراد علي أخوها قتلهما وقال لها عليه السلام مزكيا عملها بخاتم الدولة الرسمي ( أجرنا من أجرت يا أم هانيء).
النتيجة السياسية : هو عفو تشريعي لأنه صدر عن أعلى مؤسسة يومها وهي مؤسسة الدولة التي يقودها هو بنفسه عليه السلام فالذي أعلن العفو هو محمد الفاتح القائد الإمام السياسي أي بمقام الإمامة عليه السلام ولو قال أحد غير ذاك للزم كل منتصر إعلان مثل ذلك لأنه بلاغ نبوي وليس إمامة ولكن لا يقول ذلك عاقل يحترم نفسه. الذي أعلن العفو العام على خصوم الأمس وأعدائه هو نفسه الذي جعل الخلق هو عرش الإسلام وجعل الحلم والأناة هما عرش الخلق وهو نفسه الذي كفن ببردته رأس النفاق الذي آذاه في عرضه وعرض زوجه وآذى الدين نفسه. من لم يعرف منه عفوه ورحمته وحلمه في هذين الموقفين : موقفه مع رأس النفاق وموقفه مع رؤوس الكفر الذين طردوه وحاربوه لم يعرف منه حبة خردل كما أقول في نفسي دوما. التجربة وليس الدين فحسب أثبتت أن أكثر الناس إعتدالا وتوازنا وصلاحا لأنفسهم وللناس إنما هم من يعفون ويصفحون ويتجاوزون ويحلمون عن ألد عو وهم قادرون على الإنتقام. يا حسرة على العباد .. بل يا حسرة على المسلمين الذين يمجدون المقاوم الهندي غاندي وللرجل مآثر ومآثر دون ريب سيما في عفوه وأناته غافلين عن أبي العفو وأم الصفح محمد عليه السلام. ليس كالعفو صمام أمان يضمد الجراحات الثخينة وليس كالصفح مع القدرة بثا لوسائل الوئام ووشائج العمران السياسي للناس المختلفين. كلمة عفو واحدة من قائد همام خير للناس ورب الكعبة من ألف مؤسسة وألف قانون. بل هي أم القانون وأبو المؤسسة. ليس عندي أي ريب في أن الذين لا يأتلفون مع هذا كثيرا لم يقدروا على تجاوز الماضي الذي عكفوا عليه فلم يبرحوه وأنهم لم يبلغوا درجة الإحسان المطلوبة لولوج أرقى فراديس الجنان. أحب المقاوم الشهم الكريم الوفي المقدام حبا جما ولكني أحبه حبين جمين عندما أراه أهل عفو وصفح وهو قادر على إدارة الإنتقام أو العقوبة. الذي يتنازل عن حقه وهو قادر على إيقاع القصاص لا خوف لنا منه حتى لو حكمنا بغير دستور ولا قانون ولا مؤسسات ولكن هذه أولى بنا وأحوط.
الإجارة التي طالما تمتع بها عليه السلام في مكة على إمتداد سنوات من أحضان عمه إلى كافله مطرودا من الطائف .. تلك الإجارة محكومة بقاعدة ( الغنم بالغرم). تلك هي الإجارة التي فرضها سبحانه في كتابه في التوبة وهي التي عملت بها أم هانئ وهي إمرأة في حالة طوارئ سياسية أمنية عسكرية هشة جدا وختم عليها عليه السلام بخاتم الدولة الرسمي لتصبح قانونا نافذا وليس مشروع قانون مقدم إلى مجلس نواب الشعب فحسب.
الإسلام وفقهه السياسي يجير غير المسلمين من كل الديانات والأعراق والأجناس والألوان لأجل تفعيل أكبر قيمة فيه وهي حرية الإنسان وكرامة الإنسان وحرمة الإنسان وقدسية الإنسان. ليس هناك من عنوان أليق بالإسلام أوفى من أنه نظام تحريري جامع للإنسان كل الإنسان. تلك هي صيحة ربعي إبن عامر في وجه كسرى وتلك هي صيحة الفاروق من قبله في وجه إبن الأكرمين في مصر. وتلك هي صيحة الأمة لو أن الأمة صاحت بها اليوم.
أما تقديم الكبراء في قومهم ولو كانوا مشركين مخالفين عقديا لإنجاز مصلحة معتبرة فلا حرج فيه ولا تثريب عليه بل ذاك هو الفقه السياسي الأرشد إعتمادا على توظيف عصبية تشد أزر المجتمع ولا تدك ركنه وإعلان بأن الإسلام ليس دبابة إسرائيلية شارونية تدهس ما أمامها من خير وشر بل هو رحمة للعالمين ويهدي به الله من شاء من العالمين. هو توسل منه عليه السلام إلى هذا المجتمع المكي القرشي العربي. وعندما تتوسل إلى شيء به أو ببعضه فأنت مصيبه أما الإنزال من فوق فلا يحسم موقفا إلا لوقت قصير. لإنجاح حالة الطواري لا بد من إتخاذ إجراءات واقعية عملية سهلة ويسيرة فلا تفرض بالقوة العامة فحسب ولكن تفرض بوسائل أخرى معها. تلك هي حكمة النبوة وتلك هي معالم الفقه السياسي الأرشد لمن يريد رشدا.


خلاصات مركزة وحصائل مكثفة في الفقه السياسي
خلاصات متعلقة بالمرجعية
لكل فعل قاعدته الفكرية ولكل فكرة مرجعيتها القيمية العليا ذات المنزل العقدي.
1 مرجعية الفقه السياسي في الإسلام له مرجعيتان كبريان متكافلتان :
أ الإسلام بمصدريه الناطقين بإسمه أي القرآن والسنة والسيرة هنا منها.
ب الميزان العقلي الذي يهدى إليه أهل الإستنباط في الأمة نظرا في المصدرية الإسلامية نفسها من حيث الإحكام والتشابه والثبوت والدلالة والقطعية والظنية والعموم والخصوصية وغير ذلك مما نلجمه الآن خشية الإسهاب في غير محل إسهاب. ونظرا كذلك في الواقع المعيش من حيث تحمله للتنزيل ونظرا ثالثا في التجارب السابقة واللاحقة ( الغابرة والحاضرة ) إقتباسا لمفيد مناسب ونبذا لغيره.
والأصل أنه بعد تحكيم تلك المرجعية بشطريها من لدن أولي الأمر أي أهل النظر والإستنباط نتحصل على الحد الأدنى من منظومة القيم السياسية التي تثمر فقها سياسيا كفيلا بحراسة تعايش سلمي به تعمر الأرض ويكرم الإنسان ولا يعني ذلك محو الخلاف بالكلية لأن الأصول الشرعية كفيلة بتضييق أفقه عند تحكيمها وما دون ذلك يحسمه النظر ولو بتحكيم الأغلبية عند رجحان الأدلة وآرائها بعضها ببعض وللدولة ممثلة في المؤسسة المنتخبة حسم خلافات جزئية حسما عمليا لا نظريا لوأد أي تعويق ممكن لحياة الناس بسبب إختلاف أئمة أو أدلة في قضية عملية جزئية.
2 تلك مرجعية فكرية قيمية وثمة مرجعية مادية أخرى عنوانها : الأمة هي المسؤولة على أمرها تحت السقف المرسوم في تلك المرجعية الفكرية وهي المخاطبة دوما من لدن تلك المرجعية الفكرية خطابا مباشرا ومن ذا فهي صاحبة الأمر الذي توليه من تشاء وتنزعه ممن تشاء وليست صور الإنتظام العمراني والسياسي كلها سوى وسائل تستأجرها وتجترحها لخدمة رسالتها وتحقيق غايتها.
خلاصات متعلقة بأسنى مقاصد الإجتماع السياسي
لم أعد أرتاب من بعد إستقراءات كثيرة وطويلة وماكثة هادئة متأنية في الكتاب المسطور والكتاب المنظور معا ( تاريخا وحاضرا) أن أسنى مقصد وأعلى غاية للتشريع الإسلامي في الحقل السياسي إنما هي : بناء صف إسلامي واحد للأمة ليكون تنوعه عامل قوة داخلية فيه. وما عدا ذلك على علو شأنه ورفعة قدره من مثل كرامة الإنسان مما يعالج هنا بعد قليل لا يعدو أن يكون وسيلة لتوفير أمتن الأسباب وأوفر الفرص لتشييد ذلك الصف الإسلامي الواحد المتنوع الذي يحمي الأمة من تصرم الحبل الداخلي سواء بسبب الإختلاف الإرادي من الله مباشرة أو بسبب منازع الإستبداد المغروزة في البشر أو بسبب إهتبال العدو المتربص لثغرة أو غفلة من حراس الأمة وعسس بيتها. ليس هناك أي معصية في القرآن الكريم كله إرتقت إلى حد وصفها بالكفر لحما ودما سوى معصية طاعة أهل الكتاب أو فريق منهم وهي طاعة من فريق منا لفريق منهم فلا تكون ثمرتها إذن بالتحليل المنطقي العقلي القاطع إلا تفرقا منا وتمزقا لصفنا في أعلى قضية من قضايا الفقه السياسي أي قضية المرجعية الدستورية آنفة الذكر وذاك هو دليلي النصي فضلا عن العقلي على أن أسنى مقصد وأعظم هدف وأكبر غاية للإجتماع السياسي الإسلامي أي للفقه السياسي أو الفقه العمراني إنما هو واحد لا ثاني له ولا خلاف عليه أي : الإعتصام منا جميعا بحبل الله جميعا لبناء صف إسلامي واحد متنوع للأمة يحول دون تمزقها وتشتتها وتقطعها.
ومن أعظم الأدلة كذلك على أن حفظ الصف الواحد المتنوع للأمة هو أكبر مقاصد العمران في الإسلام ومن أعلى أهداف الفقه السياسي هو أنه دعانا سبحانه في سورة الحجرات إلى قتال البغاة حتى الموت وفي القتال بعض الفناء لنا ولهم وليس البغاة هنا سوى بعضا من المؤمنين الذين أبوا الإصلاح والتصالح من بعد خلافهم مع مؤمنين آخرين مما أوقع بينهما إقتتالا. هل هناك أبلغ من أن الأمة مطالبة بالدفع ببعضها إلى الموت لأجل قتال بغاة منها أبوا التصالح لإصابة هدف أعظم وأكبر إسمه : إعادة بناء الصف الواحد المتنوع ولو بالإقتتال الداخلي؟ أبدا. هذا أبهر دليل على أن مقصد الفقه السياسي هو إعتبار الصف الإسلامي الواحد المتنوع هو غاية الغايات.

خلاصات متعلقة بالوسائل المقاصدية الخمس العظمى
لبناء الصف الواحد المتنوع

1 إكتساب القوة الكافية.
أ القوة العلمية الكفيلة بالنظر والإستنباط وبناء الموقف الأرشد حكمة وقدرة على إلتقاط خير الخيرين وتجنب شر الشرين.
ب القوة الفكرية الكفيلة بمعرفة أسباب النهضة وأسباب السقوط وفقه العمران وقوانين الغلبة وسنن الهلاك.
ج القوة الإدارية قيادة وتخطيطا لحفظ حقوق الناس ماليا وتخصيب نسلهم وتجويد كسبهم.
د القوة النفسية الكفيلة بالتوازن بين حزم في غير عنف وصفح في غير ضعف لمعالجة مواقف كثيرة وكبيرة من مثل طغيان حق الإنباء والإخبار على حق الأمة في وحدة صفها.
ه القوة المعرفية الكفيلة بالتخطيط لإنتاج أجيال التربية والتزكية والتعليم والتثقيف والتوعية والتأهيل.
و القوة المالية ومن ورائها القوة المادية والأمنية والعسكرية بما يوفر رغد العيش تطلعا إلى المدنية والتحضر والترقي والإحسان والإتقان كما يوفر ما به يتحقق الإرهاب بمعناه القرآني الوارد في سياق إعداد القوة تأهلا لحماية البيضة بل لحماية بيضة الآخر عندما يتعرض للعدوان.
2 تحقيق العدالة المجتمعية الجامعة.
أ عدالة قضائية جزائية معيارها السيئة بمثلها حتى في الحرب ومع العدو المحارب.
ب عدالة إجتماعية وإقتصادية وسياسية وقيمية عامة عنوانها : الناس متساوون مطلقا فلا يفضل هذا على ذاك ولا يقدم ولا يحابى إلا لضرورة أو حاجة تدعو إلى التمييز.
ج بناء نظام يقدس العمل ويقدم الجهد تجفيفا لمنابت الربا وأكل أموال الناس بالباطل في كل الصور المعروفة والمتوقعة بالتدرج والتوازن وإبراز البديل
د تقديس حرمة المال العام وتجريم المعتدي عليه وتشديد العقوبة وصونه لتحقيق حرمته
ه لقيمة العدل مشروعية واحدة إسمها : الأصل الآدمي الواحد المشترك.
و النفاذ إلى إحلال القسط وليس مجرد العدل قدر الإمكان وبلا تكلف ولا تبرج كاذب
ز قسوة الشريعة الجزائية العقابية مناسبة ومتكافئة مع جريمة العدوان على حقوق الإنسان المكرم المقدسة حريته.
ح الميزان المنزل مع الكتاب كفيل بتحقيق أكبر الأقدار من فريضة العدالة
ط أولوية الأولويات مطلقا في الثروة وفرصها هم المحتاجون أولا بأول إذ المساواة بينهم وبين الموسرين هو عين الظلم وإنما تمييزهم إيجابيا على أساس الآدمية والكرامة هو ما يحقق العدل.
ي الزكاة فقرة كبرى ومهمة في تحقيق العدل والدولة مسؤولة عليها لأجل حق الفقراء.
ك قوامة الإنفاق الحكومي العام تعني رسم أولويات فيه بحسب الحاجة والضرورة والإمكان ولن تكون الحقول الترفيهية بحال ذات أولوية في المدى المنظور
3 إرساء الحرية والدفع نحو التحرر
أ مبدأ الحرية الإنسانية لكل بشر قيمة مركزية لا تتخلف حتى في القتال خارج الحدود لو حان أوان ذلك تحريرا للناس وليس إكراها لهم ولا تدميرا لعروش ملوكهم
ب الإنسان محرم مقدس قدسية مطلقة بدنا ومالا وعرضا والمعتدي عليه بأي دعوى مجرم تشدد عليه العقوبة ما لم يكن مظلوما يستعيد حقه
ج الأمة مسؤولة على تحرير البشرية قدر الإمكان وليس على تعبيدها لربها إذ الحرية كفيلة بالهداية إلى ذلك فهي المبتدأ والسبب وهي العلة والمقصد
د إجارة المضطهدين من كل دين وعرق ولسان مسؤولية الأمة بدولتها ما إستطاعت إلى ذلك سبيلا
ه من أكبر مظاهر حرمة الإنسان وكرامته مسؤولية الدولة على توفير سبل التنقل الحر الآمن في الأرض وتذليل العقبات الدولية قدر الإمكان وكذلك توفير فرص العيش الكريم له والتنقل في الأرض مفتاح من مفاتيح العيش الكريم ومن عضله دون ذلك فقد إعتدى على حريته وحكم عليه بالسجن والجوع معا
و ضمان حرية الفكر لكل مفكر دون محاسبته أبدا على ثمرات تفكيره حتى لو أدى به ذلك إلى إعلان الكفر الفردي اللازم غير المتعدي أي غير الداعي إلى ذلك أو الهاتك لحرمة الهوية الثقافية للأمة في محكمات دينها القطعية لا الظنية
ز تجريم التجسس بكل أنواعه التقليدية والمعاصرة إلا بإذن قضائي إستثنائي لرصد حالة غلب الظن على أنها قد تشكل حالة جريمة ضد حريات الناس أما المحال الخاصة من مثل البيوت وغيرها مما لا ينتشر ما يسرّ فيها فهي محمية مصونة لا تتعرض للتجسس حتى لو علم علم اليقين أن فيها ما لا يرضاه سبحانه
ح التشاور والتراضي والتوافق وبأي صيغة يتحقق ذلك هو الطريق الوحيد لإفراز الدولة ومؤسساتها وفي كل المستويات المناسبة لذلك فلا مشروعية لمؤسسة قيادية تشريعية في الأمة إلا بسلطان الأمة نفسها وإلا فلا طاعة. الشورى هي قلب الفقه السياسي وهي سلطان الأمة على الدولة وهي حمالة مشروعية الدولة ومؤسساتها وهي عربون البيعة السياسية التي تزكى بها الدولة وهي مضمون العقد العمراني بين الأمة وبين الدولة. والعبرة فيها بالأغلبية تحت سقف المرجعية القيمية الدستورية آنفة الذكر. وهي مؤسسة محكمة مفروضة وملزمة وليست نافلة ولا معلمة فحسب ولا مؤقتة.
4 الإصلاح معارضة أو تغييرا أو نصحا أو دعوة فريضة الأمة
أ مقاومة الفساد والطغيان في أي حقل وخاصة الحقول التي تؤثر في وحدة صف الأمة هي فريضة إسلامية وحلقة من حلقات الفقه السياسي وليس نافلة ولا بدعا.
ب عندما يتحول الإصلاح إلى معارضة مؤسسة فذاك ضمان لتطور المشروع الإصلاحي إذ لا بد في سنن الكون والإجتماع من قوة مضادة هي قوة الإزدواج تكبح جماح قوة أخرى مقابلة ومن ذا يتحقق التوازن الذي هو عدل عليه قام الكون.
ج مشهد الظلم لا بد له أن يبرز والمظلوم لا بد له من مؤسسة تستوعب مظلمته سوى مؤسسة القضاء التي تنصفه وعندما يكون الخلاف سياسيا أو عاما بين الدولة وبين الأمة فإن القضاء عادة لا يعالج الأمر إلا بأعلى هيئة قضائية دستورية وهذا في عالم الغرب وليس الشرق ومن ذا لا بد للمجتمع المظلوم من إعلان مظلمته
د للإصلاح إستراتيجية إسلامية موقوفة عنوانها : المعارضة السلمية أي التي تستخدم الكلمة بكل مشتقاتها والصورة والإجتماع والتحشيد والتنظيم والتعبير والتأثير في موازين القوى دون اللجوء إلى العنف المادي بأي وسيلة وتحمل الأذى والصبر على ذلك والتعويل على عاملي الإنسان والزمان فمن خرج عن تلك الإستراتيجية تحت أي دعوى فهو باغ تقاومه الأمة بأسرها وتثنيه ولو بالقوة وأهل الإصلاح هم أولى من يتصدى له.
ه الإصلاح قيمة لا يلتزم بحقل واحد ولا بأسلوب واحد ولا بباب واحد مادام ملتزما بإستراتجيته آنفة الذكر وكلما تعددت أبوابه وتنوعت ألوانه كان أكله أسرع
و قاعدة الإصلاح الركينة هي تغيير النفس البشرية من أوضاع الدس إلى أوضاع الزكاة في أكثر الحقول الممكنة ودون ذلك عناء لا طائل منه أو هو حصاد سرعان ما تذروه الرياح
ز أي تهاون من الأمة بدوائر إصلاحها بما فيها الدولة نفسها في مقاومة الإستعلان بالفسق الكبير المستعلي الذي لنا فيه من المرجعية برهان وليس المستتر يعرض صفها للوهن حتى لو كان ذلك بإسم الحرية لأن حرية الجماعة في الحياة وفق نظامها أولى من حرية أقلية تستعلن بإظهار ما يعارض قيم ذلك النظام.
ح ومن عناوين المقصد الإصلاحي الكبير : التواصي بالحق والتواصي بالصبر والتواصي بالمرحمة أي تحاضا على حق المحتاجين في الثروة العامة.
5 رسم علاقات خارجية عمادها التعارف.
أ يكاد يكون موضوع الولاية يستأثر بتلك العلاقات إذ تكررت الآيات فيها كثيرا على أساس أن الولاية هي البطانة الداخلية التي لا يتقلدها إلا مؤمن له ولاؤه السياسي للأمة.
ب أما ربط العلاقات وتوفير أطر التعاون في كل الحقول مع الآخر المختلف على أساس المصلحة المشتركة فهو مطلوب ولا علاقة له بتحريم الولاية ولا بتجريم التواصل.
ج الولاية المحرمة هي العلاقة التي تنشئ للآخر المخالف عليك سلطانا يوجه سياستك أو يرهن قرارك أو يصادر حريتك وما عداها تعاون وتكافل تقرره المصلحة. والتمييز واجب بين المودة أو الموادة وبين التعاون. تلك ولاية محرمة وهذا عمل مطلوب.
د الوفاء بالعقود مع الأمم والشعوب الأخرى فريضة إسلامية فيها سورة مدنية طويلة كاملة والإستقامة منا لأطراف العقد هو التقوى ما إستقاموا لنا
ه مبنى العلاقات الخارجية هو بذل السلم لكل مسالم لأجل إشاعة الأمن الذي يوفر مناخات التعاون على الخير المتفق عليه وبذل الحرب للمحارب وبذل الهدنة للمهادن وقاعدة الأمر هي دوما المصلحة والمفسدة والعدل والجور.












كلمات أخيرات
1 تلك حصيلة طوافي على المصدر الأول الحاكم والمتبوع من مصادر فقهنا السياسي وتلك هي خلاصة قراءتي في بعض ما تيسر لي من سيرته عليه السلام في الموضوع نفسه.
2 الإسلام بمصدره الأول المؤسس الكتاب والسنة والسيرة ليس فيه فقه سياسي بأي معنى من المعاني ولكن فيه تشريع سياسي في صورة مبادئ وقيم وقواعد ومقاصد وكليات عامة ولكنها محكمة راسخة ثابتة قطعية. ذلك يعني أن الأمر السياسي سواء بمعناه الخاص أي علاقة الدولة بالناس أو بمعناه العام كما عالجه هذا الكراس أي المعالم الكبرى لتوجيه الدين للحياة وتغذيتها بتلك الأصول والقيم الكلية الكبرى ينتمي إلى منطقة الفراغ أو منطقة العفو التشريعي وهي مهمة الأمة بفعالياتها الفكرية والعلمية.
3 لم تتحول الشريعة السياسية في الإسلام إلى فقه تفصيلي عملي بمثل ما وقع في الحقول الأخرى العبادات والأسرة وغيرها بسبب مصادرة الأمويين مبكرا جدا للحقل السياسي بشوكة السيف ولك أن تقول بشوكة التقدير السياسي الذي أكره الحسن عليه الرضوان أن يتنازل لهم عن حقه في قيادة الأمة.
4 لذلك ظهرت لنا شريعة سياسية محكمة في الإسلام أي مصدريه ولم تكن الخلافة الراشدة المهدية الأولى واسعة في الزمن لتختبر تجربتها إذ عاجلتها الفتنة مبكرا جدا مذ إغتيل قائدها الثاني أي الفاروق .. ولم يظهر لنا فقه من بعد ذلك يحول تلك الشريعة إلى مدونات فقهية فضمر فقهنا السياسي ضمورا بليدا جدا حتى أوحى لعامة الناس فينا أن الشأن العام والسياسي منه بصفة خاصة ليس مطلبا إسلاميا كبيرا أو هو مؤخر غير مقدم أو هو نافلة أو غير ذلك من تعبيرات التهوين وما هو كذلك والله.
5 وقفت على تلك الحقيقة بنفسي من خلال تطوافي وقراءاتي وتدبراتي : شريعة سياسية تنصب الكليات أن نتيه وتترك لنا منطقة حرية واسعة لمناسبة ذلك وموافقته مع واقعنا ولكننا لم نفعل. ولما ظهرت الصحوة الإسلامية الأخيرة في القرون الماضية القليلة وسيما لما تأجج الإهتمام بها من كل صوب وحدب نشطت الأقلام وهرعت إلى الأصول والعصور والتجارب وأنتجت إجتهادات فقهية سياسية كبيرة وكثيرة ومعتبرة ومحترمة ولكن ظلت نخبوية بين أهلها فحسب كما ظلت مبثوثة منثورة ليس لها سفر يجمعها ولم يظهر علم للفقه السياسي لتتبوأ فيه مكانها.
6 الأمثلة على ذلك كثيرة والوقت مناسب جدا والرجال هنا فمن يقيدنا؟ ( مكان المرأة في الفقه السياسي منظرة ومنتظمة وقائدا الديمقراطية والتجربة الغربية بصفة عامة بأحزابها ومؤسساتها وإنتخاباتها الدولة والمجتمع أي علاقة؟ تحديد مدة نيابية للحكومة ومؤسساتها الوجود الشيوعي الماركسي ومن في حكمه ممن لا يعترف بمبدإ الهوية الإسلامية على أي مثال سابق يقاس أو هو بدع جديد يحتاج إلى إجتهاد جديد الخروج المسلح على الدولة الثورة موقع جهاد الطلب أو الفتح من بعد إستحقاقات الحرب العالمية الثانية والمؤسسات الدولية أو من بعد إندياح ثورة الإتصالات العولمة الأقليات داخل الأمة الجزية التي هي مصطلح قرآني إقامة الخلافة أو إعلانها وتطبيق الشريعة الأقليات خارج دائرة الأمة العالمانية هل تنقسم إلى جزئية تنصهر في النسيج الثقافي وإلى شاملة لا يمكن لها ذلك الإقتباس والإستيراد في الإتجاهين : الماضي والحاضر وبأي ضوابط ومنهاج الردة وعلاقتها بالحرابة وبالخيانة الوطنية العظمى الفنون والإبداع والعلاقة مع المقدسات الدولة القطرية والموقف من القضية الفلسطينية التحالفات الإسلامية العالمانية المشاركات السياسية وإحراجاتها وإكراهاتها وتدرجاتها الطويلة والقاسية الدولة والدين الوضع الدولي المهيمن ماليا وإقتصاديا وعبء المعاهدات السابقة مشاركات إسلامية دولية في تحالفات عسكرية وإقتصادية وسياسية في وضع منخرم ).
7 تلك شريعة سياسية وليست فقها سياسيا إما أن نحولها إلى فقه بل إلى علم مؤصل مقعد كما فعل الشاطبي بالمقاصد تحريرا من أصول الفقه أو كما حاول إبن عاشور تحرير مقامات المشرع من المقاصد نفسها وبذا نعالج أوضاعنا المرشحة لتنزيل الإسلام منازل متقدمة في الدولة عالميا وإقليميا بجهاز فكري متين وعملي مرن مرونة التقلبات السياسية نفسها حدبا على تحقيق مقاصد ذلك الفقه السياسي نفسه وإما أن ندعها ظاهرة في المصدر الإسلامي الأول وضامرة فينا تصورا وعملا فنواجه أوضاعنا بفراغ أو إرتجال ومعاول الغلو من الجانبين تؤزنا : هذا عنوانه ليس في الإمكان أحسن مما كان وبالجمود نعالج عصرنا وليس لنا إقتباس إلا من تجربة سالفة فينا وذاك عنوانه ليس في الإسلام ما يصلح لقيادة دولة أو لتأسيس حكومة أو لإنتاج خطة تعمر بها الحياة وتوضع بها عنا المديونيات الخانقة ولا حل لأوضاعنا وهي متنوعة إلا بالعالمانية.
بعض المصادر المعتمدة في هذا الكراس :
1 القرآن الكريم.
2 الرحيق المختوم في السيرة للمباركفوري الهند.
3 ما شاع ولم يثبت في السيرة لمحمد عبدالله العوشن دار طيبة للنشر.
الهادي بريك مدنين تونس
عاشوراء 1437 24 أكتوبر 2015


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.