من يوم لآخر تتأكد حقيقة العلاقة السيئة بين رأسي السلطة التنفيذية، أي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، فالواضح اليوم أنّ الباجي قائد السبسي ما يزال متمسكا بإبعاد يوسف الشاهد عن القصبة مستخدما في ذلك كل الأساليب والأسلحة المتاحة والممكنة. تونس الشروق: السبسي الذي أعلن منذ ماي الفارط عن رغبته في تغيير رئيس الحكومة وفي ظل فشل مسار وثيقة قرطاج 2 في تحقيق تلك الغاية ورفض الشاهد الانسحاب متمسكا بالمسالة الدستورية، طفقا الطرفان في نسج خطط كي يطيح احدهما بالآخر، فقد نجح الشاهد إلى درجة كبيرة في وضع السبسي في مربع صلاحياته الدستورية مدعوما في ذلك من حركة النهضة وحركة مشروع تونس وحزب المبادرة وكتلة الإئتلاف الوطني. تصريحات السبسي المتتالية تدل دلالة قاطعة على فقدان الثقة كليا في الشاهد وفي المقابل اقرّ رئيس الحكومة بان العلاقة تغيّرت ولم تعد كما كانت في السابق، وتتالت الأحداث التي تدل على معركة لي أذرع فعلية. حرّك السبسي ما اعتبره كثيرون أسلحة ثقيلة في اتجاه الشاهد وحلفائه وخاصة منهم حركة النهضة، وكان ابرز الأسلحة تفعيل مجلس الأمن القومي والضغط بقضية الجهاز السري واتهام الحكومة بالتخاذل في ملف مدرسة الرقاب وبلغ الأمر حد التشكيك في صدقية الحرب على الفساد والتهديد برفض التمديد في حالة الطوارئ ومواصلة اتهام الحكومة لكونها حكومة النهضة وانّ الشاهد بصدد استثمار وجوده في القصبة لضرب نداء تونس وتشكيل ما اسماه السبسي نفسه بحزب الحكومة. وهذا ما الحق ضررا بتقليد رسمي للدولة بتكسير قاعدة الاجتماع الأسبوعي الدوري كل يوم اثنين وحدوث اضطراب واضح في علاقة التواصل بين الرجلين، فمنذ 12 فيفري الماضي، لم يجتمع رئيس الجمهورية الباجي برئيس الحكومة في اللقاء الثنائي الدوري بقصر قرطاج. يتزامن ذلك مع ما يتردد عن تصاعد حدة التوتر بين رأسي السلطة التنفيذية خاصة بعد «فيديو» اجتماع مجلس الأمن القومي.. منذ أن تسلم رئيس الحكومة يوسف الشاهد مهامه في اوت 2016 وإلى حدود منتصف سنة 2018 جرت العادة أن يجتمع بصفة دورية برئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في قصر قرطاج مرة كل أسبوع واحيانا كل أسبوعين وذلك للتداول في «الوضع العام بالبلاد» وفق ما تذكره كل مرة بلاغات رئاسة الجمهورية. غير أنه في النصف الثاني من العام الماضي أصبحت دورية هذه اللقاءات مضطربة وتطول أحيانا المدة دون أن يلتقي الرجلان. اليوم مرّ شهر وأسبوع تقريبا على آخر اجتماع ثنائي جمع الطرفين يوم 12 فيفري الماضي دون اعتبار لقائهما الاخير بمناسبة انعقاد مجلس الأمن القومي. وهو ما يزيد من منسوب التساؤلات حول حقيقة ما يتردد عن تقلب علاقة الطرفين خصوصا بعد «حادثة» اجتماع مجلس الأمن القومي الاخير فضلا عن التساؤل عن مدى تأثير ذلك على السير العادي لدواليب الدولة لان الامر يتعلق برأسي الجهاز التنفيذي. تراكمات خلال الأشهر الاخيرة تأكد لدى أغلب التونسيين أن علاقة الباجي قائد السبسي بيوسف الشاهد لم تعد على ما يُرام وهو ما لمّح إليه الطرفان أكثر من مرة بمناسبة حوارات صحفية. كما أن الرأي العام لم يعد يخفى عنه هذا التوتر وذلك في ظل ما يواكبه يوميا من صراعات سياسية بين شقّي قرطاج والقصبة بدأت برغبة الشق الأول ( نداء تونس ورئاسة الجمهورية) منذ مشاورات قرطاج 2 في انهاء مهام يوسف الشاهد على راس الحكومة ثم تواصلت مع ردة فعل هذا الاخير في كلمته التي «هاجم» فيها نجل رئيس الجمهورية حافظ قائد السبسي. وبعد ذلك تواصلت أيضا مع تجميد عضوية الشاهد في النداء وأيضا مع تأسيس «حركة تونس أولا» المحسوبة على الشاهد وانتماء عديد الندائيين لها ودخولها في تحالف مع النهضة. وكان من الطبيعي ان يرافق كل ذلك حديث هنا وهناك عن صراعات مباشرة وغير مباشرة بين الطرفين حول بعض الملفات بما في ذلك ملفات تهم الشأن العام والمصلحة الوطنية.. المزحة التي أفاضت الكأس كل هذه التقلبات تدعمت مطلع الأسبوع بما حصل أثناء انعقاد مجلس الامن القومي أو ما وصفه البعض ب"التلاسن" بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وصنفه بعض المتابعين على أنه القطرة التي أفاضت كأس علاقة رأسي السلطة التنفيذية.. وكان رئيس الحكومة قد تدخل في هذا الاجتماع بالقول إن الحكومة تلقت دعوة متأخرة للحضور في هذا الاجتماع فردّ عليه رئيس الجمهورية بالقول « من هنا فصاعدا سنقوم باعلامكم بموعد الاجتماع قبل شهر». وقد قامت رئاسة الجمهورية بنشر الفيديو المسجل كاملا على صفحتها الرسمية بالفايسبوك وهو ما اثار حفيظة رئاسة الحكومة. حيث تردد – وفق ما ذكرته «الشروق» في عدد أمس - أنّ رئاسة الحكومة ستردّ بقوّة على ما اعتبرته اهانة متعمدة من رئاسة الجمهورية لرئيس الحكومة من خلال نشر الفيديو المنشور على صفحتها الرسميّة. لكن المستشار السياسي لرئيس الجمهورية نور الدين بن تيشة نفى في تصريح لإذاعة موزاييك ذلك بالقول أن تمرير التصريح كاملا أمر عادي وأنه لا يمكن قطعه من كلمة الرئيس. مخاوف ما يتردد عن بلوغ علاقة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة درجة غير مسبوقة من التوتر زاد من حدة مخاوف التونسيين حول امكانية تأثير ذلك سلبا على السير العادي لدواليب الدولة والشأن العام. فالأمر يتعلق بالجهاز التنفيذي وكان من المفروض أن يحصل فيه انسجام تام من أجل المصلحة الوطنية العليا. لكن العكس هو الذي حصل وهو ما قد يؤدي إلى امكانية سعي أحد الطرفين إلى تعطيل عمل الآخر أومحاولة الإطاحة به فقط من اجل مصالح سياسية وشخصية ضيقة دون اهتمام بما قد يتبع ذلك من مشاكل وأزمات اقتصادية واجتماعية يتحمل مسؤوليتها حتما الجهاز التنفيذي.