إنّ الظاهرة المرعبة التي اِطلع عليها الشعب التونسي خلال الأسبوع الفارط أطلق عليها الإعلام؛ ظاهرة الاِتّجار بالأطفال، أو بتعبير أدقّ توظيفهم لأغراض دنيئة، حسبما بيّنته السيّدة القاضية في قناة «الحوار التونسي» مساء يوم 5 فيفري وكذلك في حوارات مع بعض السياسيين.. هناك من اعتبر ما سمعه بالصدمة.. وهناك من اِدّعى أنّه على علم بتفاصيل وقائعها... أنا شخصيًّا أعترف بأني صدمت بما سمعتُ، إذ لم أكن أتخيّل تلك الفظاعة، رغم أني لست في غفلة ممّا يحاك في بلادنا من محاولات تخريب فكري واجتماعي ظلامي ورجعي إلى أبعد الحدود، إذ سبق أن جابهت ظاهرة «التحجّب» الذي شاع بين فتياتنا في السنوات الأخيرة الماضية، ممّا دفعني إلى إصدار كتاب مضمونه: «الحجاب ليس من الإسلام»، وصفه كل من اطّلع عليه بالخطير... ولعلّه كان كذلك ممّا كان سببًا في تهديدي من عناصر لم تقرأ الكتاب، وإنّما اكتفوا بسماعهم حِوَارًا عنه في قناة «فرانس 24»، وقد أخذ الأمن هذا التهديد بعين الاعتبار.. أردتُ بهذا الاستدراك الموجز أوّلاً أن أؤكّد وعيِّ بخطورة الإرهاب الفكري والعنفي الذي يهدّد بلادنا.. وثانيا: أنّ ما يحدث مرعب ومخيف إلى أقصى حدّ، مما يفرض علينا المعالجة السريعة والحاسمة، وإني استغرب من موقف الذين كانوا على علم بهذا العبث بالأطفال، واكتفوا بالتبليغ... لذا أردت من المفيد أن ألفت الانتباه إلى بشاعة هذه الجرائم المنظّمة.. ولا أستغرب أن يَكون تأثيرها على نطاق منطقة بلدان العالم الإسلامي، وقد أختير لها موقع خصب هو البلاد التونسية الهادئة إلى حدٍّ ما في تصوّرهم.. قد يظنّ البعض ممن لم يقرأ تاريخ الفتن والصراعات المذهبيّة بأنّني أبالغ وأهوِّل.. ولكنني سآتي لكم بالدليل القاطع على خطورة ما يخطط له، وبدأ الشروع فيه في تونس، قد سبق أن تمّ فعلاً إنجازه في منطقة صغيرة في الشرق الأوسط.. وبعد أن ترعرعت في هذا الموقع الصغير، انتشر شرّها في كل البلدان التي حولها.. يقتلون كل من يخالفهم، ومتى شاؤُوا، ومهما كانت حصانته... ولعلّ بعض المطّلعين أدركوا من أقصد من هؤلاء الأشرار.. لأن جرائمهم أصبحت من أشهر المدارس للمافية العالمية خاصة في إيطاليا وفي بعض المناطق من أمريكا.. وأعني بذلك قصّة «الحشاشين»، التي ظهرت في القرن الحادي عشر، والحديث عنها يتطلب مجلدًا ضخمًا، ولكنني سأكتفي بالعناصر الشبيهة في أسلوبها بما سمعناه من أسلوب الساهرين على تلك الأوكار التي أنشؤوها في مناطق عديدة من بلادنا. وعبارة «الحشاشين Les Assassins» هو اسم هذه المنظمة الرهيبة أصبح شائعا في معظم اللغات ويعني: القاتل خلسة أو غدرا، وغالبا ما تكون ضحيته شخصية عامة، وهدفه التعصب أو الجشع، هذا ما بلغت إليه تلك المنظمة من إجرام... مؤسس هذه الفرقة إسمه الأصلي «حسن الصباح» ثمّ أصبح يدعى «شيخ الجبل» ولكن أنصاره يكتفون بتسميته «الأكبر». استقرّ هو وأتباعه في جبال متاخمة لدمشق و أنطاكية وحلب، يسمّون أنفسهم «بالحشّاشين»، لأنّهم يعطون المخدّرات للأطفال حين يظمّوهم إلى قصورهم ثمّ إلى ثكناتهم. وكانت الجبال التي يعيشون فيها وراء أسوار قلاعهم حصينة، وكان شيخ الجبل يلقي أشدّ الرعب في قلوب كلّ الأمراء العرب القريبين والبعيدين، وكذلك يخشاه الحكّام المجاورون، لأنّ من عادته قتلُهم بطريقة تدعو إلى الدّهشةِ.. كان شيخ الجبل يملك في الجبال عديدًا من القصور بالغة الفخامة، تحيطها أسوار عالية، بحيث لا يستطيع أحد الدخول إلاّ عبر باب صغير عليه حراسة مشدّدة، وفي هذه القصور يُرَبَّى العديد من أبناء الفلاحين الذين يُأْخَذُون منذ طفولتهم المبكّرة، أو يُخطَفُون من الشوارع، وهنا يلقّنهم معلِّمُوهم من طفولتهم إلى رجولتهم الكاملة، أنّ عليهم أن يطيعوا سيّد القلعة في كل ما يقول أو يأمر به على أنه المسيّطر على جميع الآلهة، وأنّهم إذا فعلوا ذلك فسوف يهبهم مسرّات الفردوس، وهم يلقّنون كذلك أنّ لا أمل لهم في النجاة إذا قاوموا إرادته. وأنّ هؤلاء منذ الإتيان بهم أطفالا لا يرون أحدا سوى معلّميهم. وفي الوقت المناسب يجري استدعاؤهم إلى حضرة «الشيخ» وعندما يكونُون في حضرته يسألهم عمّا إذا كانوا راغبين في إطاعة أوامره من أجل أن يمنحهم نعمة الفردوس، وعندئذ ينفّذون ما تلقّوا من أوامر دون اعتراض، ثمّ يرمون بأنفسهم تحت قدميه، ويجيبون بحماسة أنّهم سوف يطيعونه في كل ما يأمر به، وحينئذ يقوم الشيخ بإعطاء كل منهم خنجرًا ذهبيا ويرسلهم لقتل من يشاء من الأمراء.. وبمجرّد أن يتلقى أحدهم الأمر مهما كان صعبًا أو خطرًا يخرج لأداء مهمته دون اعتبار لنتائج فعلته، تلك هي خلاصة من تاريخ الحشّاشين، ورئيسهم شيخ الجبل. لقائلٍ أن يقول؛ الزمن تغيّر، والأساليب تغيّرت، ومع ذلك يجب أن نأخذ العبرة من تنظيم، «داعش» الذي أرهقَ دُولاً قويّة في الشرق الأوسط.. لذا علينا أن ننام بالتداول كي نفسد زرعهم، ولا نترك لهم في هذا الوطن موقع قدم.