لا شكّ أن الاجتماع الذي احتضنه قصر قرطاج مثل في حد ذاته حدثا مهما من حيث دلالاته السياسية وخاصة في مستوى الرسائل التي يوجهها لعموم التونسيين والتونسيات. ذلك أن هذا الاجتماع مكّن من التقاء شخصيات عرفت علاقاتها توتّرا لم يعد خافيا على أحد ويكفي أن نذكر هنا البرود الشديد في علاقة رئيس الجمهورية برئيس الحكومة علاوة على حالة الفتور التي اعترت العلاقة بين شيخي التوافق. ورغم أن اللقاء جاء متأخرا إلا أنه حين ننظر الى الأحداث التي تنتظرها بلادنا وبقاء شبح الاضراب العام مخيّما فوق رؤوس الجميع فإن هذا اللقاء الذي قد يكون الفرصة الأخيرة لنزع فتيل التوتّر لا يخلو من أهمية. اجتماع قرطاج أعاد أيضا لرئاسة الجمهورية دورها في الحراك السياسي وجعل صوتها مسموعا وإذا كان رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي قد عبّر عن تعتيم يشاطره فيه التونسيون فإننا نعتقد أن مبادرته تتجاوز هذا المستوى وتندرج في إطار ما تمثله مؤسسة الرئاسة في رمزيتها من ترفع عن الحسابات السياسوية ومن حرص على البحث عن القواسم الوطنية المشتركة وتغليب المصلحة الوطنية... وهذا الحرص ينبغي كذلك أن يكون محرّك كل الفاعلين السياسيين وعلى رأسهم رئيس الحكومة الذي يتعيّن عليه كذلك أن يتجاوز الاعتبارات والحسابات الذاتية وأن يبحث بالأساس عن تحقيق انجازات ملموسة توقف تدهور الاقتصاد ومستوى عيش التونسيين ولا شك أن تحرّك مؤسستي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة في هذا الاتجاه سيحرّك بقية الفاعلين السياسيين نحو الحدّ من الرؤية الفئوية او الحزبية الضيقة التي لا يمكن إلا أن تزيد الوضع تعفّنا وتعقيدا، إذ لا معنى في اعتقادنا لهذا اللقاء اذا لم تنبثق عنه سياسات تتجاوز البحث عن التمسّك بالمواقع والمواقف او الرغبة في إزاحة شخص أو الضغط على طرف سياسي. لا بدّ أن يمثل هذا اللقاء منعرجا من خلال التوصل أولا الى اتفاق بين الحكومة واتحاد الشغل من شأنه أن يخفض منسوب الاحتقان وأن يبعد نهائيا شبح الاضرابات. وثانيا من أن تعود المياه الى مجاريها بين قرطاج والقصبة بما من شأنه أن يسمح بتوفير استقرار مهم من الناحية النفسية للحكومة وأن يمكّن الى جانب تحقيق انجازات من الاعداد للانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمةفي أفضل الظروف.