هناك من بين التونسيين من لم يرحب بانتصار حزب حركة النهضة في انتخابات المجلس التأسيسي التي انتظمت يوم الأحد 23 أكتوبر الجاري ولديهم أسبابهم في ذلك ومن حقهم ذلك لأن الدخول في منافسة في الإنتخابات تجعل الآمال معلقة على الربح وكل خسارة غير مرحب بها بطبيعة الحال لكن هذا لا ينبغي أن يقلل من أهمية الفوز الذي حققه حزب حركة النهضة ولا ينبغي أن يجعل التونسيين ممن جاءت نتائج الانتخابات مخالفة لتوقعاتهم أو انتظاراتهم أو آمالهم يشككون في جدوى انخراط التونسيين في تجربة الإنتقال الديمقراطي. على أن حلول الأحزاب السياسية الأخرى بين يسار ووسط في مرتبة وراء النهضة وأحيانا بفوارق في الأرقام كبيرة وخروج أخرى خالية الوفاض تماما من هذه الإنتخابات تدفع الملاحظ لطرح أسئلة حول مستقبل المشروع الحداثي الذي انخرطت فيه تونس منذ القرن التاسع عشر وعرف أوجه مع دولة الإستقلال أواسط القرن العشرين حيث تبنت دولة الإستقلال منظومة قانونية خاصة في مجال الأحوال الشخصية جعلت من تونس نموذجا فريدا من نوعه في البلدان العربية والإسلامية كما أنه مكن البلاد من أن تكسب الكثير من الوقت عندما تحررت المرأة وأصبحت شريكا كاملا في المجتمع. واليوم وبعد أن أفرزت نتائج الإنتخابات الأولى التي تلت انتصار الثورة الشعبية (نتائج بقيت غير مؤكدة وجزئية وقتا طويلا بعد ظهور المؤشرات الأولى الدالة على فوز حركة النهضة) تفضيل الناخبين لتوجه سياسي بعينه فإن السؤال بات يطرح حول مدى التزام حزب حركة النهضة والتحالفات الممكنة التي سيعقدها سواء من أجل تأمين الفترة الإنتقالية التي يستغرقها كتابة الدستور الجديد أو من خلال صياغة الدستور في حد ذاته بالمكاسب التونسية وخاصة مدى التزامه بقيم الحداثة التي تبنتها البلاد. ربما كانت تطرح خلال السنوات الأولى التي تلت إعلان مجلة الأحوال الشخصية التي نظمت حياة الأسرة في تونس مسألة اتخاذ القرارات بشكل فوقي قبل أن تأخذ طريقها إلى عقلية التونسيين لأنه لا ينبغي أن ننسى أن بناء الدولة الحديثة في تونس جاء على أنقاض مجتمع تقليدي ومحافظ لكن رويدا رويدا تحولت حقوق المرأة في تونس والمساواة بين الجنسين إلى ثقافة وليست مجرد جملة من القوانين. تربت أجيال تلو أجيال في تونس منذ عقود على المساواة في الحظوظ سواء في التعليم بمختلف مراحله أو في مجال الشغل وفي مختلف أوجه الحياة وقطعت بلادنا أشواطا في مجال بناء عقلية تجعل من المرأة والرجل على حد السواء الند للند وقد شاهد العالم كيف أن المرأة خرجت للشارع مثلها مثل الرجل مطالبة بالحرية خلال الثورة الشعبية وكيف أن التونسي كان يطالب وهو يقوم بثورته بالكرامة وبالمواطنة الكاملة ولم يكن يفرق بين المرأة والرجل. ومن الطبيعي أن يطرح اليوم السؤال بعد أن تصدر حزب اسلامي طليعة الفائزين في انتخابات المجلس التأسيسي حتى وإن كان حزب حركة النهضة ما فتئ يؤكد على أنه من الأحزاب الإسلامية المعتدلة وحتى وإن حرص في برنامجه الإنتخابي على التعهد بضمان حقوق المرأة بل وتعهد بدعمها حسب ما فهمنا, من الطبيعي أن يطرح السؤال حول مستقبل المشروع الحداثي في بلادنا في ظل ارتفاع أصوات باتت تنعق منذ فترة في محاولة غريبة لإعادة التونسيين وهم يتوقون إلى المواطنة الحقة إلى زمن الرعايا بالإيالة التونسية. من الطبيعي ان يطرح السؤال بعد أن أفرزت نتائج انتخابات المجلس التأسيسي تغليب كفة حزب حركة النهضة وصعود بعض الحركات الإسلامية وإذ كنا ولازلنا نعتقد أن الإسلام في رسالته وروحه وفي مضمونه وفي أخلاقه لا يتعارض مع الديمقراطية وهو في جوهره دين تحرر وليس دين خنق الحريات فإن مسالة الزج به في الصراعات السياسية مازال يثير بعض المخاوف خاصة وأن من يطرحون أنفسهم على أنهم يستلهمون من هذا الدين الحنيف أفكارهم وبرامجهم ومشاريع قوانينهم قد لا يكونون دائما في سلوكهم وفي ممارساتهم نموذجا أو مثالا لذلك المسلم الحر والمتسامح والمتخلق بأخلاق الإسلام. من حق الأحزاب الإسلامية أن تطمح لأخذ موقعها في الساحة السياسية ببلدانها ولكن من حق النخب التقدمية والمستقلين أن يعربوا عن تخوفاتهم وأن يطرحوا هواجسهم بقي لا بد من الإشارة إلى أن تونس وإذ منحت في أول تجربة انتخابية ديمقراطية في تاريخها المعاصر فرصة ذهبية للإسلاميين فإن ذلك لا يعني أنها منحتهم صكا على بياض. لقد تحررت البلاد بعد 14 جانفي وبالتالي فإن التونسيين لاسيما من خابت آمالهم في هذه الإنتخابات ينتظرون أن تمارس المعارضة دورها الحقيقي وأن تكون لنا أحزاب معارضة حقيقية. ربما نحتاجها اليوم خارج الحكومة أكثر منه داخلها لأن الديمقراطية لا تنمو في غياب قوى ضغط حقيقية سواء من الأحزاب أو من مكونات المجتمع المدني. نحتاج لطي صفحة أحزاب المعارضة الصورية وأحزاب الديكور ونتوق لحياة سياسية يكون فيها التنافس شرسا من أجل تونس فقد سبق وأعلن التونسيون يوم انتصارهم في ثورتهم أنه لا خوف بعد اليوم. حياة السايب