شهد فضاء بيت الرواية في مدينة الثقافة، عشية الجمعة الماضي لقاء ادبيا وحواريا استثنائيا مع الروائي الكبير الدكتور عبد القادر بن الحاج نصر. يندرج هذا اللقاء ضمن سلسلة لقاءات مع رموز الابداع الروائي لبيت الرواية بإدارة الروائي كمال الرياحي وقد حضره جمع غفير من المثقفين ورواد البيت غصت بهم القاعة، وتحدث الدكتور عبد القادر بن الحاج نصر كما لم يتحدث من قبل، بلغة سلسلة وحضور ذهني وقاد، عاد بالذاكرة الى البدايات مع الكتابة التي أكد من خلالها انه لا حياة دون كتابة بالنسبة له عاد الروائي الكبير عبد القادر بن الحاج نصر في هذا اللقاء الى الوجوه الأدبية التي كان لها حضور بارز في مسيرته المفعمة بالحب والحياة الجميلة وحتى الحزن والإحباط في بعض المواقف والاحداث، لكن سرعان ما يهرع الى الكتابة فتنسيه ما عاناه من جحود، ومحاولات للنيل من عزمه في التوق الدائم الى معانقة الشمس بالكتابة. عاد عبد القادر بن الحاج نصر واستحضر البشير خريف وعادته الأسبوعية في اللقاء بالأدباء في احد مقاهي المدينة العتيقة , واستحضر محمد العروسي المطوي ونادي القصة ,وصلاح الدين بن حميدة والملحق الادبي بجريدة العمل سابقا ,ومحمد مزالي ومجلة الفكر ومصطفى الفارسي واحمد اللغماني وبرنامجه الإذاعي الشهير "هواة الادب" والذي كان الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة احد متابعيه ولم يقف الامر عند هذا الحد بل تم بعث ملتقى سنوي ادبي في قصر صقانس بالمنستير يحضره الزعيم الحبيب بورقيبة يتابعه بانتباه ويتدخل بين الفينة والأخرى بالنقاش وابداء بعض الملاحظات، ليخلص بذلك الى التأكيد على ان اهل السياسة والوزراء في تلك الفترة يحبون الادب ويبدعون فيه ولا ادل على ذلك من السياسي الكبير احمد بن صالح الذي رد على كتاب عزالدين المدني "مدينة النحاس" بكتاب "اخبار مدينة النحاس". هكذا كان حال الادب.. مصدر فخر واعتزاز ونخوة من كل الاطياف في المجتمع التونسي، ليتغير هذا المشهد بعد ما اعتبره الدكتور بن الحاج نصر ب «التحول الثاني "-في إشارة الى ثورة 14 جانفي - غاب الفكر وذبل المشهد الثقافي بشكل كبير، فلا سياسي اليوم يهتم بالشأن الادبي والفكري، ورغم ذلك لم يستسلم على اعتبار ان الابداع عملية شاقة لكن العزيمة تبقى عزيمة، فالأدب عند عبد القادر بن الحاج نصر معركة شرسة ضد عدو خفي، والادب أيضا دفاع عن نقاوة الوطن والانسان وإنسانية الانسان. هكذا كانت علاقة المحتفى به في بيت الرواية بالكتابة والابداع الادبي ,علاقة امل وحياة وحب وتحد, لكن هناك في الأعماق مرارة في أعماق اديبنا الكبير , مرارة الجحود وعدم الاكتراث فجدار برلين على حد تعبيره مازال قائما بينه وبين اتحاد الكتاب التونسيين الذي كان من ابرز أعضائه لتنقطع الصلة به منذ نهاية فترة الراحل الميداني بن صالح , ونادي القصة الذي كان من ابرز المساهمين والفاعلين فيه لم يعد يهتم به وبكتاباته... وجع في نفس كاتبنا الرائع الرافض طرق الأبواب والانحناء وهو يشاهد ويعيش معاناة ترويج الكتاب ومعاناة نشره وتجبر وتسلط بعض دور النشر ثم هذا الاسهال الادبي الذي اصبح يغطي الساحة الثقافية والفكرية دون رقيب وفي تعد صارخ على اللغة العربية , ومنطق المحاباة والمجاملة ...والغياب الواضح للبرامج الثقافية الجادة التي تحفظ للأدب هيبته في الكثير من وسائل الاعلام المرئية والمسموعة ... هو وجع في وجدان اديب خبر مختلف مراحل مسيرة الادب في تونس ... مراحل طغت عليها اليوم السطحية والرداءة ورغم ذلك مازال قلمه صامدا , محافظا على خريطة الطريق التي خطها لمسيرته في الكتابة الروائية والقصصية ,كتابة التاريخ بعين الروائي الحصيف , تاريخ الوطن بكل تفاصيله وخصوصيات مجتمعه ...فلا صوت يعلو على صوت الوطن عند عبد القادر بن الحاج نصر وروايته ال14 الطويلة هي تاريخ تونس بكل تفرعاته ونتوءاته وتضاريسه وشمسها المشرقة وبحرها الهادئ وجبالها الشامخة .