حذر المخرج المسرحي نورالدين الورغي من خطر انتشار المدارس الدينية المشبوهة على غرار مدرسة الرقاب مذكرا بأن حركة طالبان نشأت في مثل هذه المدارس ، فيما بين المخرج حمادي المزي ان مناهج التعليم العمومي في تونس لا تحتاج الى مدارس موازية. تونس (الشروق) تفاعلا مع حادثة المدرسة القرآنية المشبوهة بجهة الرقاب لوح عدد من الفنانين والمثقفين بالخطر الكبير الذي بات يهدد المجتمع التونسي عموما والمدرسة العمومية والناشئة خصوصا مشددين على دورة الثقافة في التصدي الى مثل هذه الظواهر المتخلفة داعين الى ثورة ثقافية حقيقية لإنقاذ البلاد والعباد من براثم الفكر الظلامي ... أعادت حادثة ما عرف بالمدرسة القرآنية المتورطة في الإتجار بالبشر وسوء معاملة الأطفال في جهة الرقاب الجدل حول واقع وتاريخ المدرسة العمومية والتعليم في تونس وواقع الثقافة والفضاءات الثقافية لارتباطهما الوثيق ببعضهما كما عبر عن ذلك عدد من المثقفين والفنانين اذ يرون انه لا يمكن الفصل بين التعليم من جهة والثقافة من جهة اخرى ... فالمتحدث اليوم عن التعليم الموازي في تونس والمرتبط اساسا بهذه المدارس القرآنية المشبوهة يثير مباشرة مشكل غياب الوعي والثقافة وفضاءاتها في مثل هذه الجهات التي عشش فيها الفكر الظلامي مستغلين في ذلك ارتفاع نسب الجهل والأمية مع ارتفاع نسب الإنقطاع عن الدراسة او العزوف تماما عن ارتياد المدارس. فتونس التي تعد أولى البلدان العربية التي شيدت فيها االمدارس (1883 )من أجل التنوير وطلب العلم اليوم وبعد اكثر من مائة سنة تعود الى عهد ربما لم تشهده مطلقا . فلا تاريخ تونس القديم ولا الحديث شهد مثل هذا الظواهر مدارس موازية واتجار بالبشر واستغلال جنسي للأطفال ... فالمتعارف عليه وما ينص عليه القانون منذ بناء الدولة الحديثة التي شهدت بناء المدرسة العمومية هو ان الطفل عندما يبلغ سن السادسة يتم إلحاقه بالمدرسة الإبتدائية التي توفر له مناهج العلم بمختلف أنواعها بما فيها التربية الدينية وان اراد الولي تعليم ابنه في أصول الدين يكون ذلك في اطار منظم ومراقب وخارج اوقات الدراسة مع العلم انه لا وجود للمدارس القرآن في القانون التونسي. هذه الظاهرة الخطيرة المتمثلة في ما عرف بالمدارس القرآنية المشبوهة والتي عرفتها تونس منذ احداث 14 جانفي 2011 يرى عدد من المثقفين التونسيين ان هدفها بناء مجتمعات ظلامية تخدم الفكر الإخواني امام تغييب الثقافة التي تنير العقول وتحصن الناشئة من هذا المد الوهايبي الذي بات يهدد البلاد والعباد داعين الى ضرورة الإستناد الى العمل الثقافي والتكثيف من الأنشطة الثقافية بل ذهبوا الى ابعد من ذلك وهو الدعوة الى قيام ثورة ثقافية تعيد تونس الى مسارها الطبيعي. ثورة ثقافية لإنقاذ البلاد والعباد في هذا الصدد يتفاعل المسرحي حمادي المزي ويقول « بناء الدولة الحديثة بدأ مع بناء المدرسة العمومية وهي المدرسة التي لا تفصل بين الدين وبقية العلوم الأخرى وتوفر للتلاميذ مادة التربية الدينية وبالتالي لا يحتاجون الى مدارس موازية ...» يضيف المزي «لكن مع أواخر السبعينات وبداية الثمانينات تحول المجتمع التونسي من مجتمع مولع بالثقافة الى مجتمع ليبرالي وأصبح الجانب الإقتصادي هو المحدد لنمط عيش التونسيين وهو ما ساهم في احداث نوع من الهوة الثقافية التي كانت سببا في ظهور مثل هذه الظواهر التي غذتها خيارات الدولة ... ويرى حمادي المزي ان التونسي ذاكرته قصيرة فهذا المجتمع حسب رأيه عاش لحظات منيرة لكن منذ 2011 فرط في كل ثوابته وخاصة المواطنية وصنع لنفسه ثوابت اخرى ومشروع جديد لتحويل وجهة تونس المستنيرة الى وجهة اخرى على شاكلة الأنماط التي نعيش على وقعها اليوم والتي استفحل فيها العنف والسرقات والاعتداء على المواطن والمواطنة وهو ما يستوجب وقفة حاسمة على حد تعبيره ... مؤكدا على ضرورة الأستنجاد بالمثقف في مثل هذه الوضعيات لأهمية دوره بل هو البديل الوحيد لوضع تونس في المسار الصحيح حسب تصريحه مشيرا الى ان هذه الظواهر تفاقمت لانها وجدت الأرضية ملائمة كالفضاءات الثقافية المتردية وهجرة الناس لها مطالبا بثورة ثقافية حقيقية تصلح ماتم إفساده... حركة طالبان نشأت في المدارس القرآنية من جهته يقول المسرحي نور الدين الورغي «لا ننسى ان حركة طالبان نشأت في المدارس القرانية ولا ننسى ما قاله مورو للوهابي المجرم وجدي غنيم «نحن في حاجة الى ابنائهم» وأكد الورغي في ذات السياق على ان هذه المدارس الجهنمية هي مخططات واستراتيجيات داعشية هدفها بناء مجتمعات ظلامية تخدم المشروع الإخواني وذلك باستهداف الأطفال وتلقينهم مبادئ القتل والإغتيال ومحاربة فكرة بناء الدولة المدنية ...معتبرا ان أن هذه المدارس القرأنية المنتشرة في بلادنا ستصبح تنظيمات مسلحة دموية هدفها الأساسي تنظيم احكام الشريعة وهذه التنظيمات ستتدرب على فنون الدمار والقتل وباسم الدين يخربون ويحرقون على حد تعبيره .. يتساءل صاحب الرأي اين الدولة من كل هذا؟ لماذا كل هذا الصمت امام تصريحات قيادات اخوانية تدافع وتبرر هذا العبث وهذا الإجرام؟! يضيف الورغي «اننا نعيش وضعيات غريبة خيالية وعبثية يعجز عنها مؤلفوا مسرحيات العبث من يونسكو الى بيكات .»من جهة اخرى أشار نور الدين الورغي باستغراب الى تغييب وزير الشؤون الثقافية في اجتماع رئيس الجمهورية بالمجلس القومي للأمن متسائلا لماذا لا يكون وزير الشؤون الثقافية عضو في هذا المجلس مثلما كان يفعل ديغول رئيس الجمهورية الفرنسية وعندما كان وزيره للثقافة الكاتب الكبير «أندريه مالرو» كانت الثقافة هي الدرع الوحيد ضد التطرف والإرهاب والفاشية حسب تصريحه. نورالدين الورغي ينهي كلامه ويقول « ولكن مع الأسف المجلس القومي للأمن برئاسة رئيس الجمهورية لا نجد فيه وزير الشؤون الثقافية لأن هذه الحكومة وهذه الدولة أعضاءها لا يقرؤون ويعتبرون الثقافة العجلة الخامسة رغم انها الحصن الوحيد ضد كل انواع التطرف والإنزلاقات ومن بينها ما شاهدناه في الرقاب .» ولم تختلف الشاعرة جميلة الماجري عن بقية الآراء واكدت من جانبها على دور الثقافة في توعية الأولياء والأطفال بخطورة هذه الظواهر التي باتت تهدد المجتمع التونسي مشددة على اهمية دور الثقافة والأنشطة الثقافية التي بإمكانها ان تحصن العقول من الفكر المتشددة وخاصة في الجهات التي تعاني من غياب هذه الفضاءات مشيرة الى ان التصدي الوحيد الى مثل هذه الظواهر الخطير يكون بالفعل الثقافي. رئيس الجمعية التونسية للتربية على وسائل الإعلام الدكتور ناجح الميساوي ..لابد من إيجاد بدائل ثقافية وفنية الإعلام في مختلف وسائله لابد ان يلعب دوره في التعريف بقضايا الطفل ونشر حقوق الطفل على أوسع نطاق حتى ينتبه الأطفال الى ما كفله القانون لهم ومختلف النصوص التشريعية وفي مقدمتها دستور 2014 ومجلة حقوق الطفل وهو ما يخلق لديهم الوعي للتصدي لكل الممارسات المنتهكة لحقوقهم ولسلامتهم الجسدية والنفسية. ومن جهة أخرى لابد من تعريف مختلف مكونات المجتمع بهذه الحقوق حتى يساعدوهم على صيانة حقوقهم وفضح الانتهاكات في حقهم على غرار ما جد في ما يسمى بالمدرسة القرآنية بالرقاب كما ان وسائل الاعلام مطالبة بتخصيص مساحات اكبر لقضايا الطفل ومنها حوادث الإغتصاب والإتجار والتشغيل غير القانوني وايضا تخصيص برامج اخرى للتعريف بإبداعات الطفولة واحتضان المواهب ونشر الوعي بهذه المسائل يتطلب اعتماد مقاربة في التربية على وسائل الإعلام يتمكن الأطفال بفضلها من تحليل مضامين البرامج والمنشورات والمواد الصحفية عموما ونقدها نقدا واعيا وايقاظ الوعي فيهم لتحصينهم من مخاطر الإستلاب والتطرف والعنف. ان ما يتهدد اطفالنا من مخاطر تجعل من الضروري ايجاد بدائل ثقافية وفنية يتم وفقها توجيههم نحو المسرح والسينما والموسيقى والرسم لإكتشاف المواهب المكامنة فيهم وجعلهم اطفال مبدعين من خلال حثهم على الانخراط في النوادي وخلق فضاءات للأنشطة بطرق مبتكرة وأساليب جذابة تخرج عن المألوف والكلاسيكي حتى نجنبهم شحنات العنف وتهديدات الإنخراط في أفكار ظلامية قد تكبر معهم وتكون عواقبها وخيمة على سلوكهم ومستقبلهم وعلى كيان المجتمع.