عرف المشهد الأدبي في ليبيا في السنوات الأخيرة انتعاشة كبيرة لكننا لا نكاد نعرف شيئا عن هذه التحولات منذ 2011 إذ توقفت الصحف والمجلات والمهرجانات ! تونس (الشروق) جيل أدبي جديد ظهر في ليبيا في الشعر والقصة والرواية ورغم قرب المسافة والعلاقات التاريخية العميقة لا نكاد نعرف عن الحركة الأدبية في ليبيا اليوم إلا القليل . «الشروق» إلتقت الشاعر والقاص رامز النويصري عضو الهيئة الموقتة لرابطة الأدباء والكتاب الليبيين في هذا الحوار . ما هي أبرز خصوصيات المشهد الأدبي في ليبيا ما بعد فبراير 2011 شعرا وسردا ونقداً؟ لا نستطيع أن نقول إنه ثمة خصوصيات بعينها! فعلى العكس من المتوقع بعد فبراير 2011، لم ينجح المشهد الأدبي الليبي في الظهور، أو الإبانة عن نفسه كما كان متوقعاً، إنما سار على منحنى الصعود والهبوط، خلال السنوات الثماني الماضية. فبعد إعلان التحرير في أكتوبر 2011، شهد المشهد الثقافي في ليبيا انتعاشة كبيرة، من خلال حجم الإصدارات، خاصة في الرواية، كما دعم هذا الانتعاش صدور مجموعة كبيرة من الصحف، لتصل لأكثر من 300 صحيفة، بعضها كان مخصصاً للأدب، ومهتم بالشان الثقافي في مختلف الأجناس الإبداعية. لكن هذا المشهد الذي خرج من لوني الرقابة (الأبيض والأسود) في نظام القذافي، وجد نفسه يجرد من لونه ومن صوته، في وجود من منح نفسه حق الوصايا على المجتمع، وإجازة ذلك وتحرم ذاك. هذا إضافة لبعض الممارسات القميعة التي مست إضافة للصحفيين والناشطين، الكتابوالمثقفين! بعد ما يعرف بأحداث (فجر ليبيا - 2014)، انخفض منحنى المشهد الثقافي والأدبي في ليبيا إلى ما تحت الصفر في بعض الفترات، فالصحف على سبيل المثال توقفت، وتحول الإعلام الليبي إلى التحريض، إلا ما رحم ربي. مع العام 2016، بدأت بعض المناشط الثقافية والأدبية بالظهور، من خلال جمعيات وملتقيات أهلية، تركزت بشكل خاص في كل من طرابلس، وبنغازي، وبعض الأنشطة المتفرقة في بعض المدن الليبية، والمستمرة في نشاطها حتى تاريخ كتابة هذه السطور. قصيدة النثر ظاهرة لافتة للنظر رغم أن البيئة الليبية محافظة جدا بما يجعل من قصيدة النثر نبتة غريبة منطقيا كيف تفسر هذه الظاهرة؟ أنا ارى العكس تماماً، قصيدة النثر جاءت لتلبية حاجة الخروج عن الأنماط، والقوالب الجاهزة، لذا كانت أحد أشكال الخروج عن السائد، أو المحافظ كما قدمت. قصيدة النثر التي ظهرت سبعينيات القرن الماضي، كانت نصاً حاول من خلال الشاعر الليبي الانتصار للحداثة والثورة على السائد، فكانت قصيدة النثر نص الانطلاق، والمقاومة، فهي نص مخاتل يمكنه حمل الكثير وتجاوز الكثير. والجميل في تجربة قصيدة النثر الليبية –كما أسميها-، إنها تجربة متنوعة وغنية بالكثير على مستوى الأسماء ومستوى النص. في الثمانينات كان حضور الأدباء الليبيين بارزا في المشهد العربي مثل أدريس الطيب فرج العشة مفتاح العماري فرج العربي فاطمة بن محمود الككلي ...لماذا لم تبرز أصوات جديدة عربيا ؟ على العكس، هناك الكثير من الأدباء والكتاب الليبيين، ممن لهم حضور كبير في المناشط والمحافل العربية والدولية، ربما لأن الذاكرة ارتبطت بالأسماء الذي ذكرت، فظلت تبحث عنها. فعلى سبيل المثال الكثير من مهرجانات الشعر والأدب في تونس كان الحضور الليبي فيها ثابتاً، وكذلك مصر، الجزائر. هذا دون أن ننسى ما أحدثه الإنترنت من ثورة على مستوى التواصل، وهو ما استفاد منه جيلنا في بداية الألفية، من خلال التواصل الشبكي، ومن بعد من خلال منصات التواصل الاجتماعي. وهنا أذكر تجربتي في موقع بلد الطيوب، الذي انطلق في 22 سبتمبر 2000، لنشر الأدب والثقافية الليبية، والذي مازال مستمراً. تعيش ليبيا أزمة سياسية وأمنية منذ ثماني سنوات كيف عبر الأدب الليبي عن هذه المِحنة ؟ بشكل عام، لامس الكاتب والأديب الليبي، وجع الناس، وجعه، وسعيهم للحرية، خاصة وإن 17 فبراير 2011، حملت الأمل بالخروج من بوتقة حكم الفرد، الذي اختصر البلاد في كينونته، ورهنها ببقائه. الأديب الليبي، أطلق صوته، وصدح مطالباً بالتغيير، وبحقه في التعبير عن رأيه، وعن فكره، والحصول على حقه في النشر، وإصدار المطبوعات، وألا يكون تابعاً للسلطة أو بوقاً لها. ومن خلال متابعتي، كان السبق للشعر والقصة، بشكل أو بآخر، في رصد هذا الحراك، وتتبع لحظاته والهتاف للحرية. وربما بسبب إمكانية الشعر للرصد اللحظي، الأني، اليومي، كان هو أكثر صور التعبير انتشاراً، خاصة مع دخول أكثر الأدباء والتواصل من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وبشكل خاص الفيسبوك، ولقد رصدت أكثر من كاتب يمارس الكتابة الشعرية، من خلال تقنية النص، أو النص المفتوح كأحد أساليب التعبير. كما إن القصة القصيرة، رصدت الكثير مما يعيشه الليبي، وتوقفت عند اللحظات المهمة والمفصلية التي عاناها الوضع الليبي. في السنوات الأخيرة قبل فبراير كانت هناك عديد الملتقيات الأدبية اليوم هل هناك مهرجانات أدبية؟ نعم، ولكن ليس بالشكل الذي كان، هناك مناشط تقام بشكل أسبوعي وشهري، وموسمي، وهناك أثني على ما تقوم به الجمعية الليبية للآداب والفنون، بميدنة طرابلس، التي تنظم العديد من المحاضرات واللقاءات الثقافية، وفي مدينة بنغازي هناك تجمع تاناروت للإبداع الليبي، وهم مجموعة شابة تهتم بالفكر والثقافة من خلال مجموعة من الأنشطة الثقافية المختلفة. كما لا ننسى هنا مهرجان الخريف بمدينة هون. أنت رامز النويصري الشاعر. والمواطن كيف تعيش تفاعلات الوضع الليبي منذ ثماني سنوات كيف أثر فيك هذا الوضع نفسيا وأدبيا ؟ أعيشها كما يعيشها أي مواطن ليبي، علي أن أتابع الوضع، وأتحسب لمجريات الأمور، التي قد تتعقد أو تشتبك في أي لحظة، وكوني اعمل في أحد المرافق الحيوية المهمة، مطار معيتية الدولي، هذا يجعلني دائم الحذ مما قد يطالنا، كما حدث في أكثر من مرة سابقة. المسألة إن هذا الهم اليومي والواقع البائس يؤثر سلبا على إنتاج المبدع، وينعكس عليه بشكل واضح وكبير، الأمر الذي يجعلني في الكثير أحجم عن الكتابة والترتيث كي لا تخرج كتاباتي انفعالية أو تصوير مباشر لما نعيش.