في مشهد مُؤثر اختلطت فيه الفرحة بالدموع احتفلت الجماهير الترجية يوم أمس بإنضمام الجمعية لقائمة «الشُيوخ المُعمّرين». الحدث كان تاريخيا بما أن الترجي الرياضي أتمّ أمس عامه المائة ليُصبح أحد أعرق وأقدم المؤسسات الوطنية والمنظمات السياسية بما في ذلك «حزب» الشيخ الثعالبي ومن بعده حزب بورقيبة الذي لم يَقدر على «مُقاومة» سحر الأزياء الذهبية حتى أنه اختار الانخراط في إدارة الفريق فضلا عن تركيز مكتبه في «باب سويقة» حيث المَعقل الرمزي للجمعية. الحدث كان استثنائيا لذلك اختارت العائلة الترجية أن تَحتفي بهذه الذكرى المجيدة واللّحظة الفريدة بطريقة خاصّة ومُختلفة عن كلّ الاحتفالات التي شهدتها الجمعية على هامش أعياد ميلادها السابقة وتَتويجاتها المحلية والدولية في كلّ الاختصاصات والرياضات. لحظة غير عادية خلال اللّيلة الفاصلة بين 14 و15 جانفي سيطرت الرهبة والفرحة على أجواء الترجيين وهم يَعدّونَ الأعوام والأيام ثم الدقائق والثواني ليُعلنوا بفخر واعتزاز عن إطفاء الشمعة رقم 100 في تاريخ الجمعية. وبما أن اللحظة فارقة فقد اختار شق من أبناء النادي التحول إلى ساحة «باب سويقة» حتى تدق الساعة منتصف الليل لتستقبل العائلة الترجية المائوية الجديدة بدموع الفرح خاصّة أن الجمعية بلغت عتبة القرن وهي في قمّة المجد وذروة التألق. وقد كان رئيس الجمعية حمدي المدب في مُقدّمة المُحتفين بالدقيقة الأولى في المائوية الثانية في قلب «باب سويقة» التي يستمد منها الترجي «البَركة» بما أنها كانت شاهدة على البدايات الأولى ل»الحَركة» الصفراء والحمراء على يد محمد الزواوي والهادي القلال بمعية ثلة من الرجال الذين كان همّهم الوحيد «الانفصال» عن الجمعيات الأجنبية وتكوين ناد تونسي دما ولحما. أمواج بشرية بعد اللّيلة الحَافلة التي عاشتها الجماهير الترجية في ساحة «باب سويقة»، زحف الأنصار في اليوم المُوالي بأعداد قياسية نحو الحديقة «ب» حيث المقر الرسمي والشاهد على كلّ اللّحظات الجميلة والانجازات الكبيرة. الحُضور فاق التوقّعات والتصوّرات حتى أن حالة الازدحام داخل أسوار مركب المرحوم حسّان دفعت فئة من المُحبين إلى متابعة الاحتفالات من فوق الأشجار والجدران. أمواج بشرية احتلّت الحديقة لتشهد هذه اللّحظة الفَارقة في تاريخ الجمعية الأعرق والأكثر تَتويجا في برّ تونس. وبين هذه الحشود البشرية تجد الأطفال الصّغار والشباب والكهول والنساء وحتى شيوخ الثمانين والتّسعين ولاشك في أن الكثيرين منهم كان يَضع بلوغ عام المائوية ضمن أمنياته الغَالية. ومن المُلاحظ أن الاحتفالات الرسمية والتلقائية في الحديقة و»باب سويقة» وبقية المناطق الشعبية والداخلية لتونس يعكس التحام الترجي بالبسطاء والفقراء الذين يتنفّسون كرة القدم. ولا نَنسى طبعا بأن مُؤسس الترجي محمّد الزواوي كان رجلا بسيطا و»إسكافيا» مُتواضعا. والحقيقة أنه سبق للترجي أن أقام الاحتفالات ونظّم الجلسات العامّة في أفخم الفنادق في الحمامات وقمرت لكن نكهة الأفراح في «باب سويقة» والحديقة والساحات العمومية تكون بنكهة خاصّة. هؤلاء في البال شَكّلت المائوية فرصة مثالية لإلقاء التحية على كل الأشخاص الذين ضحّوا بالنّفس والنفيس في سبيل الترجي بداية ب»الأبوين المُؤسسين» محمّد الزواوي والهادي القلال وُصولا إلى «بلها» الذي استمات إلى أن مَات دفاعا عن «المَريول» الأصفر والأحمر. هذا فضلا عن كافة الأحباء الذين تعرضوا للإيقافات والاعتداءات على طُول المسيرة الترجية. الحديقة في أبهى حلّة ظهرت حديقة الترجي الرياضي في أبهى حلّة خاصّة بعد تَزيين المدخل بأجود أنواع الرخام مع نقش اسم المرحوم حسان بلخوجة على باب المركب حِفاظا لحقّ هذا الرجل الذي قدّم خدمات جليلة للجمعية أثناء رئاسته لها لمدة عشرة أعوام (بين 1971 و1981). ولاشك في أن العارفين بتاريخ وبمعادن الرجال يعلمون عين اليقين بأن المرحوم حسّان يَبقى من أحسن المسؤولين الذين عرفتهم العائلة الترجية والكرة التونسية عُموما. «وليدها» يُلهب الأجواء في الوقت الذي انشغل فيه الجميع بالغِناء والرّقص على أهازيج «المَجموعات» والأغاني التي يبثّها مُنظّمو الاحتفالات عبر المُضخمات الصّوتية «أطلّ» شخص ضخم في ثوب «وليدها» وهو «المَاسكوت» الذي ارتبط بالترجي الرياضي وزَيّن شعاره الرسمي منذ سنوات طويلة (الفكرة وُلدت ونُفّذت منذ ثمانينيات القرن الماضي). وقد ظهر «وليدها» بجبّته الأصيلة وشَاشيته البديعة ليؤكد عراقة الترجي ويصنع الفرحة برقصاته الفريدة على الرّكح وقد وجد هذا «الشيخ» تجاوبا كبيرا من الحَاضرين لما اتّسم به من طَرافة و»ضمار». عين على الاحتفالات وأخرى على المنزه تزامنت الاحتفالات الترجية في الحديقة «ب» مع اللّقاء المُؤجل ضدّ بن قردان في المنزه وقد وجدت لجنة التنظيم الحَلّ في تركيز شاشتين عملاقتين لتأمين النقل المُباشر والمُزدوج ل»المَهرجانات» الجماهيرية والمباراة. ورغم أن الصورة القادمة من المنزه كانت سيئة بفعل غياب الجماهير فإن الهدف المُمتاز لآدم الرجايبي في شباك الاتحاديين أشعل حماس «المكشخين» وقد وصف البعض منهم هذا الهدف بالتاريخي بحكم أنّه الأوّل في المائوية الجديدة. فلسطين حاضرة المعروف أن القضية الفلسطينية ساكنة في قلوب التونسيين وحاضرة بقوّة في مدرجات ملاعبنا و»دخلات» جماهيرنا. وقد كانت مائوية الترجي فرصة جديدة للتأكيد بأنّنا على العهد باقون. وقد رفرف العلم الفلسطيني عاليا في سَماء الحديقة «ب» التي كان أهلها قد بادروا في وقت سابق بإستضافة وتكريم «ترجي وادي النيص» الذي أطلق على نفسه اسم الترجي تَيمّنا بشيخ أنديتنا (تماما كما فعلت بعض الأندية التونسية التي أخدت عن الترجي الاسم أوالأزياء الذهبية). وبالتوازي مع العلم الفلسطيني سجّلنا حضور الرايات الجزائرية التي لها علاقة طويلة وكبيرة مع تونس والترجي المعروف بإستقطابه من زمان لعدّة فنيين ولاعبين من بلد مَاجر. (بداية بالمدرب الحاج الحبيب دراوة وُصولا إلى عنتر يحيى وهشام بلقروي ويوسف البلايلي وطيّب مزياني). من الأرض إلى الجوّ أفراح الترجيين بالمائوية كانت هِستيرية ولم تَسعها أرض الحديقة لذلك فقد اختار المنظّمون إقامة جانب من «الكَرنفالات» في الجوّ. وهذا ما تجسّم من خلال إطلاق الألعاب النارية والإذن للمُحترفين في قيادة الطائرات الشراعية بالتحليق في سماء مركب المرحوم حسان بلخوجة لتعرف كامل العاصمة بأن «شيخ المدينة» يحتفل بعيد ميلاده المائة. المغازة تنتعش بمناسبة المائوية «غَزت» الجماهير الصّفراء والحمراء مَغازة الفريق (الترجي ستور). وقد كان الاقبال على المُعدات الرياضية بمختلف أنواعها وأشكالها قِياسيا حتّى أن عدّة بضائع أصبحت مفقودة. هكذا عاش الترجي الرياضي أفراحه بالمائوية التي أنعشت الأجواء في مختلف أنحاء البلاد. المجموعات تنغّص أجواء الاحتفالات أبت مجموعات الترجي إلا أن تنغّص على عائلة الفريق احتفالاتها حيث تجددت «معاركها» واشتباكاتها في شوارع العاصمة مما اضطر قوات الأمن إلى التدخل لتفريقها، ومرة أخرى نسأل متى سيتوقّف عبث هذه المجموعات؟