تطالعنا يوميا اخبار تجعلنا نتساءل عن المشروع الحداثي الذي بشرت به دولة الاستقلال فمن المدارس القرآنية الى تصدير آلاف المقاتلين الى بؤر التوتر حيث اضحى التونسيون اشد المقاتلين شراسة وتزعموا التنظيمات الجهادية بل اضحى منطق التكفير هو السائد في مجتمعنا ومجرد الحديث عن المساواة بين الجنسين خطيئة تجعل دم مرتكبها مهدورا. ان هيمنة الوازع الديني على المجتمع التونسي تجعلنا نطرح قضية شائكة تتعلق بالمشروع السياسي والمجتمعي الذي بنيت عليه الدولة الحديثة . فهل اسست دولة الاستقلال على مشروع حديث يقوم على دستور وضعي يعلي قيم المواطنة والمؤسسات ويقطع مع التداخل بين الديني والسياسي في تنظيم الشأن العام ويجعل من المعتقد الديني شانا شخصيا. الاجابة تكون بالنفي فرغم الاجتهادات التي قام بها بورقيبة و تحريره للمرأة عبر مجلة الأحوال الشخصية ظل الفقه مصدرا وظل الشعور الديني محركا اساسيا للمجتمع ومخزونا استراتيجيا للأحزاب تستغله اثناء الحملات الانتخابية. وقد تفاقم الأمر بعد الثورة اذ ظهرت أحزاب ذات مرجعية دينية وطرحت مسالة الهوية وسعت الى اعتماد القرآن مصدرا للتشريع فرغم محاولات الظهور بمظهر الحزب الحداثي الديمقراطي فان خطاب هذه الاحزاب سريعا ما ينكشف اذا وضعت على المحك وارتبط الامر بقضايا خلافية على غرار المساواة بين الجنسين التي كشفت مرجعية هذه الاحزاب التي تسعى الى اخفائها.