يتكرّر المشهد من أقصى البلاد إلى أقصاها: تلاميذ غاضبون، يحتجّون، يصرخون ضد المصير الغامض الذي يواجهونه في سنة دراسية اجتمع فيها الشك والسواد وبدا واضحا أنها تسير بهم إلى سنة بلا امتحانات وحتى بلا تحصيل علمي نتيجة ما يلحق بالعملية التربوية من فوضى وإرباك وتراخ... مع التلاميذ أولياء حائرون تائهون وهم يرون ثمرة جهدهم وعرقهم وتضحياتهم الجسيمة في سبيل تعليم فلذات أكبادهم تذهب أدراج الرياح... الأولياء محتقنون وغاضبون ويتساءلون هم أيضا عن موعد الفرج ونهاية مسلسل ليّ الذراع بين الوزارة وبين نقابة الثانوي. وبين غضب التلاميذ وحيرة الأولياء يصادر مستقبل جيل بأسره ويرتهن بالتالي مستقبل البلاد التي لا تراهن أولا وأخيرا إلا على ثروتها البشرية وعلى ذكاء أبنائها... ومن هذا المشهد تبرز الأسئلة الكبيرة والخطيرة: أين الحكومة من كل هذا؟ وأين رئيس الحكومة من هذا المشهد؟ وإلى متى يكتفي بالصمت والفرجة على مشهد تربوي ما فتئ يتعكّر وعلى علاقة ما فتئت تسوء بين وزارة التربية ونقابة الثانوي حتى انتهى الأمر مساء بدخول أعضاء النقابة وأساتذة في اعتصام ببهو وزارة التربية؟ ندرك منذ مدة أن المفاوضات بين الوزارة والنقابة وصلت إلى طريق مسدود وإلى نفق تعطّلت فيه لغة التفاهم وانعدمت فرص التوصّل إلى تسوية مجزية لرجال التعليم وتقبل بها نقابة الثانوي وتكون في متناول الوزارة: فالانعكاس المادي لطلبات النقابة وفي علاقة بمنحة المشقة أساسا يتجاوز بكثير إمكانات الوزارة المادية وهو ما يحيلها رأسا على أنظار رئيس الحكومة ووزير المالية.. وهذه العقدة علاوة على عقدة تقاعد رجال التعليم وباقي المسائل العالقة يجعل تدخل رئيس الحكومة أمرا ملحّا لحلحلة الأمور وإيجاد مخرج للأزمة التي استحكمت واستعصى جلها وبات التصعيد فيها لغة الحوار وباتت فيها الأزمات تتوالد وتتصاعد لتعصف بكل المتدخلين في العملية التربوية من تلاميذ وأولياء. ولأن رئيس الحكومة هو المسؤول أولا وأخيرا عن كل الأزمات التي تمس وزارة من وزراته ولأنه المؤتمن على ضمان حسن سير العمل في كل الوزارات فإنه مطالب بالخروج عن صمته في علاقة بأزمة التعليم للمساعدة على إيجاد حل سريع وملائم لها. حل يفكّ هذه العقدة ويضع حدا لغضب التلاميذ وحيرة الأولياء ويوقف نزيف العملية التربوية الذي بات يهدد منظومتنا بالانهيار الكامل... ويهدّد بمصادرة مستقبل أجيالنا الصاعدة وبارتهان مستقبل بلادنا. لقد طال صمت الحكومة وآن لها أن تتحرّك لإيجاد المخارج والحلول لهذه الأزمة المستحكمة وإيجاد أرضية ملائمة لمفاوضات مثمرة بين الوزارة ونقابة الثانوي تفضي إلى وضع حد لأزمة طالت أكثر من اللازم وباتت تهدد بأزمة اجتماعية أكبر وأبعد من أسوار وساحات المعاهد.