تحولت مدينة العلوم يوم السبت الماضي إلى فضاء طبي ناقش كل ما يتعلق بسرطان الأطفال. نقاش فرضه اليوم العالمي للتحسيس بمأساة 10 بالمائة من الأطفال من جملة عدد المصابين الجدد بمرض السرطان الذين تسجلهم تونس كل سنة... تونس (الشروق) هم ما بين 12 و14 ألف حالة جديدة تصاب كل سنة بنوع من أنواع مرض السرطان المختلفة ومن بينهم 10 بالمائة تتعلق بأطفال تونسيين يبلغ سنهم ما تحت الثمانية عشر سنة على ان عدد الأطفال الذين لم يتجاوز سنهم الخمسة عشر سنة هم في حدود الأربع مائة حالة حسب احصائيات الجمعية التونسية لسرطان الطفل. ومثلهم مثل باقي أطفال العالم، يعاني الأطفال التونسيون المصابون بهذا المرض الخبيث من سرطان العظام وسرطان الدم وسرطان المخ وهي امراض لم يجد لها العلم الى حد الان الا تفسيرا وحيدا وهو الوراثة او اختلالا بيولوجيا ما. ورغم العدد الهام من المصابين في صفوف الأطفال الا ان الدكتورة نسرين شريط الخياطي، أستاذة مبرزة في علم الأورام بمعهد صالح عزيز، كشفت ان قسم الأورام بمستشفى صالح عزيز يضم وحدة صحية خاصة بالأطفال مرضى السرطان، تتكون من 10 أسرة فقط. بمعنى اخر فان تونس لا توفر الا 10 اسرة لعلاج أكثر من 400 حالة سرطان أطفال جديدة كل سنة. وفي مذكرة صحفية لها، كانت مدينة العلوم قد خصصت فعاليات اليوم العالمي للتحسيس بمرض السرطان لهذه السنة لأربع محاضرات تناولت خصوصيّة سرطان الأطفال والكشف المبكر لسرطان الأطفال وهل يجب أن نخاف من علاج سرطان الأطفال وكيف ندعم الطفل المصاب بالسرطان ونؤطّر عائلته. والسؤال المطروح: هل ان تونس في ظل أزمتها الحالية، لها من الإمكانيات ما يمكن ان يوفر من أجوبة لهذه الأسئلة؟ امال ولكن... وانت تتابع باهتمام مداخلات الأطباء التونسيين المعنيين بمرض السرطان عموما وذلك الذي يصيب الطفل خصوصا، قد ينتابك شعور بالطمأنينة لما لدينا من كفاءات قادرة على قهر هذا المرض. وبالعودة الى الواقع، تصطدم بمشهد مريع في المعهد الوحيد الذي يقدم علاجا لهذا النوع من المرض وهو معهد صالح عزيز بتونس العاصمة. وما زاد على ذلك فهي حلول ترقيعيه تقترحها وزارة الصحة على الفقراء في مختلف مؤسساتها الصحية سواء المحلية او الجهوية او الجامعية المتوزعة على مختلف مناطق البلاد. وفي مداخلته يوم أمس، أراد رئيس قسم العلاج بالأشعة للأورام بمستشفى عبد الرحمان مامي بأريانة، لطفي كشباتي، أن يكون متفائلا بالاعتماد على الأرقام العلمية والطبية معتبرا ان «سرطان الطفل في تونس يعد من الحالات نادرة الانتشار مقارنة بمختلف أنواع مرض السرطان الاخرى التي تصيب البالغين.» مؤكدا ان « امل الحياة لدى الاطفال عند الاصابة بمرض السرطان يتجاوز ال 80 بالمائة عند التكفل الطبي بحالات الإصابة». والحقيقة ان أطفال تونس لا يتمتعون بنفس التكفل الصحي خاصة في علاقة بهذا النوع من المرض القاتل فما بالك بالإحاطة النفسية التي أتت عليها الاستاذة المبرزة في الطب النفسي للطفل والمراهق بمستشفى الرازي، زينب عباس، التي اكدت على « ضرورة الاحاطة النفسية بالطفل منذ ظهور الأعراض الأولى للمرض مرورا بمختلف مراحل العلاج ووصولا الى مرحلة الشفاء». ولكم ان تتصوروا عدد المستشفيات التونسية التي تتوفر على مختصين في طب الأطفال النفسي لتكتشفوا ان ما بين النظري والتطبيقي في تونس لا يتجاوز حائط المقبرة التي تودع فيها جثث مئات الأطفال المصابين بمرض السرطان في تونس سنويا لنقص الإمكانيات وعدم توفر الإطار الطبي المختص. فوضى... ان كان المعهد لا يوفر الا عشرة اسرة لمئات الأطفال المصابين بالسرطان فان هذه المؤسسة باتت عاجزة على استقبال الاف المرضى الذين يعانون من هذا المرض الخبيث. وبلغة الأرقام فقد بلغ عدد العيادات الخارجية لهذا المستشفى 100 ألف عيادة وبمعدل ما بين 10 و12 بالمائة عيادات إضافية كل سنة. ومن الطبيعي ان تنتج هذه الوضعية المزرية حالة من الفوضى نتيجة سوء الخدمات. ومن المنطقي كذلك ان تولد الخدمات الرديئة مواعيد متباعدة وفترات انتظار طويلة للمرور امام الطبيب ما يفتح الباب على مصراعيه امام الرشوة والمحسوبية للحصول على خدمات أحسن. وتتضاعف ماسي البعض باعتبار انهم قادمون من مناطق داخلية اذ إضافة الى مشاق السفر ومصاريف الإقامة بتونس العاصمة عليهم كذلك دفع مبالغ طائلة للحصول على موعد او تقليص مدة الانتظار وان كان الامر يتعلق بتوفير سرير فربما تضطر بعض العائلات الى بيع قطعة ارض للتمكن من معالجة أحد افرادها...