فجأة علا الضجيج وتكثّفت عناصر الضبابيّة وأوشك المشهد الوطني أن يدخل منعرجا جديدا فيه محاذير عديدة من تدهور العلاقة بين عنصرين أساسيّين في الحياة الوطنية هما الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل في ظلّ انسداد الأفق في ما بات يُعرف بأزمة وزارة التربية ونقابة التعليم الثانوي. وتكشف الأحداث والتصريحات أنّ الأزمة المذكورة تُخْفِي الكثير من الالتباسات وسط تزايد حدّة الخطاب بين الطرفين الحكومي والنقابي وعدم قابليّة كلا الطرفين لتقديم التنازل المطلوب الذي يسمح بإعادة المياه إلى مجاريها وبدء مسار تفاوضي لنزع فتيل الخلاف الظاهر حاليا وتفادي كارثة السنة الدراسيّة البيضاء، لا قدّر الله. هل تحوّلت أزمة التعليم الثانوي إلى مُختبر لتجريب صلابة سياسة التوافق من عدمها؟ وهل ستكون هذه الأزمة بوابّة لشيء بديل تدفعُ إليه بعض الجهات والأطراف الخفيّة التي كثيرا ما عبّرت عن تبرّمها من وثيقة قرطاج وحكومة الوحدة الوطنية والمسار الانتقالي الديمقراطي بصفة عامّة؟ ولكن هل الحالة الوطنيّة الراهنة تسمحُ بأجواء المُغالبة والعناد والمُكابرة ومحاولات ليّ الأذرع أو كسرها مرّة واحدة من هذا الطرف أو ذاك؟ لا بديل اليوم في بلادنا عن سياسة التوافق وخيار التفاوض والجلوس معا، ومخطئ من يعتقد أنّه بإمكانه أن يفرض خياراته وتوجهاته بصفة انفرادية، ودونما شكّ فإنّ هناك مسؤوليّة تاريخية لرئيس الحكومة والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل لفتح صفحة جديدة من الحوار والتواصل بعيدا عن التنافر والتجافي ولغة التهديد والوعيد أو أساليب الشيطنة أو التأليب وبعيدا أيضا عن الحسابات السياسويّة الضيّقة أو الأجندات الإيديولوجيّة العفنة التي تستهوي البعض من هواة السياسة والعمل النقابي في آنٍ واحد. إنّ التنافر الموجود حاليا بين الحكومة واتحاد الشغل، يجب أن ينتهي حالا ودون تأخير أو تعطيل، لأنّ استفحاله يُؤشّر منطقيا وآليا إلى انحرافات خطيرة قادمة، وعلى الأطراف الأخرى الفاعلة، وعلى رأسها رئيس الجمهورية ورئيس حركة النهضة ورئيس اتحاد الأعراف ورئيس مجلس النواب، التحرّك العاجل لتطييب خاطر الطرفين المتنافرين وإتاحة الفرصة لاستعادة أجواء التهدئة المطلوبة والمساعدة على بناء شروط ثقة جديدة متبادلة. فالتنافر، مجلبة للكثير من الهواجس والمخاوف بل والمخاطر، ولذا فهو لا يُمكنه أن يكون مطلقا بديلا عن سياسة التوافق. وعلى الأطراف الّتي تعملُ على إشعال النيران وتدفع لاستبدال سياسة التوافق بسياسات أخرى أن تتحمّل مسؤوليّتها كاملة في جرّ البلاد الى معترك على غاية من الخطورة والتعقيد مليء بالمخاوف على مكتسبات البلاد المنجزة والمحاذير تجاه حالة الاستقرار الاجتماعي والسياسي المتّصفة أصلا بالهشاشة ناهيك وأنّ بلادنا في رهان صعب جدا متعلّق بتركيز الحكم المحلي والذي يفترضُ أولا وأخيرا تأمين مناخ انتخابي سليم لتفادي كلّ الانتكاسات الممكنة أو الانزلاقات المفترضة. خالد الحدّاد