ما انفكت الأزمات والمشاكل المختلفة تتراكم في البلاد آخرها أزمة وفيات الرضع..وفي كل مرة تُتّهم الدولة بالضعف والهشاشة وتُتهّم من ورائها «تعددية الحُكّام» بالتسبب في كل ذلك. تونس الشروق فاقمت حادثة وفيات الرُّضع أزمة الثقة بين المواطن من جهة والسلطة والطبقة السياسية عموما. فقد كشفت هذه الحادثة هشاشة وضعف الدولة في التصدي للأسباب المباشرة وغير المباشرة في حصول مثل هذه الازمات أبرزها الفساد والفوضى وتغول «اللوبيات» وانتشار ظاهرة التفصّي من العقاب. وفي كل مرة تكون الطبقة السياسية برمتها ( في الحكم وفي المعارضة) المتهم الأبرز لأنها أظهرت طيلة السنوات الماضية انشغالا مفرطا بالصراعات السياسية من أجل مصالح حزبية وشخصية ضيقة على حساب العمل السياسي الحقيقي القائم على الاهتمام بالمصلحة الوطنية العليا وبمشاغل الناس وعلى الاصلاح. تعددية ..لكن عندما أرسى مرسوم الاحزاب سنة 2011 ومن بعده دستور 2014 مبدأ «التعددية السياسية» كان من المفروض أن يقع استغلاله لتطوير العمل السياسي القائم أساسا على مقاربة « سلطة – معارضة». غير أنه سرعان ما وقع الانحراف بهذا المبدأ ليتحول إلى «تعددية الحُكّام» (او تعددية السلطة) وذلك بفضل الحكم الائتلافي التي وقع ارساؤه مع حكومة الترويكا ثم مع حكومتي ما بعد انتخابات 2014. وهو ما أدى في رأي أغلب المراقبين إلى حالة من الفوضى على مستوى الحكم خصوصا في ظل عدم وجود طرف واضح ووحيد في السلطة تُمكن محاسبته عند حصول الازمات الكبرى على غرار الحوادث الارهابية أو الكوارث الناتجة عن تقصير (مثلا كوارث الفيضانات أو كوارث حوادث النقل وحوادث القطارات أو الحوادث الاجتماعية المختلفة التي تحصل آخرها أزمة وفاة الرُّضع). فقد كشفت مختلف الأزمات والحوادث التي حصلت طيلة السنوات الماضية أنه عند حصول الكارثة يتفصّى الجميع من المسؤولية ولا يجد التونسيون طرفا سياسيا واضحا تُمكن محاسبته. وهو ما أدى إلى فقدان الشعور بالمسؤولية لدى كل طرف شريك في الحكم وإلى عدم تحملها عند حصول المحظور. دور إيجابي في البرلمان كانت الغاية عند ارساء مبدأ التعددية الحزبية والسياسية سواء في مرسوم الاحزاب لسنة 2011 او في دستور 2014 هي تنويع المشهد السياسي حتى تتنوع معه الافكار والرؤى والبرامج ويختار المواطن الناخب الطرف الأفضل بمناسبة الانتخابات، ثم يُفسح المجال في ما بعد لحصول فائدة منها من خلال المعارضة البناءة التي تستفيد منها السلطة. وقد كان للتعددية الدور الإيجابي في تونس طيلة السنوات الماضية في إرساء مقاربة سلطة – معارضة وهو ما سمح بممارسة الرقابة على السلطة وبالضغط لمنع انحراف المسار الديمقراطي ولمنع العودة إلى مربع الديكتاتورية، وتجلى ذلك باستمرار خاصة على مستوى مجلس نواب الشعب. تعددية المُحاصصة في السلطة على مستوى السلطة لم يتحقق المرجو منها وحصل العكس وانحرفت التعددية عن هذا المسار بعد أن تحوّلت أولا إلى «مطيّة» من أجل اللهث وراء التحالفات الهشة والمناورات والمحاصصات ومحاولة إقصاء الآخر دون موجب فغابت بذلك تعددية التنافس السياسي النزيه القائم على تعدد الأفكار والرؤى والبرامج وحلّت محلها «تعددية المحاصصة» و«تعددية المصالح» المؤدية إلى الحكم الائتلافي. وأكثر من ذلك فان الحزب الذي انتخبه الناس في 2014 ليتولى مقاليد الحكم ويقع تحميله المسؤولية عندما يخطئ نجده اليوم في المعارضة ولم يعد بالامكان تحميله مسؤولية ما حصل ويحصل من أخطاء. وبعض الاحزاب لم يعطها الناخبون ثقة كبرى توجد اليوم في الحكم لكن المواطن لا يمكنه محاسبتها عندما تخطئ على مستوى الحكم. كل ذلك جعل الاجماع يحصل تقريبا في تونس حول تسبب «تعددية الحُكّام» في ضعف وهشاشة الدولة وفي عدم وجود طرف وحيد تُمكن محاسبته عوضا عن تقوية الساحة السياسية وتنويعها بالأفكار والبرامج في إطار التنافس السياسي النزيه. التعددية في الدستور والقانون توطئة دستور 2014 : حق التنظم قائم على التعددية وهي أساس التنافس السياسي. الفصل 35 من الدستور: حرية تكوين الأحزاب مضمونة الفصل 53 من الدستور : الترشح للانتخابات التشريعية حق لكل تونسي الفصل 74 من الدستور: الترشح لمنصب رئيس الجمهورية حق لكل تونسي. الفصل 1 من مرسوم الاحزاب لسنة 2011: يضمن هذا المرسوم حرية تأسيس الأحزاب السياسية والانضمام إليها والنشاط في إطارها ويهدف إلى تكريس حرية التنظيم السياسي ودعم التعددية السياسية وتطويرها. 217 حزبا على المستوى السياسي استغل عديد السياسيين مبدأ التعددية من أجل تحقيق الشهرة السياسية السريعة وذلك عبر إقبال كثيرين على بعث مشاريع سياسية بطريقة متسرعة ودون التحضير الجيد لها، وهو ما جعل عدد الأحزاب يبلغ اليوم 217 حزبا دون أن يكون أغلبها قادرا على الممارسة السياسية الحقيقية فغابت بذلك الغاية الأساسية من مبدإ التعددية وهو تنويع الأفكار والرؤى..