يشتكي عشرات الآلاف من المواطنين في النفيضة أساسا وفي بوفيشة وكندار والقلعة الكبرىومساكن بدرجة أقل، من حرمانهم حقّ التملّك لأراض يستغلونها منذ عقود وأخرى أهملتها الدولة، فلا هي استغلتها ولا مكّنت أهالي تلك المناطق من استثمارها. «الشروق» مكتب الساحل: معضلة الأراضي الدولية في سوسة، وخصوصا في النفيضة معضلة ضاربة في القدم، لم تجد لها الحكومات المتعاقبة حلّا جذريا، أو ربّما لا يُراد لهذه المعضلة أن تُحلّ... وحتّى القرارات الوزارية أو الجلسات المتكررة حول الموضوع لم تفض إلى إجراءات عملية تنهي هذا الإشكال. والمسألة في النفيضة أساسا تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر حين منح الباي «هنشير النفيضة» الذي يمسح 100 ألف هكتار إلى خير الدين باشا كتعويض عن الجراية العمرية التي خصصها له وعجزت الإيالة التونسية عن سدادها، وقد اختلفت الروايات التاريخية حول إذا ما كان خير الدين استحوذ على الهنشير بطلب منه أو إثر عرض الصادق باي، ولكن في الحالتين انتقلت ملكية هذا الهنشير من ملكية الإيالة التونسية إلى ملكية خاصة لخير الدين باشا ليتصرف فيه كما يشاء. الحاجة إلى الملكية وقال رئيس النقابة الجهوية للفلاحين بسوسة محمد هميلة إنّ هناك من الفلاحين من يتصرف في الأرض منذ 90 سنة ولكنه محروم من شهاد ملكية، داعيا الدولة إلى ضرورة الإسراع بحل هذا الإشكال عبر منح شهادات تصرّف على الأقل حتى يتمكن الفلاحون من الحصول على قروض لدفع مشاريعهم واستثماراتهم الفلاحية بما يعود بالنفع على الجميع. من جهته اعتبر الفلاح محمد الغديري أنّ إدارة الغابات هي التي تعرقل تسوية معضلة الأراضي الدولية حيث كانت في العهد السابق تمكّن الفلاحين من كرائها واستغلالها، ولكنها اليوم ترفض ذلك، مضيفا «هناك استهتار بالمواطن اليوم وهناك تعامل غير مفهوم مع هذا الملف، فنفس الإدارة تمكّن الفلاحين في مساكن مثلا من استغلال هذه الأراضي وتمنع الفلاحين في القلعة الكبرى من ذلك». واعتبر كاتب عام جمعية «6648» فؤاد عطية أن المواطنين في النفيضة بحاجة شديدة اليوم لتسوية وضعية عقاراتهم، فهم لا يمتلكون سندا قانونيا للملكية والحال أنهم يستغلون الأراضي وقد شيدوا فوقها بناءات. وجمعية «6648» هي نسبة إلى عدد الرسم العقاري لما يُعرف ب «هنشير النفيضة» الذي يمتد على 100 ألف هكتار. وأوضح انّ عقارات للوكالة العقارية للسكنى والوكالة العقارية الصناعية، تُمنح للمجلس الجهوي للولاية لبناء مساكن في المناطق الريفية دون احترام الملكية وترسيم العقارات المقتطعة من الرسم 6648 مع إحداث رسوم أخرى مما تعذر معه منح شهادات ملكية من إدارة الملكية العقارية. باب للفساد وقد أثار هذا الوضع المعقد مخاوف من أن يتغوّل أصحاب رؤوس الأموال من خلال استثمار نفوذهم وأموالهم لاقتناء أراض شاسعة بأثمان بخسة قبل أن يتولوا «بطرقهم الخاصة» تسوية وضعياتها والحصول على شهادات ملكية، حسب المصدر ذاته، الذي حذّر من ان هذا الملف قد يفتح بابا للفساد. وأبدى كاتب عام جمعية «6648» تحسره لحرمان الأجيال المتعاقبة منذ الاستقلال إلى الآن من شهادات الملكية لتقديمها كضمان للحصول على قروض استهلاك أو لإنجاز مشاريع، مؤكدًا أن منطقة النفيضة تمتلك ثروات هامة من أخصب الأراضي الفلاحية و"أفضل شاطئ" في منطقة الساحل وتوجد بموقع استراتيجي هام بتوسطها لأربعة ولايات، وهي سوسة وزغوان ونابل والقيروان، وهي منطقة تمثل مع العاصمة أكبر سوق استهلاكي بالبلاد التونسية، حسب تأكيده. استغلال ولكن... غير أنّ جانبا من تلك الأراضي يقع تحت عهدة ديوان الأراضي الدولية الذي أنشأ المركب الفلاحي بالنفيضة على مساحة جملية تُقدّر ب 8700 هكتار منها 2000 هكتار مغروسة زياتين و300 هكتار لزراعة الأعلاف والحبوب المرويّة، والبقية مخصصة للمراعي. وأوضح المهندس العام مدير المركب الفلاحي بالنفيضة الحبيب غدير ل «الشروق» أنّ المركب يتولى أيضا تربية 6500 رأس غنم و300 رأس بقر ويشغّل 300 إطار وعامل بينهم 200 مرسم والبقية موسميون. وأشار غدير إلى أنّ الديوان تلقى عدة طلبات من مواطنين لتسوية وضعياتهم العقارية التي تبقى من مشمولات وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية، موضحا أنّ جميع الأراضي مستغلة من طرف الديوان، والأراضي البور مخصصة أيضا للأغنام التي يتولى الديوان تربيتها وأن الكراءات والتسويغ تعود بالنظر إلى وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية.غير أنّ مجمل الملفات التي تم تسويتها من قبل الوزارة لا تكاد تُذكر قياسا بحجم الأراضي الشاسعة التي لا تزال غير مستغلة أو يتم استغلالها دون عقود تثبت ملكيتها أو التصرف فيها، وقياسا أيضا بحجم المساحة التي شهدت توسعا عمرانيا وتم إقامة عدة تجمعات سكنية فوقها دون سندات ملكية. وتحدثت النائبة بمجلس نواب الشعب عن دائرة سوسة نوال طياش عن أنّ ملف الأراضي الدولية وخصوصا الرسم العقاري 6648 بقي طيّ النسيان رغم تعاقب الحكومات نظرا لتعقيداته. وأشارت النائبة إلى أن النفيضة تواجه اليوم عدة إشكاليات بسبب عدم حلحلة هذا الملف، منها المشكل السكني، فأغلب أهالي النفيضة اليوم لا يملكون شهادات ملكية، مؤكدة أنها كنائبة تدخلت عدة مرات مع الوزراء المعنيين ولمست لديهم تفاعلا، مشيرة إلى التسويات الأخيرة وإلى أن الحكومة تقوم بمجهود لحلّ هذا الإشكال وأنّ نواب الجهة يدفعون نحو إيجاد حل نهائي له.