عاد القيادي النهضوي عبد الكريم الهاروني مؤخرا إلى تهديد الشاهد من إمكانية مراجعة دعم حركته للحكومة ما لم تتقيد بجملة من الشروط، ولكن هل بقي متسع من الوقت لتغيير الحكومة أو حتى تحويرها؟. تونس الشروق: ‹›إذا توفّرت الشروط كاملة سنواصل دعم الحكومة وإذا لاحظنا إخلالات سنقوم بمراجعة وضعها›› هذا ما قاله رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبد الكريم الهاروني قبل أن يوضح في تصريح إعلامي على هامش افتتاحه أولى مؤتمرات التجديد الهيكلي بسوسة طبيعة تلك الشروط وكيفية مخالفتها. لم يتعرض الهاروني هذه المرة إلى الشروط الأساسية والرئيسة التي سطرتها حركة النهضة لدعم الحكومة ومنعها من السقوط وخاصة منها التزام الشاهد بعدم الترشح للاستحقاق الرئاسي القادم بل ركز على شروط بدت في السابق ثانوية لكن أهميتها ظلت تتعاظم بعد أن اكتشفت الحركة مثل العديد من الأطراف في المعارضة خطورتها عليهم. هذه الشروط هي «ضرورة تحييد الحكومة والإدارة ومؤسسات الدولة عن الأحزاب» على حد تعبير الهاروني ولكن هل أخل الشاهد وحكومته فعلا بهذه الشروط؟. يواصل تسجيل النقاط ظهر الشاهد خلال نهاية هذا الأسبوع في المنستير وسوسة في صورة الزعيم والمنقذ ومحقق الرغبات والتطلعات. وقبلها بأيام استقبل أبطالا من ذوي الاحتياجات الخصوصية والتقط معهم صور «سلفي». وقبلها أعلن عن تفعيل صندوق الجوائح بعد طول انتظار. قبل هذا تم تصوير الشاهد في صورة البطل الذي اتخذ دون سابقيه قرار عدم التمديد في استغلال الملح وقد أرفق الهالة الإعلامية بعبارة مؤثرة وهي: «حين يتعلق الامر بالمصلحة الوطنية لا نخضع للضغوط». وقبلها كانت له زيارة إلى فرنسا أثارت خشية البعض من خصومه وغيرة البعض الآخر. الشاهد لا يحضر اجتماعات حزبه «تحيا تونس» لأنه «مشغول بواجبه الحكومي» على حد تعبير أتباعه، ويواصل تسجيل النقاط لصالحه وصالح حزبه حتى يستثمرها في الوقت المناسب. تضخيم الرصيد رصيد الشاهد يتضخم داخل الحكومة والدليل في نتائج سبر الآراء المختلفة لكن الشحن الحقيقي متوجه إلى شخصه وإلى حركة «تحيا تونس» في آن واحد حتى إذا حل موعد الامتحان وجدا نفسيهما على أتم الاستعداد لخوض المغامرتين التشريعية والرئاسية والفوز بهما (إذا ما قرر الشاهد في النهاية الترشح للاستحقاق الرئاسي). بهذا يكون عمل رئيس الحكومة مثمرا لشخصه ولحزبه أكثر بكثير من الريع المستحق للحكومة وللبلاد وهذا كفيل بإثارة غضب بقية المتنافسين وغيرتهم لاسيما وأن الشاهد يستغل إمكانات غير متاحة لهم وهي منصبه وحكومته وبعض وزرائه والعديد من الإدارات ومؤسسات الدولة. لكن علينا أن نطرح سؤالين وجيهين: الأول: هل المطلوب من رئيس الحكومة ووزرائه ومساعديه اليوم أن يلازموا مكاتبهم وألا يتخذوا أي إجراء أو قرار اتقاء لشبهة الحملة الإنتخابية السابقة لأوانها؟ والثاني ألا يعلم الجميع بأن كل حزب حاكم يستفيد ضرورة من وجوده في الحكم؟. «مراجعة الوضع» بالنسبة إلى السؤال الأول، يفترض المنطق أن نحدد المطلوب من الحكومة قبل أن نصوت لبقائها أو لتحويراتها الوزارية فنختار حكومة انتخابية يكون هدفها الوحيد تيسير إجراء الانتخابات في موعدها ونحاسبها على كل إخلال أو نختار حكومة سياسية ونلتزم بعدم محاسبتها أو لومها أو تحذيرها. وبالنسبة إلى السؤال الثاني، فالمنطق يفرض أن يكون كل سياسي متأكدا من قدرة الحكومة على إفادة حزب رئيسها سواء أكان ذلك مقصودا أو عن حسن نية، وبهذا يمكن تفهم اعتراض أحزاب المعارضة التي تحسبت للتداخل بين العمل الحكومي والحزبي ولا يمكن أن نوسع الاعتراض على حركة النهضة لأنها دعمت الشاهد منذ أشهر واستماتت في الدفاع عنه ولكن ما قدرتها على التصرف اليوم؟. يقول الهاروني إنه ‹›إذا توفّرت هذه الشروط كاملة سنواصل دعم الحكومة وإذا لاحظنا إخلالات سنقوم بمراجعة وضعها››، وهو يعلم مثل جميع المراقبين داخل النهضة وخارجها أن الاخلالات موجودة ولكن كيف ستتم مراجعة الوضع؟. «إله الوقت» يحرسه إن كان الهاروني يقصد بمراجعة الوضع القيام بتحوير وزاري فهذا غير ممكن لأن الاخلالات تتعلق برئيس الحكومة أكثر من وزرائها ولأن التحوير الوزاري يفترض إرادة من رئيس الحكومة بالتنسيق مع الأحزاب الحاكمة قبل الدخول في إجراءات منح الثقة البرلمانية. وإن كان يقصد الشاهد شخصيا عبر دفعه إلى الاستقالة وتغيير الحكومة كلها فإننا نجد إجابة ضافية وواضحة في قوله: ‹›من غير المعقول اليوم تغيير حكومة أشهرا قبل الاستحقاقات الانتخابية››. ما ذهب إليه الهاروني لا يخرج إذن عن إطار التحذير والتهديد بما لا يمكن فعله كمدرس يحذر تلميذه من مغبة الغياب وهو يعلم مسبقا أنه لن يعاقبه إذا غاب لأن ضرر العقاب سيكون أكبر من نفعه فإما أن يخاف التلميذ فيحضر ويحقق رغبة مدرّسه وإما أن يسخر من التحذير ويستخف به. الواضح أن الشاهد يعلم اليوم أن «إله الوقت» يحرسه وأن ضرر إقالته أكبر على النهضة من نفعها لذلك ستكتفي بالتحذير والتهديد دون أن تقدم على إجراء عملي.