يمثل ملف شركات البيئة والغراسة بولاية قفصة، أحد الملفات الجهوية الحارقة، بحكم ما بات يثيره من تساؤلات حول طبيعة دور هذه الشركات، التي يذهب البعض الى انها وهمية وتجسم أحد اوجه "الفساد المالي"، نظرا لكتلة الاجور الرهيبة التي تفوق 100مليار. قفصة (الشروق) هذه الأموال، تضخ سنويا لأكثر من ثمانية آلاف من أعوانها واطاراتها من قبل شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي التونسي وذلك دون تسجيل أي عمل منجز لفائدة الشركات المؤجرة أو لصالح مسيرة التنمية بجهة قفصة. كان منطلق بعث هذه الشركات في شكل مناولات بيئية جاءت في سياق اجراءات للتخفيف من حدة البطالة بمنطقة الحوض المنجمي على إثر احداث انتفاضة ،2008 وقد قدمت هذه المناولات خدمات متفاوتة لفائدة المناطق الصناعية لشركة الفسفاط والبلديات الا انه في سنة 2011، وعلى إثر انهاء العمل وفق صيغة المناولة، تم تأسيس شركات البيئة والغراسة بالحوض المنجمي، على انقاض المناولات وذلك بكل من الرديف وأم العرائس والمتلوي، تؤجر أعوانها شركة فسفاط قفصة بالإضافة الى شركة البيئة والغراسة والبستنة بقفصة التي تشمل بقية المعتمديات غير المنجمية بولاية قفصة ويؤجر المجمع الكيميائي التونسي اعوانها. وتزايد عدد أعوان هذه الشركات خلال السنوات الأخيرة ليبلغ خلال سنة 2018 حوالي 5400 عون تنفيذ واطار بشركات الحوض المنجمي، الاربعة يتقاضون كتلة اجور تقارب 73 مليارا فيما قارب عدد اعوان واطارات شركة البيئة بقفصة 2400 يتقاضون سنويا حوالي، 30 مليارا ومن المنتظر ان يلتحق قريبا أكثر من 500 عونا وإطار، بهذه الشركات على إثر الانتدابات الأخيرة. مليارات مهدورة الانطباع السائد لدى عموم أبناء جهة قفصة أن عون البيئة عاطل عن العمل، ويتقاضى أجر، وهذا ليس انطباعا فقط بل هو حقيقة مؤلمة يدركها مسؤولو شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي، وذلك دون التقدم الجدي نحو تفعيل أدوار هذه الشركات العائدة إليهم بالنظر، وقد أغرت هذه الوضعية أعدادا متزايدة من أبناء المنطقة باقتناص فرصة عمل بهذه الشركات بأية طريقة كانت ولعل "اسهلها" تعطيل نشاط شركة فسفاط قفصة والضغط عليها لمزيد الانتدابات. وما يثير نقاط الاستفهام، ان اعوان البيئة في مختلف الشركات، أصبحوا من أصحاب الأنشطة المهنية المزدوجة، اذ يعمل بعضهم في التجارة والفلاحة والبناء وبعضهم يعملون بالخارج، ويؤكد بعض اهالي قفصة ان العديد من اعوان البيئة هم من أصحاب الاموال الطائلة، والممتلكات المتنوعة، من شاحنات كبيرة ومخازن وعقارات إلا ان الجهات المعنية عجزت في غالبها عن القيام بعمليات التطهير الضرورية لهذه الشركات حتى يكون العمل لمن يستحقه في مرحلة اولى ولمن ينجزه في مرحلة ثانية. التفعيل... حبر على ورق وقد تم الوصول منذ موفى سنة ،2016 الى إمضاء عديد الاتفاقيات لتفعيل نشاط شركات البيئة بما يساهم خاصة في رفع الاثار السلبية للأنشطة الصناعية على البيئة بالجهة كان منطقها احداث لجان فنية مشتركة جمعت ممثلين عن سلطة الاشراف وشركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي التونسي وشركات البيئة والغراسة واتحاد الشغل لمناقشة عديد المشاريع المقترحة لتفعيل نشاط هذه الشركات مع مراعاة خصوصية كل منطقة. وتستهدف هذه المشاريع في مجملها معالجة التلوث البيئي بالجهة الذي أضر بالمياه والتربة والهواء وتحسين جودة الحياة في المدن المنجمية، في سياق تعزيز المسؤولية المجتمعية، لشركة الفسفاط والمجمع الكيميائي، هذا مع رفع عديد الاعباء المالية على الشركتين عند الالتجاء الى صفقات لانجاز عديد الأعمال مثل النظافة والتشييد والصيانة الصناعية وغيرها، اذ يمكن ان يقوم بها أعوان البيئة الذين لديهم قدرات واختصاصات متنوعة تؤهلهم لانجاز اعمال كثيرة لفائدة الشركات المؤجرة ومحيطها. وقد تم التوفق الى ضبط عديد المقترحات العملية لمشاريع مفيدة ومبربحة، منها صيانة وتعهد مصبات الشوائب وتركيز دروع، من أشجار لحماية مواطن الاستغلال والانتاج، وانجاز مساحات خضراء ومشاريع للحد من التلوث، واعداد اراض صالحة للفلاحة وغراسة اشجار مثمرة وبعث منابت لمشاتل مختلفة وتفكيك وتجميع العجلات والسيور المطاطية والفضلات المعدنية والالكتروميكانيكية وتجميع الزيوت الصناعية المستعملة والتصرف في كل هذه النفايات المتراكمة، في محيط الفضاء المنجمي والتي اصبحت كميات هامة منها عرضة للسرقة والتفويت فيها بالبيع دون قدرة شركة الفسفاط على حفظها، لكن رغم مرور اكثر من سنتين على الاتفاق على هذه المشاريع فإنها ظلت مجرد حبر على ورق. لوبيات فساد.. على الخط وفي هذا الاطار، أكّد بوعلي عميدي عضو نقابة اعوان التنفيذ لشركة البيئة بالرديف، في تصريح ل"الشروق" ان تعطيل تفعيل نشاط شركات البيئة تقف وراءه اطراف نافذة في شركة فسفاط قفصة لها مصالح ومنافع في تواصل منح عديد صفقات البناء والصيانة والتنظيف والتهئية وغيرها لمناولات تدر عليها المليارات، معتبرا ان اسناد هذه الخدمات الى شركات البيئة سيغلق هذا الخزان المالي ويحرم البعض من امتيازات ومنافع أصبحت لديهم مكاسب لا يمكن التفريط فيها. من جهته اعتبر بوعلي كرامتي الإطار السامي بشركة البيئة والغراسة في تصريح ل"الشروق"، انه بالرغم من مرور 8 سنوات على تأسيسها إلا أن نشاط شركات البيئة والغراسة لم يُفعّل إلى اليوم وهو ما يعيده من وجهة نظره إلى سببين أساسيين أولها تخوف شركة فسفاط قفصة غير المُبرر من دخول أعوان شركات البيئة والغراسة إلى مجالها ورفضها لذلك وثانيهما محاولة هذه الشركة الاكتفاء بتوفير كتلة الأجور لأعوان هذه الشركات من دون التورّط في الترفيع فيها. واعتبر محدثنا ان شركة الفسفاط تتغافل عن امكانية استغلالها لليد العاملة الوفيرة والمتخصصة، التي تحوّلت إلى هدْر لكل إمكانيات الاستفادة منها وتكريسا لصورة ذهنية مشوهة عن شركات البيئة وأعوانها لدى الرأي العام محليا ووطنيا. أرقام ودلالات 8 الاف عون يتقاضون اجور دون أن يعملوا 5400 عون بشركة الحوض المنجمي تبلغ كتلة أجورهم 73 مليارا 100 مليار حجم كتلة أجور أعوان البستنة والغراسة دون أن يقوموا بأي عمل