لا أحد يريد أن تكون انتخابات 2019 لا طعم لها يغلبُ عليها الجانب المسرحي للتلهية والتسلية لا غير، وسط شعارات كبرى تمتدحُ النموذج التونسي وتجربتها الرائدة في الانتقال من عهود الاستبداد الى عصر الديمقراطية. تونس أمام رهان حقيقي، فالانتخابات القادمة فارقة فعلا، كما أشار الى ذلك رئيس الجمهوريّة في كلمته بمناسبة العام الجديد، وهي محطّة مهمّة لتثبيت الدخول فعليا الى عصر الديمقراطية الحقيقي لا المزيّف. انتخابات يجب أن تتوفّر على جميع شروط الشفافيّة والمنافسة النزيهة، لا صنوف التعميّة والتدليس والتلبيس وشراء الذمم، وأن تكون مناسبة لتطارح البرامج والمشاريع والبدائل، لا السباب والتراشق بالاتهامات ونشر الغسيل الوسخ، وأن تشهد إقبالا مهما على صناديق الاقتراع بما يعكس عمليا الارادة الشعبيّة، لا انتخابات فئويّة ضيّقة يتحفّز لها المتحزّبون أو اصحاب النفوذ والجاه. لا يجب أن تكون الانتخابات مجرّد مادّة، إعلاميّة أو إعلانيّة إشهاريّة، يجب أن تكون حدثا لا يتداولُ الناس أخباره وحيثياته بل يُساهمون في صناعته وتأثيثه من خلال مختلف أصناف الانخراط الواعي في الشأن السياسي والحزبي والانتخابي، استعدادا لتقبّل وجهات النظر والبرامج المتعدّدة ولاحقا تحقيق الفرز المسؤول تجاهها بما يُصعّد أشخاصا أكفاء وأحزابا قادرة على تحمّل أعباء الحكم ومن ثمّ تأمين أحد شروط الأمل في تغيير الواقع وتحسين ظروف العيش. المهمّة شاقة وصعبة، وستكون نوعا من الارتماء في العبثيّة أو المجهول، إذا لم تُسارع النخبة إلى تدارك الوضعية السيِّئة التي عليها الحياة السياسيّة في البلاد، في ظل تواصل المناكفات الجانبيّة وحروب التموقع وتصفية الحسابات والانطباع الحالي لجزء عام من الرأي العام وعامة الشعب من ممارسات الأحزاب والسياسيّين التي باتت مجلبة للكثير من الاستهجان، بل والريبة مرّة واحدة. بأي صورة تذهب أحزابنا وسياسيّونا الى الانتخابات القادمة؟ وعلى أيّ أرضيّة قانونيّة ودستوريّة وأي مناخ تنافسي ووفق أيّة شروط وضوابط ستُنجز تلك الانتخابات المصيريّة والحاسمة؟ هل سنذهبُ الى الانتخابات بقانون انتخابي أجمع الجميع على أنّه يحتاجُ إلى تعديلات جوهريّة؟ هل ستتولّى هيئة الانتخابات العرجاء حاليا، دون تجديد ثلث أعضائها وبرئيس مستقيل مشكوك في شرعيّته، الإشراف على السباق الانتخابي؟ ومن سيفصل في النزاعات الانتخابية الكبرى ويمنح الشرعيّة الكاملة لنتائج صناديق الاقتراع والمحكمة الدستوريّة لم يتمّ الانتهاء من تركيزها حدّ الآن؟ المعطّلات كثيرة والمحاذير قائمة دون شكّ، والجميع يقرّ بها خطابا متغافلا عنها واقعا وممارسة واستشرافا. أي طعم وأي مذاق لانتخابات بمثل تلك المواصفات، تدور أطوارها في مثل تلك الأجواء من التشكيك وتراجع منسوب الثقة في العمليّة السياسيّة برمّتها ومحدوديّة ضمانات الشفافيّة والنزاهة وغياب فرص الأمل في تجديد الفاشلين من المسؤولين والنواب، والخوف في أن تكون جهات تعملُ على أن تكون الانتخابات كذلك، انتخابات على المقاس «قطوس في شكارة»، انتخابات يعلم الناس أخبارها وضجيجها ويقرّر مصيرها أقليّة من السياسيّين والمسؤولين، انتخابات تكرّس استمراريّة الانتهازيّة وواقع الخيبة والفشل وحكم لوبيات المصالح.