تشير الأرقام إلى ان عدد قاعات السينما في تونس شهد ارتفاعا كبيرا في السنوات الأخيرة مقارنة بفترة التسعينات و العشرية الأولى من هذا القرن مما يحيلنا للتساؤل هل أن هذه الإنتعاشة انسحبت على القطاع السينمائي إنتاجا وجودة وتوزيعا ؟ و هل يمكن ان نتحدث عن صناعة سينمائية مادمنا نتحدث عن قاعات ذات جودة عالية ؟ تونس الشروق: مرت قاعات السينما في تونس منذ السبعينات الى يومنا هذا بثلاث مراحل من الإنتعاشة الى التراجع ثم استعادة الروح من جديد اذ بلغت عدد القاعات في بداية السبعينات والى حدود الثمانينات قرابة المائة والخمسين قاعة موزعة بين العاصمة (40 منها في تونس الكبرى أريانة وباردو والمرسى والكرم وحلق الوادي وحمام الأنف ) وبعض الجهات على غرار سوسةوصفاقسوقابس وبنزرت والكاف وباجة وجندوبة وقفصة ونابل. وتعد هذه المرحلة الأبرز والأهم في تاريخ قاعات السينما في تونس من حيث الكم. في حين انطلقت فترة التراجع مع سنوات الثمانينات اذ شهدت قاعات السينما بداية بالأزمة مع بداية انهيار النظام البورقيبي ومع ظهور الأزمة السياسية في البلاد تراجع جمهور السينما خوفا من التوتر الحاصل في الشارع التونسي مما اضطر أصحاب القاعات الى غلق فضاءاتهم بسبب تدني المداخيل المالية، وبلغت الأزمة ذروتها في التسعينات وتزايدت موجة الإغلاقات نتيجة تراكم الديون وتراجع جمهور السينما بسبب ظهور وسائل الإتصال الحديثة والى حدود 2011 تدنى عدد القاعات الى 12 قاعة منها 10 قاعات في العاصمة وقاعة في سوسة و اخرى في صفاقس . اما المرحلة الثالثة في تاريخ قاعات السينما التونسية انطلقت تقريبا في السنوات الثمانية الأخيرة ويمكن وصفها ببداية استعادة الروح لهذه الفضاءات فلم نعد نتحدث عن غلق قاعات بل افتتاح قاعات جديدة وأخرى قديمة أعادت فتح أبوابها من جديد ونتحدث اليوم عن مركبات سينمائية وقاعات بتقنيات حديثة وجودة عالية وتعيش مدينة الثقافة اليوم على وقع افتتاح قاعة سينما جديدة Ciné350 تبلغ طاقة استيعابها 350 متفرجا وستتركز برمجتها خاصة على الأفلام التونسية الطويلة والقصيرة إضافة إلى الإنتاجات العالمية الحديثة والأفلام التجريبية وحددت أسعار التذاكر ب 7 دينارات للتعريفة الكاملة و5 دينارات كتعريفة تفاضلية. وفي موفى 2018 تم افتتاح المركب السينمائي pathé بأحد المركبات التجارية الكبرى شمال العاصمة وهو الأول من نوعه في تونس ويضم 8 قاعات سينما تسع في مجملها 1500 متفرجا، وبتقنيات عالية الجودة (تقنية الليزر)، في حين زودت 5 قاعات منها بتقنية 3D. وفي أوت 2017 تم ايضا افتتاح قاعة سينما بالحمامات الجنوبية بمواصفات عالية الجودة تسع 400 مقعد. وفي افريل 2018 افتتحت قاعة سينما لاغورا في قابس طاقة استعابها 500 مقعد. وفي سنة 2016 تم افتتاح قاعة سينما بمنزل تميم تسع ل 100 متفرج كما تم ايضا إعادة افتتاح قاعة افريكا في العاصمة بعد 6 سنوات من غلقها. وتستعد جهة سوسة ومقرين الى افتتاح عدد من قاعات السينما في الأشهر القادمة... انتعاشة حقيقية تعيش على وقعها قاعات السينما في العاصمة وفي الجهات ... كيف يقيم أهل الإختصاص هذه الإنتعاشة ؟! نحتاج إلى قاعات في الأحياء اعتبر المخرج السينمائي ابراهيم لطيف افتتاح قاعة سينما جديدة في مدينة الثقافة بمثابة الحدث الهام والمميز مشيرا في ذات السياق الى أهمية المركب السينمائي pathé الذي صمم بجودة عالية مما يسمح للجمهور بالفرجة في ظروف طيبة مؤكدا على ان ارتفاع عدد القاعات في تونس يعد مؤشرا جيدا الى جانب انه سيخلق نوع من المنافسة مع القاعات الأخرى التي ستضطر الى الصيانة والتحسين من جودة عروضها حتى تتمكن من استقطاب الجمهور على حد تعبيره. ابراهيم لطيف أكّد أيضا على ضرورة دعم الدولة وتشجيعها للمستثمرين من أجل فتح قاعات في الأحياء. مشددا في ذات السياق على تواصل قاعات العاصمة التي تخلق ديناميكية في البلاد مطالبا بزيادة عدد القاعات مقابل التخلي على الدعم. ويرى محدثنا ان مع ولادة القاعات سيتزايد معها عدد المنتجين لكنه لم يخف ازمة التوزيع التي اصبحت تمثل عائق كبير في تونس اذ ان اصحاب القاعات هم في حد ذاتهم موزعين مؤكدا على ضرورة إعادة النظر في عملية التوزيع. من جهة أخرى تحدث ابراهيم لطيف عن أسعار التذكر التي اعتبرها مشطة بالنسبة للمتفرج العادي لكن ذلك لن يمنع الجمهور من التهافت على القاعات الجيدة ذات الفرجة المريحة على حد تعبيره مضيفا ان نسق الانتاج تصاعد السنوات الأخيرة مما سيساهم في مزيد فتح قاعات جديدة بدل من غلقها مثلما كان سابقا متسائلا لماذ لا يبلغ عدد قاعات السينما في تونس عدد المساجد اي 5000 الاف قاعة و ان يتم تشييد قاعات سينما محاذية للمساجد بدل من المقاهي و بالتالي يتغذى التونسي فكريا و روحيا في ذات الوقت حسب تعبير ابراهيم لطيف ... لابد من الالتفات الى قاعات العاصمة من جهته يقول المنتج السينمائي عبد العزيز بن ملوكة ان ارتفاع عدد القاعات في تونس سجل ارتفاعا ايضا في عروض الأفلام التونسية التي تصل مدة عرضها الى العشرين أسبوعا مشيرا الى ان اسعار التذاكر بلغت 20 دينارا وهو ما سجل ارتفاعا كبيرا في المداخيل مما يشجع بدوره على الصناعة السينمائّية حسب تعبيره مؤكدا على انه بقدرما يتزايد عدد القاعات يتزايد معها التوزيع و الإنتاج ... و لم يخف بن ملوك ان هذه الإنتعاشة انسحبت على المداخيل التي سجلت ايضا ارتفاعا كبيرا موضحا في ذات السياق ان 50 بالمائة من المداخيل تذهب الى القاعة منها ما بين 15 و 20 بالمائة مستحقات الموزع (وأغلب الموزعين هم أصحاب القاعات) وبين 30 و 35 بالمائة تذهب الى المنتج مشيرا الى ان ارتفاع المداخيل تفسر بعودة الجمهور الى السينما مستدلا في ذلك بفيلم «الجايدة»الذي حقق مداخيل بقيمة مليار ونصف في ثلاثة اشهر حسب تصريحه ... من جهة اخرى تحدث بن ملوكة عن ضرورة صيانة القاعات في العاصمة التي تعاني من بنية تحتية مهترئة و حتى لا يتم اغلاقها على وزارة الشؤون الثقافية والمركز الوطني للسينما و الصورة الإلتفات الى العشر قاعات القديمة في شارع الحبيب بورقيبة على غرار الكوليزاي و الريو و البلاص والمنديال... باعتبارها «وجه» البلاد واصبحت من الموروث الثقافي على حد تعبيره...