تتميز مدينة قفصة ومختلف معتمديات الولاية بمخزون أثري مهم يعكس العمق الحضاري للجهة التي تعددت معالمها وتنوعت إلا أن بعضها بات بمرور الزمن مهددا بالاندثار. قفصة (الشروق) وقد أصبحت عديد المعالم مهددة فعليا بحكم غياب عمليات الصيانة والحماية وحسن التوظيف الثقافي والسياحي والتنموي. وفي مقدمة هذه المعالم الاحواض الرومانية بقفصةالمدينة المعروفة ب«واد الباي» التي تعاني منذ اكثر من 20 سنة من توقف تدفق مياه بعيونها المعروفة (عينان بالوادي الصغير وعين بالوادي الكبير) وهو ما جعل واد الباي في حالة يرثي لها، في ظل غياب عملية منتظمة لتزويده بالماء، مما أثر على تنشيطه واستغلاله، بل جعله في احيان كثيرة مصدرا للتلوث والروائح الكريهة، التي كانت سبب استياء الاهالي وزوار هذا المعلم التاريخي من تونسيين وسياح أجانب. معالم أثرية...مهملة وقد لحق الاهمال معلم «الميضة» المسبح المغطى، الذي كان يستعمل للاغتسال والوضوء ومرتبطا بجامعي باب الهوى وسيدي اسماعيل، وذلك في علاقة بندرة المياه، وهو نفس المصير الذي آل إليه «الترميل» المغلق منذ سنوات، والذي كان بمثابة حمامات ثلاث للرجال والنساء واليهود، يتم ارتيادها بمناسبة الافراح والاعراس ويتوسط الترميل، جامع سيدي صالح المغلق أيضا. وقد أصبحت هذه المعالم المائية للمدينة بسبب الاهمال عرضة لتراكم الاوساخ والخلع وأوكارا لعبث المنحرفين، وبعضها تم استهدافها، بالحفر بحثا عن الكنوز. وتحدث بحرقة، فريد زعيش رئيس جمعية احباء واد الباي في تصريح ل«الشروق» عن ما آلت إليه اوضاع، هذه المعالم الحضارية الرمزية للمدينة، مطالبا الجهات المعنية وخاصة بلدية قفصة بتحمل مسؤوليتها، في صيانة هذه المعالم وحسن استغلالها. وغير بعيد عن واد الباي، ينتصب البرج البيزنطي الذي ناله أيضا نصيبا وافرا من الاهمال، اذ برزت عليه التشققات، في العديد من واجهاته، واحتلت المزابل والفضلات مساحات هامة من محيطه الخارجي، ومنها مزبلة على بعد أمتار من مقر ولاية قفصة. كما اصابت التشققات المعلم الديني الجامع الكبير، اذ تشققت بعض جدرانه الخارجية والداخلية وبيوت المدرسة القرانية، وبدور أصبحت المدينة العتيقة مهددة، وتشكو المدينة العتيقة بمدينة قفصة (الحارة وحومة الوادي..)من كثرة المباني والمنازل القديمة المهددة بالسقوط، وهي وتمثل خطرا حقيقيا على بعض متساكنيها، دون تدخلات جدية لترميمها. وتمثل بعض الدور المعروفة جانبا من هذا الارث المعماري الهام، الذي باتت تنهشه مخالب الزمن وبعض هذه الدور تم هدمها من قبل البلدية، لما باتت تمثله من مخاطر مثل «دار اسماعيل». وتتميز هذه الديار بجمالية لافتة وزخارف ونقوش، الا ان بعضها تحول الى خراب، مثل دار القروي، وبعضها مازال دون ترميم، ومن هذه الدور دار بالقاضي ودار السماوي ودار بالحولة ودار زيتوني ودار حشايشي ودار لطيف، فيما تم ترميم دار مطيطي، اما بقية الديار مازالت تشوه المدينة بحالتها المتردية في اتنظار عمليات ترميم او هدم تبدو بعيدة الانجاز بسبب اشكاليات الارث، وعدم قدرة الجهات الرسمية على التدخل. زوايا... تحتاج للصيانة وتمثل الزوايا ايضا جانبا من الموروث المعماري المهمل بحومة الوادي والحارة وبعضها مغلق مثل سيدي الزرتي وسيدي بوطبة. ويرى فريد زعيش ان معالم المدينة في حاجة الى مشروع كبير، ومتكامل لصيانتها وتأهيلها وتوظيفها ثقافيا وسياحيا ، مؤكدا ان «البرباشة» يعبثون بالأثار والمعالم الاثرية والرموز الحضارية المهمة و المنتشرة في كل ارجاء ولاية قفصة التي اصبحت بعضها هدفا الباحثين عن الكنوز. كما اصبحت هذه المعالم اوكارا آمنة للمنحرفين، لممارسة شتى أنواع الرذيلة بعيدا عن الأعين، وهذا ما لاحظه زعيش الذي اشار الى ان مناطق مثل ماجورة وبلخير وباطن الطلح والطفل وزانوش وسيدي عيش والحوض المنجمي ثرية بالمعالم الحضارية، والمواقع الأثرية، الا ان بعضها تم تخريبها. السلط... تنفي من جانبه، افاد المتفقد الجهوي التراث بالجنوب الغربي منذر براهمي في تصريح ل»الشروق» ان حفريات عشوائية، قام بها مجهولون للبحث عن الكنوز استهدفت بالتحطيم عديد المعالم الأثرية الموجودة بام العرائس والرديف والمظيلة والسند و ماجورة وغيرها، منبها الى خطورة هذه الأعمال التخريبية على المخزون الاثري بالجهة عموما . و اشار محدثنا الى مصالح التفقدية تتابع عمليات صيانة عديد المواقع والمعالم الحضارية والاثرية اما برامج حمايتها وتنشيطها وحسن استغلالها ثقافيا وسياحيا فهي تعود الى اطراف وجهات مسؤولة عديدة. وتطرق محدثنا الى البرامج المتواصلة لترميم البرج البيزنطي (القصبة)منذ سنة 2010 كما انه تم رصد 10 آلاف دينار لترميم الاضرحة الرومانية بسيدي عيش مع الاتجاه نحو تسييج هذا الموقع. تدخلات... كما تم تخصيص مبلغ 25 الف دينار لترميم موقع باطن زمور الطلح بمعتمدية بلخير بما يحتويه من حمامات رومانية وكنيسة مسيحية ومنزل و8 لوحات فسيفسائية حسب ما افاد به براهمي الذي اضاف ان مواقع الرسوم الجدارية باتت تمثل ملفات جديدة ضمن اهتمامات التفقدية، وذلك خاصة بالرديف وسيدي عيش مشيرا الى اهمية موقع «المقطع» بقفصة الجنوبية ضمن الخارطة الوطنية المواقع الاثرية. وشدد البراهمي على أن تدخلات التفقدية بأعمال الترميم والتدعيم التي تشمل المعالم الأثرية المتنوعة لا تعفي شتى الادارات والمصالح من مسؤولياتها في التدخل في برامج للتوظيف وحسن الاستغلال والحماية. وتجدر الإشارة الى ان معالم مختلفة في اكثر من معتمدية لها قيمة ثقافية وسياحية مازالت مهملة مثل المغاور البربرية بجبل السند ومعالم ماجورة وبلخيروهو ما يتطلب الاتجاه الجدي نحو إيلاء هذا الملف ما يستحق من اهمية على المستوى الجهوي والوطني وادراج مواقع الجهة ومعالمها ضمن المسالك السياحية الرسمية حتى تصبح وظيفية وتساهم في التنمية الجهوية، وهو ما أكّد عليه الاستاذ حاتم زيتوني رئيس جمعية صيانة مدينة قفصة الذي لاحظ ان عديد العوائق تحول دون الاهتمام بما يتعلق بالمعالم والاثار من اشكالات وتعرقل دورها التنموي، محملا جانبا من المسؤولية الى المصالح البلدية، وغياب الكفاءات والاستراتيجيات الوطنية والجهوية في هذا المجال لافتا الانتباه الى عدم تحمل وزارة السياحة لمسؤوليتها ازاء الجهة وعدم وجود شركاء جادين للمجتمع المدني يساعدونه على انجاز مشاريع هادفة في الغرض. أرقام ودلالات 35 ألف دينار لترميم معالم أثرية بسيدي عيش وبلخير. 8 لوحات فسيفسائية أرضية بباطن زمور الطلح.