أصبح الطريق مفتوحا أكثر من أي وقت مضى لتتولّى امرأة رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة في تونس خلال الخماسية المقبلة. هذا ما يرجوه كثير من التونسيين حين تتوجه إليهم بالسؤال حول حظوظ المرأة في الانتخابات العامة المقبلة. فهل آن أوان إنقاذ تونس على يد نسائها؟ تونس «الشروق» عادة لا يتحمّس المواطنون كثيرا حين تعترض طريقهم في الشارع وتطرح عليهم سؤالا ذا صبغة سياسية. فالناس ملّوا السياسة ويتحاشون الخوض في مواضيع تخصها فيعتذر البعض وينصرف قائلا "لا اريد الحديث عن السياسة صدقا كرهتها" أما حين طرحنا عنهم هذا السؤال "كيف هي حظوظ المرأة في الانتخابات المقبلة" كان الرد الجماعي المفاجئ "نريد امرأة تحكم البلاد لقد جرّبنا جميع الرجال ولم نحصد سوى الخيبات والازمات الاقتصادية والاجتماعية نريد امرأة قويّة تنقذ تونس من خيباتها". هذه الاجابة الجماعية حتما تؤرّخ لمرحلة سياسيّة جديدة للمرأة فالشارع والمناخ العام كان إلى وقت قريب يرفض ايّ بروز للمرأة وما حصل من تهجّم وتكفير للنائبة بشرى بالحاج حميدة خلال صائفة 2018، إثر صدور تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة التي ترأستها، خير دليل عن ترسّخ العقلية الاجتماعية الرافضة لأيّ ريادة نسويّة فيما يتعلّق بالشأن العام. إلاّ ان ما يردّده التونسي اليوم في الشارع وفّر معطى سوسيولوجيا جديدا فيه قبول جماعي ودعم للنساء في مواقع القرار. كفاءات هذا الدور السياسي لم يكن بجديد على التونسية فالتاريخ يشهد ان المرأة كان لها دور في البناء والتأسيس (عليسة) وفي التصدّي للضيم (الكاهنة ديهيا) وحفظ كرامتها (الصداق القيرواني الذي فرضته اروى القيروانية على زوجها كي لا يتزوّج عليها بأخرى منذ سنة 709 م) وبطلب العلم والتفوق والانخراط في العمل الوطني وصولا الى مساهمتها البارزة في التصدّي لتجاوزات نظام بن علي (احتجاجات نساء الحوض المنجمي في 2008) وصولا الى إسناد المرحلة الانتقالية ميدانيا في أمهات المعارك للحول دون المسّ من مكتسبات المرأة التونسية وصولا الى كتابة دستور ينصّ على هذه المكتسبات. والتونسية اليوم هي رقم صعب في جميع المجالات إذ تمثل نسبة حضورها في قطاع التعليم العالي 55.4 بالمئة وفقا لمنظمة اليونسكو وبهذه النسبة تحتل تونس المرتبة السادسة عالميا متقدمة في ذلك عن المانيا (28 بالمئة) والسويد (33.7 بالمئة) وفرنسا (27 بالمئة). كما يكاد قطاع الاعلام يتأنث إذ تناهز نسبة الاعلاميات 80 بالمئة وتقدّر نسبة الصيدلانيات 71 بالمئة ونسبة المشتغلات في قطاع الصناعة 44 بالمئة وفقا لإحصاءات نشرتها وزارة المرأة. ذات المصدر يشير الى ان 54 بالمئة من اطارات وموظفي واعوان الوظيفة العمومية نساء و51 بالمئة من مدرسي التعليم الاساسي نساء و45 بالمئة من القضاة نساء و45 بالمئة ايضا من المحامين نساء. وهن ايضا متفوقات في المهن الصغرى وفي الحرف وفي العمل الفلاحي وفي كل المجالات هناك كادحات ناجحات يصارعن كل صعوبات الحياة برغبة شديدة في النجاح والبقاء. حتّى نسبة البطالة تكاد تتأنّث فاكتظاظ الجامعات بالطالبات وانسداد افاق التشغيل افرز خلال التسعة أشهر الاولى من 2018 نسبة بطالة في صفوف حالات الشهادات العليا بلغت 38.7 بالمئة. هنّ كفاءات وأرقام صعبة في جميع المجالات فما الذي يمنع تولّيهن مناصب القرار والقيادة في الوقت الذي يحصلن فيه على الدعم المعنوي من الشارع لتولّي هذه المناصب؟ ترشحات الشارع السياسي ذاته يبدو انه عدّل بوصلته على هذا المعطى السوسيولوجي والسياسي الجديد فالمرأة ما تزال في قلب المعارك السياسية الدائرة رحاها في تونس منذ 2011. لتدور في كواليس هذا الشارع اسماء نساء مرشحات لخوض غمار الرئاسية من بينهنّ نطرح اربعة أسماء تختلف توجهاتهنّ وانتماءاتهنّ. إذ تقول بعض المصادر إنّ الرئيس الباجي قايد السبسي واستكمالا لمساره الداعم لمكتسبات الحداثة والمشروع البورقيبي قد يدعم ترشّح رئيسة ديوانه ووزيرة السياحة السابقة سلمى اللومي في سباق الرئاسة الجديد وقد يكون ذلك سببا لتكليفها برئاسة الديوان رغم استمراراها في منصبها كوزيرة للسياحة طيلة أكثر من ثلاث سنوات. واللومي هي سيدة اعمال من أبرز وجوه حزب نداء تونس. كما يُطرح بقوة اسم النائبة سامية عبّو وبرز اسمها ضمن نوايا التصويت في اغلب استطلاعات الراي (حصدت 14.2 بالمئة في استطلاع راي نشرته "الشروق" بداية السنة الجارية). ولم تخف عبّو رغبتها في تولّي منصب رئاسة الحكومة في اخر ظهور اعلامي لها الاحد الماضي في إحدى القنوات الخاصة. وعبّو هي محامية ومن الوجوه المناهضة لنظام حكم بن علي وهي ايضا من الوجوه البرلمانية التي شدّت الانظار بمداخلاتها خلال السنوات الاخيرة. ومن الاسماء المرشحة ايضا اسم القاضية كلثوم كنّو وهي من ضمن مؤسسي "مواطنون" المعلن عن تأسيسها مؤخرا وهي مبادرة تجمع شخصيات وطنية ومستقلين ونقابيين تنوي خوض الانتخابات المقبلة وقد تكون كنّو مرشحتها للرئاسية. وقد سبق لكنّو الترشح للرئاسة في انتخابات 2014. وكنّو هي قاضية والرئيسة السابقة لجمعية القضاة التي نكّل بها نظام بن علي. ومن الاسماء المرشحة ايضا عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر بل إن سامي بن سلامة العضو السابق في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ذهب حد القول بانه في حال وجود دور ثاني في السباق الرئاسي لسنة 2019 سينحصر بين الرئيس السابق المنصف المرزوقي وعبير موسى استنادا الى المعطيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الحالية "ذلك ان الاستقطاب الثنائي عائد لا محالة" على حد قوله. في المحصلة هناك قناعة جماعية في تونس بان ما تحقق من انتقال ديمقراطي خلال التسع سنوات التي اعقبت الثورة كان سياسيا بامتياز دون ان يُسند بمنجزات اقتصادية واجتماعية وهي حصيلة جعلت الناس ينفضّون من حول الساسة وربّما يرون في المرأة بديلا ممكنا لاستعادة الثقة في العمل السياسي رغم تغيّبها عن المناصب القياديّة في المشهد الحزبي. إذ لا شيء يمنع التونسية اليوم من تولّي مناصب قيادية في الدولة ومنها تولّي حقائب سياديّة في الوزارات وتولّي منصب رئيسة حكومة ورئيسة جمهوريّة. وإسنادها هذه الثقة فيه بحث عن أمل منقذ يمكنه ان يخرج البلاد من هذا المركب الذي يكاد يغرق. المؤرخ عبد اللطيف الحناشي ل«الشروق»..الواقع مغاير لرغباتنا في انتخاب امراة على عكس ما يسرّ به الشارع من دعم معنوي لترشح المراة في السباق الرئاسي القادم ورغبة في توليها منصب رئاسة الحكومة لا يرى المؤرخ عبد اللطيف الحناشي أي تقارب بين الرغبات وما يفرضه الواقع التونسي مؤكدا اننا ما نزال غير قادرين على تحقيق تلك الرغبات السياسية: كيف كان التاريخ السياسي للمرأة؟ كان دورها محدودا وحتى في الحركة الوطنيّة كان الدور رجاليا بامتياز. ألا تظنّ ان كتّاب التاريخ هم من غيّبوا ربّما دورها في الحركة الوطنية؟ هناك كتابات اهتمتّ بالمراة في علاقة بمشاركتها في الحركة الوطنية لكن النسبة المئوية كانت ضعيفة نظرا للوضعية السوسيولوجية التي كانت تعيشها. فرغم كل محركات التحرّر في البلاد ونضالات عبد العزيز الثعالبي ووجود مجلة الأحوال الشخصية إلاّ ان اول إمراة تتقلّد منصب وزيرة تم خلال العام 1983 وهو تاريخ تولّي فتحية مزالي لوزارة المراة وقد سبقتنا العراق في العام 1958 بتعيين اول امراة وزيرة. وحتى النساء اللاتي برزن كنّ بارزات مع ازواجهنّ مثل قلاديس عدّة زوجة جورج عدّة وبالتالي المراة لعبت دور ولكنه كان محدودا ونضالها اقترن بنضال زوجها وقد اطلعت مؤخرا على نص يقول ان الدور السياسي لوسيلة بورقيبة أيضا تمّ النفخ فيه. وبشكل عام الرجل يحمل في الداخل ضده فهو مع التحرر وتولي المراة مناصب قيادية ولكنّه على الواقع لا يريد هذا الامر دليل ذلك حرب المناصب الحقيقية الدائرة رحاها في الإدارة بين المراة والرجل. هذا تشريح للوضع في المجتمع اما على المستوى السياسي فان بعض الوجوه النسوية برزت بعد الثورة ثم اختفت فاين امنة منيف مثلا وغيرها كثير. وحتى في اتحاد الشغل، الاتحاد التقدمي الحداثي فانه تم ولأول مرة قبيل الاستقلال صعود زوجة محمود المسعدي للمكتب التنفيذي ثمّ بعد اكثر من نصف قرن وفي مؤتمره الأخير صعدت امراة لعضوية مكتبه التنفيذي. وبالتالي رغباتنا شيء وواقعنا شيء اخر تاملوا وضع المراة في الاحزاب الاسياسية وبهذه المعطيات كيف تستشرف حظوظها في الانتخابات المقبلة؟ لابد من تمكّن المراة على مستوى الأحزاب أولا فهي مبعدة في داخل الأحزاب وهي مبعدة من الشأن العام فالهيآت الدستورية لا تتراسها نساء. ومن التناقضات ان اكبر نسبة نائبات هن من النهضة وليس من الأحزاب الأخرى وبالتالي هذه قضية عقليات فيها نظرة دونية للمراة انظروا أولا الى الحياة اليومية للمراة فهي مقياس دقيق لهذا الواقع المناقض لرغباتنا في ان تسودنا امرأة. التونسي يعيش انشطارا في شخصيته