«لقاء القمّة» في قصر قرطاج أوّل أمس كان الحدث وترك ارتياحا وانطباعا جيّدا لدى أوساط عديدة من التونسيّين ومن مختلف الحساسيات السياسيّة، واعتبره كثيرون خطوة في الاتجاه الصحيح باتجاه اعادة إطلاق آلية الحوار والتوافقات لحل المشاكل والملفات العالقة والجلوس الجماعي الى مائدة واحدة بين كل الفرقاء لحل الخلافات بهدوء وسلميّة وحكمة بديلا عن مناكفات الاستقطاب واستدعاء الشارع. كما كرّس اللقاء حقيقة أنّ قصر قرطاج يبقى الحاضنة للجميع برغم التباينات والتجاذبات التي تنتهي في الأخير باللقاء والحوار وإيجاد الحلول للقضايا والمشاغل الكبرى، وهذا هو الدور الأساسي لرئاسة الجمهورية وهو المساعدة على تجاوز الأزمات وتوفير المناخات الملائمة لتحقيق ذلك وايضا حفظ الوحدة الوطنية. أسقط لقاء قرطاج أحلام بعض المراهنين على التفرقة واستدامة الأزمات والنفخ في الاستقطابات الجانبيّة الفارغة وأكّد الدور المحوري لمؤسسة رئاسة الجمهورية كرمز للدولة ووحدة التونسيّين جميعا. فسيكون لهذا اللقاء دونما شكّ انعكاس إيجابي على الحياة الوطنية، فقد انتهى الى تأكيد إجراء لقاء ثان الأسبوع القادم لبحث ملف المفاوضات في الزيادة في الأجور وهو ملف ملغوم يحتاجُ الى تفكيك سريع وعاجل خاصة وأنّ مقاربة طرفي الملف، أي الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل، ما تزال متباعدة نوعا ما، والحوار بحضور رئيس الجمهورية والحزام السياسي للحكومة واتحاد الاعراف من شأنه أن يُوفّر أرضية مثلى لتجاوز هذه العقبة وابعاد البلاد عن شبح الإضراب العام المقرر يوم 17 جانفي القادم وما ينطوي عليه من محاذير ومخاطر. اللقاء إيجابي مُثمر، دونما شكّ، وفائدته الحينيّة أنّه جمّع عددا من أهم الفاعلين في الحياة الوطنيّة بعد فترة تباعدٍ ونفورٍ، وأنّه أيضا أقرّ بعُمق المأزق السياسي والاجتماعي الحاصل في البلاد وما يتهدّد الدولة والسلم الأهلي وأنّه لا سبيل لتجاوز كلّ ذلك دون الحوار والتوافقات. ولكن ومع الإقرار بأنّه خطوة مهمّة في اتجاه تحريك السواكن والمياه الراكدة منذ أزيد من نصف سنة، فإنّ اللقاء، أو هذا الفضاء الحواري الجديد، سيبقى منقوصا بسبب تغييب المعارضة لأنّها هي أيضا لديها جزء من المسؤولية في ما يجري من أحداث، بل إنّ البعض من قواها تعملُ على تأجيج الشارع وتهدفُ إلى استثمار الاحتجاجات المطلبية المشروعة وتوظيفها لحساب صراعها مع الحكومة وأجندات خلط أوراق المشهد السياسي وتصفية الحسابات السياسيّة والإيديولوجيّة مع خصومها، لذا فالخوف والتوجَس قائمان في أن يكون عدم دعوة المعارضة هو تبرئة لها من أي مسؤولية بينما هي تتحمل ايضا جزءا من المسؤولية، ولكن الأمل يبقى في أن يتمّ تلافي هذه النقيصة في قادم مواعيد قصر قرطاج تحت إشراف رئيس الجمهورية.