عصابات تعمل في الخفاء، وتدير شبكات تهريب محلية ودولية، في ارتباط ببعض الشركات المنتصبة بهذا المجال، ويتعامل رجالها بالمليارات...هذه الشبكات منتشرة في ولاية القصرين، وتحديدا بمنطقة فريانة... القصرين (الشروق) في الجزء الثاني من تحقيق «الشروق» حول التهريب في ولاية القصرين وبعض معتمدياتها نتناول تهريب النحاس، الذي يسيطر عليه أباطرة، لكل منهم دوره، اذ ان تهريب النحاس في شكل حلقات، تنطلق من منحرفين دورهم سرقة «كوابل النحاس التابعة لشركة «الستاع» او اتصالات تونس، أو شركات أخرى، والتي تتكبد سنويا خسائر مالية هامة بسبب آفة السرقة،ثم يقع تسليمها الى وسطاء بدورهم مرتبطون بأباطرة تهريب النحاس، الذي يقع توزيعه بتونس العاصمة، بغاية تصديره الى جهات اوروبية، وكذلك تعاملهم مع أطراف جزائرية، قد تزودهم بهذه المادة. وخلال هذا التحقيق، تبين أن عالم تهريب النحاس يخفي طياته العديد من التفاصيل الخطيرة، أهمها ان المئات من المواطنين التحقوا بالسوق السوداء لتهريب النحاس، الذي يدر عليهم اموالا طائلة، ورغم قيام الوحدات الامنية بتفكيك شبكات كبيرة متخصصة في هذا المجال، لتبرز اطراف اخرى على الخط. فريانة... منبع لتهريب النحاس على طول الشريط الحدودي التونسيالجزائري، على مستوى ولاية القصرين، الذي يبلغ طوله 220 كلم، يوجد دواوير وضعها الإجتماعي، سيء جدا، خاصة على الجانب التونسي، ويعتبر التهريب مورد رزقهم الوحيد. وهم ما يسمونهم ب « الحرّاقة». والحرّاقة هم من يؤمّنون عبور السلع عبر المسالك غير المراقبة من التراب الجزائري الى التراب التونسي بمقابل مادي يأخذونه، من مهرّبي هذه السلع، كالآلات الإلكترونية، الكهرومنزلية، مواد التجميل، الملابس الجاهزة وغيرها. فبالإضافة، إلى السلع المذكورة تعتبر مادة النحاس، من أهم السلع المعتمدة، والتي يرتبط تهريبها بشبهات فساد لرجال أعمال ومؤسسات صناعية، تكون موادها الاولية من المادة المذكورة على غرار مصانع الآلات الكهرومنزلية. شركات...متورّطة علمت «الشروق» أن عدد من المصانع لقولبة النحاس، وتصديره الى الإتحاد الأوروبي ، منتصبة بمنطقة فريانة وفي مناطق أخرى من الجمهورية متحصلة على رخص من وزارة الصناعة والتجارة، وتستعمل فواضل النحاس والخفاف المهرب من الجزائر عبر منطقة الصخيرات الحدودية، وتوجد حاليا حاويات محجوزة تحفظيا بميناء رادس في انتظار، إثبات مصادرها، لأن عدد الحاويات التي يقع تصديرها لا تتلائم مع الإنتاج المحلي. مثل هذه الشركات المنتشرة، في عديد المناطق، نجحت في السيطرة على سوق النحاس، الذي يدخل عبر التهريب الى تونس ويخرج بشكل قانوني، وتتخلل هذه العمليات تجاوزات كبيرة تكبّد الدولة خسائر فادحة. منطقة الصخيرات، التابعة لمعتمدية فريانة، من ولاية القصرين، هي البوّابة الأولى وشبه الوحيدة لتهريب النحاس، وبالتالي جعلت تونس من أكبر مصدّري هذه المادة، بالرغم من أنها غير منتجة لها، ولم تستطع الديوانة، إثبات هذه الظاهرة، عبر الحدود لنقص إمكانياتها، فالتجأت لإثبات المصدر عبر الموانئ. بارونات التهريب...على الخط وتم بين سنتي 2017 - 2018 ، حجز أكثر من 10 شاحنات لتهريب النحاس على ذمة احد بارونات التهريب بالقصرين، بعد ان تم القبض عليه في ملفات فساد كانت اثارتها الحكومة التونسية، سنة 2017 واثبتت التحقيقات ان المتهم متخلدة في ذمته محاضر في تهريب المادة المذكورة بقيمة 350 ألف دينار. كما حجزت إدارة الحرس الديواني للإدارة الفرعية للاستعلامات خلال شهر سبتمبر 2018 مخزنا بالعاصمة، يحتوي على 120 طنا من النحاس المهرّب عبر القصرين، وحجزت ادارة الاستعلامات التابعة لادارة الحرس الديواني في بن عروس خلال نفس الشهر، 95 طنا من نفس المادة كانت معدة للتصدير بشكل قانوني يتضمن تجاوزات أو لتهريبها للمصانع التي تعتمد النحاس مادة أولية في إنتاجها. غياب القوانين مصادر قالت ل«الشروق» ان تغير قوانين الخطايا والأداءات، بعد الثورة، كانت سببا في تراجع المبالغ الموجهة الى خزينة الدولة، فقد كانت أقل خطية قبل الثورة تمثل ضعف قيمة السّلع وتراجعت بعد الثورة إلى الثلث. وعلى سبيل الذكر لا الحصر، كانت نسب الخطايا على الآلات الإلكترونية تسدّد بنسبة 200 ٪ وتراجعت بعد الثورة إلى 30 ٪، أما قيمة الملابس الجاهزة المهرّبة كانت تسدّد بنسبة 200 ٪ وتراجعت بعد الثورة إلى 100 ٪، فيما كانت قيمة خطايا السجائر تسدد بنسبة 300 ٪. نفس المصدر، أكد ان الديون المتخلدة بذمة عدد من المهربين ورجال الاعمال ناهزت 4500 مليار الذين لم يسدّدوا الأداءات المستوجبة لدى الديوانة، وهو ما كلّف ميزانية الدولة حوالي 10 ٪، بسبب عدم وجود آليات وقوانين تفرض تنفيذ الأحكام، بالإضافة إلى القوانين التي اقرت تراجع قيمة الخطايا التي بلغت في بعض المحجوزات، السدس بعد أن كانت تسدّد بنسبة الأضعاف. وكما الحال في قضايا تهريب السلع الأخرى، لا تتم التتبعات العدلية لمن يتم إيقافهم من المهرّبين الذين تربطهم علاقات مشبوهة بإطارات في الدولة أو برجال أعمال، وتكتفي النيابة بتحرير محاضر صلح وإطلاق سراحهم والتغاضي عن الديون المتخلّدة بذمتهم. أرقام ودلالات 21 مليارا قيمة مبالغ خطايا المحاضر التي دخلت خزينة الدولة سنة 2018. 4500 مليار ديون مثقلة لدى المهربين ورجال الأعمال