لجان التحقيق، ليست لجانا لكشف الحقيقة بقدر ماهي لجان لقبر الحقائق، يتم تشكيلها بضغط شعبي ويقتصر دورها على مماطلة الرأي العام ومحاولة إلهائه بمعطيات وتفاصيل تقنية تمتد على وقت كاف ليًصبح موضوع التحقيق مُتجاوزا. تونس «الشروق» شهدت تونس في السنوات الأخيرة قائمة طويلة من لجان التحقيق التي تم تشكيلها في سياق رد الفعل على ملفات هامة تشغل الشارع التونسي وتُثيره، ثم تختفي هذه اللجان بشكل تدريجي وتًصبح هياكل بلا معنى بعد أن يفقد الملف الذي كُلّفت بالتحقيق فيه أولويته ويتراجع حتى يُنسى. هذه الالية تم استعمالها سابقا، وتُستعمل حاليّا بنفس الأدوات ولنفس الأهداف لكن توارت تشكيلها وضعف منجزاتها أحدث أزمة ثقة في كل لجنة تحقيق يتم الإعلان عن تشكلها، وهو ما يمكن ان يُفسّر موقف الراي العام التونسي من اللجان التي تم الإعلان عن تشكيلها مؤخرا للتحقيق في ملف الرّضع المتوفّين في مستشفى «الرابطة». لجنة التحقيق في شبهات تعذيب أولى لجان التحقيق التي شكلها البرلمان كانت في أوت 2015 وتعلّق عملها بالتحقيق في شبهة تعذيب لسبعة موقوفين على خلفية شبهة انتمائهم لمجموعة إرهابية، هذه اللجنة كانت أو هيكل تحقيقي سُقرّه البرلمان بعد أشهر من بداية أشغال مجلس نواب الشعب ، وكانت إختبارا حقيقيّا لمدى نجاعة اللجان التي سيشكلها البرلمان وتتعاطى مع ملفات أخرى غير الملف التشريعي الذي يحتكره البرلمان. هذه اللجنة عجزت عن تقديم تقرير يتضمّن معطيات هامة ،وغرقت في تفاصيل إدارية حتى انها لم تستطع الحصول على وثائق رسمية باعتبار غياب أي نص تشريعي يمكنها من النفاذ لتقارير ومعطيات سرّية ,واكتفت بزيارة الموقوفين والحديث معهم. لجنة التحقيق في وثائق «بنما» مثّلت النتيجة السلبية التي حققت لجنة التحقيق في تعذيب موقوفين بسبب شبهة انتمائهم لمجموعة إرهابية ،صدمة للراي العام التونسي وحتى للنواب الذين اعتقدوا أنّ انتماءهم للسلطة الأولى يُمكّنهم من الوصول الى نتائج خارقة، وانضاف لهذه الصدمة الحصيلة السلبية جدا للجنة التحقيق حول موضوع الفساد المالي والتهرّب الضريبي الذي تمّ الكشف عنه في ما يسمّى «أوراق بنما» ومدى تورّط تونسيين في هذا الملف . هذه اللجنة التي تمت المصادقة عليها في أفريل 2016 ، لكنها لم تحقق أي انجاز يُذكر، ولئن كانت الانتقادات التي وُجهت إلى لجنة التحقيق الأولى تتعلّق بعدم قدرتها على إنجاز ما يمكن ذكره فان هذه اللجنة لم تستطع حتى عقد اجتماعاتها ،ما عدا مرات نادرة وبقي هذا الملف على حاله إلى أن اختفى من واجهة اهتمام الرأي العام. شبكات التسفير الى بؤر التوتر لجنة التحقيق حول شبكات التجنيد التي تورطت في تسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر عقدت اول جلسة لها في مارس َ2017 ،وهي أشهر لجنة تحقيق تم تشكيلها سواء في البرلمان او خارجه . هذه اللجنة ألقي على طاولتها كشف تفاصيل ملف يتداخل فيه السياسي بالايديولوجي بالتقني .. وهو ما جعل كل حركة منها تُحدث جدلا في تونس وحتى خارجها . هذه اللجنة تجاوز عملها السنتين، في حين تعهد النواب المشكلون لها في بداية الامر انهم لن يتجاوزوا الستة أشهر في عمل يُقدّم لرئيس البرلمان في شكل تقرير ،كما تعهدوا بأنهم سيكسرون الصورة النمطية للجان التحقيق البرلمانية وسيقدمون نتائج إيجابية. بقيت هذه اللجنة تدور في حلقة مفرغة دون تحقيق أي انجاز واقتصرت على عقد جلسات استماع ،تُخلّف جدلا عقيما وتبادل اتهامات ومنها ما خلّف موجة تندّر في الشارع التونسي مثل الحديث عن قيام الإرهابيين بحفر انفاق بطول عشرات الكيلومترات في الجبال التونسية .بقيت اللجنة رهينة الصراعات السياسية ولم تتقدم خطوة واحدة ،حتى انها أصبحت الان مشلولة بسبب عدم الاتفاق على الإبقاء على نوابها في الدورة البرلمانية الفارطة او تجديدهم. تونس ملاذ ضريبي يُضاف الى هذه اللجان، لجنة التحقيق في تصنيف تونس ملاذا ضريبيا، وهي لجنة تم الإعلان عن تشكيلها يوم 10 جانفي 2018 ،وكانت بمثابة رد الفعل على دخول تونس في سلسلة من التصنيفات السلبية التي أثرت بشكل واضح على صورتها الخارجية ،وهو ما دفع النائب رياض جعيدان بالمطالبة بتشكيلها. تشكّلت اللجنة وكان الهدف من تركيزها كشف حقيقة التصريحات الرسمية المتضاربة في هذا الملف، لكنها بقيت رهينة اجتماعات شكلية لم يتم فيها تقديم أي معطى يُذكر إلى أن أصبح هذا الملف متجاوزا. فيضانات نابل أما لجنة التحقيق حول الوضع في ولاية نابل اثر الفيضانات التي اجتاحتها مؤخرا، فقد صادق عليها مجلس نواب الشعب في جلسته العامة يوم 9 أكتوبر 2018، وبقيت على امتداد ما يزيد عن خمسة أشهر دون ان تقوم بأي دور في هذا الملف الذي أوكل الى السلطة التنفيذية بشكل مباشر في التعويضات والتحقيقات، وهو ما يجعل منها حبرا على ورق فقط. لجنة أحداث 9 أفريل أما اللجان التي تم تشكيلها خارج أسوار البرلمان، وهي أساسا لجان تحقيق شكلتها السلطة التنفيذية فلم تكن نتائجها مغايرة لما حصل مع لجان التحقيق البرلمانية ، بل كانت امتدادا مطابقا للجان البرلمان في المشاكل وضعف الإنجازات. أهم هذه اللجان وأشهرها لجنة التحقيق في أحداث 9 أفريل 2012، وتم تشكيل هذه اللجنة بعد ضغط شعبي طالب بكشف حقيقة ما حصل يومها من اعتداءات عنيفة ضد المتظاهرين التونسيين من قبل رجال أمن وعناصر بالزي المدني لا تنتمي لجهاز الأمن ،وتم ذلك خلال مسيرة سلمية بشارع الحبيب بورقيبة في ذكرى عيد الشهداء، هذه اللجنة لم تتمكن من تحقيق أي إنجازات بالرغم من تفاقم المطالب الشعبية بكشف هوية المعتدين. أحداث 4 ديسمبر اللجنة المشتركة للتحقيق في احداث الاعتداء على مقر الاتحاد العام التونسي للشغل التي جدت 4 ديسمبر 2012، بعد ان قام عناصر رابطة حماية الثورة بالاعتداء على عدد من النقابيين. هذه اللجنة المشتركة بين اتحاد الشغل والسلطة التنفيذية تعطلت أشغالها بعد فترة قصيرة من الانطلاق فيها وانضافت الى قائمة اللجان التي تشكلت ولم تنجز شيئا. يُضاف الى هذه القائمة الطويلة من اللجان ،لجنة تحقيق في اللوالب القلبية الفاسدة ولجنة التحقيق في البنج الفاسد.. إضافة الى لجان أخرى منها ما تمكّن من انجاز جزء بسيط من الملف الذي تشكل لكشف حقيقته ومنها ما كان مشابها كليا للجان البرلمانية في مستوى منجزاته.