نظمت منذ ايام قليلة الغرفة النقابية الوطنية لمصدّري زيت الزيتون ورشة العمل حول الترويج الدولي للعلامات التونسية لزيت الزيتون تحت عنوان "التحديات والاستراتيجيات" بغاية مزيد ترويج زيت الزيتون التونسي المعلّب في الأسواق العالمية وزيادة الصادرات. هذه الورشة او الندوة تدخل في اطار تثمين زيت الزيتون التونسي وتصديره معلبا لزيادة العائدات لان تصديره بالطريقة العادية أي "سائبا" لا عائدات كبيرة تذكر له بل ان زيت الزيتون التونسي يتعرض الى عملية سرقة مكشوفة من خلال تعمد بعض الدول التي نصدر اليها منتوجنا سائبا لتعيد تعليبه وتضع عليه علامتها الخاصة لتقدمه على انه منتوج محلي لها. ثروة في مهب الاهمال من نافلة القول التذكير بأن زيت الزيتون هو اهم صادراتنا خاصة ان تونس تملك ثورة مهمة من اشجار الزيتون تصل الى 86 مليون شجرة لتحتل المرتبة الرابعة عالميا من حيث اعداد الاشجار التي تشغل ما نسبته 30 بالمائة من مجمل أراضيها الزراعية ويصل انتاجها من الزيتون الى 190 ألف طنّ يمثل تقريبا حوالي 15 بالمائة من القيمة الجملية للإنتاج الفلاحي و12 بالمائة من الاستثمارات في قطاع الصناعات الغذائية . وتمثّل تجارة زيت الزيتون على المستوى الدولي 43 بالمائة من الصادرات الفلاحية و10 بالمائة من مجمل الصادرات ليكون احد اهم مصادر العملة الصعبة لخزينة البلاد وتشتغل بالقطاع 200 شركة مصدّرة معتمدة رسميّا منها 50 مؤسسة تعمل في مجال التعليب وتملك أكثر من 60 علامة مسجّلة الا ان كميات زيت الزيتون المصدّر التي تمثل حوالي 70 بالمائة من الإنتاج الوطني بمعدل 142 ألف طن لا يصدر منها معلبا الا 17 ألف طن أي حوالي 11.5 بالمائة سنويّا ويصدر زيت الزيتون المعلّب الى كندا ( 27 بالمائة ) وفرنسا ( 24 بالمائة ) والولايات المتحدةالأمريكية ( 13 بالمائة ) وبلدان الخليج بنسبة 15 بالمائة اما المورد الاول لزيت الزيتون التونسي السائب فهي ايطاليا وهنا تكمن المشكلة لان هذا البلد يعيد تصدير زيت الزيتون معلبا ويضع عليه علامة "منتوج ايطالي" ويعمد ايضا الى تشويه زيت الزيتون اذ في سنة 2016 استهدفت حملة إعلامية إيطالية صادراتنا من زيت الزيتون بعد أن رصدت السوق الأميركية حالات غش في صادرات معلبة قادمة من إيطاليا وألقت وسائل إعلام إيطالية باللائمة على الصادرات التونسية باعتبارها المزود الأول لزيت الزيتون وهو ما نفته تونس حينها جملة وتفصيلا لان المنتج التونسي المصدر تتم مراقبته بصفة آلية من قبل مصالح وزارة التجارة ويتم تحليله لدى مخبر الديوان الوطني للزيت المعترف به دوليا وهو ما يؤكد ان عملية تغيير الزيت تمت بعد خروجه من تونس أي في إيطاليا وقبل أن يصل إلى المستورد الأمريكي. ميداليات وتتويجات .. بلا فائدة تحصلت تونس على 16 ميداليات في مسابقة لوس أنجلس الدولية لزيت الزيتون البكر الممتاز 2019 في دورتها العشرين من بينها 3 ميداليات ذهبية و8 فضية و5 برونزية، بالإضافة الى فوزها بجائزة أفضل تصميم للتغليف في مسابقة تم تنظيمها بكاليفورنيا شاركت فيها 530 عينة من زيت الزيتون البكر من 302 منتجين من الأرجنتين وأستراليا وتشيلي والصين وكرواتيا والولايات المتحدة واليونان وإيطاليا واليابان ولبنان والبرتغال وجنوب أفريقيا ،وتركيا وأوروغواي اضافة الى تونس كما حصدت شركة تونسية المراتب الاولى في عدة مسابقات دولية لزيت الزيتون دارت في لوس انجلس وفي لندن وتمكن من التغلب على أكبر منتجي زيت الزيتون في العالم على غرار ايطاليا واسبانيا والبرتغال، ليفوز بأكبر المسابقات الدولية بفرنسا (ميدالية) واليابان (ميداليتان) ولندن (ميداليتان) ونيويورك (ميداليتان) ولوس انجلس (7 ميداليات) وايطاليا ((ميدالية)واضعا الزيت التونسي بجودته العالية في مقدمة زيوت العالم. الا ان كل تلك النجاحات تحققت بمجهودات فردية ولم تكن بناء على استراتيجيا وطنية لتحقيق الاشعاع المطلوب لزيت الزيتون التونسي تقوم اساسا على مزيد تثمينه وفق احدث التكنولوجيات خاصة في مجال التعليب. التثمين .. الحل الغائب كشف استبيان أنجزته وزارة التجارة سنة 2017، أن زيت الزيتون التونسي يواجه عراقيل عديدة تتعلق بالجودة والتصدير. وأكد الاستبيان أن 66 بالمائة من عراقيل التصدير ترتبط بجودة المنتوج و52 بالمائة منها بصعوبة إيجاد الحريف الأجنبي، فيما ارتبطت 49 بالمائة من العراقيل بالكلفة اللوجستية خصوصا كلفة النقل وقد تقدمت الوزارة حينها بمقترحات لتسهيل وتطوير تصدير زيت الزيتون التونسي أهمها ضرورة زيادة الاعتناء بتعليب الزيوت ولاسيما الزيت البيولوجي، وتكثيف المشاركة في المعارض والصالونات العالمية المختصة الا ان كل تلك التوصيات لم يتم العمل بها كما ينبغي لتجاوز كل العراقيل التي تعترض زيت الزيتون التونسي اذ يتواصل تصديره سائبا بنسبة اعلى بكثير من الكميات المصدرة معلبة لغياب مؤسسات التعليب وعزوف المستثمرين التونسيين عن العمل في هذا القطاع لان كثافة انتاجنا من الزيتون ليست متتالية سنويا اذ هي مرتبطة بما تجود به السماء من امطار اضافة الى ان اغلب الاشجار لا تتحمل ان تنتج بكثافة في سنتين متتاليتين وهو ما يحتم الانطلاق بسرعة في تغيير نوعيات المشاتل والعمل صلب المؤسسات التونسية المعنية بتكثيف المشاتل وتطويرها لانتاج نوعيات تونسية وعدم الاكتفاء بتوريد الشتلات الاسبانية على مردوديتها نظرا للفوارق في نوعية التربة وحاجة ذلك النوع الى كميات هائلة من المياه لا يقدر الفلاح التونسي على توفيرها ومن المؤكد ان المؤسسات التونسية المعنية بتحسين المشاتل الفلاحية قادرة على استنباط انواع تونسية صميمة قادرة على التاقلم مع مناخنا ونوعية تربتنا وحين يرتفع الانتاج من الزيتون فان المستثمرين التونسيين سيقبلون على الاستثمار في تعليب زيت الزيتون وفي انتظار ذلك من الممكن الاستفادة من مقترح ياباني تركي بتركيز مؤسسة عملاقة مشتركة بين تونس واليابان وتركيا لتعليب زيت الزيتون وتثمينه بل ومزيد فتح اسواق جديدة قريبة من الشريكين ان تمت الشراكة معهما. عائدات ليست في مستوى حجم الصادرات رغم ان اهم صادرات تونس الفلاحية هي زيت الزيتون بل هو اهم صادراتنا على الاطلاق وما تجنيه تونس من عائدات تعدل بنسبة محترمة العجز الحاصل في الميزان التجاري الا انه رغم هذه الفائدة الهامة التي يحققها زيت الزيتون لتونس على مستوى سد جزء كبير من عجزها التجاري وما يتبعه من تحسين في سعر صرف الدينار الا ان الغائب الابرز في هذه المسالة هي عملية تثمين زيت الزيتون التونسي وتقديم بلادنا على أنها مصدر معترف به ويحظى بتقدير عالمي كبير في هذا المنتوج بالذات واعتباره افضل سفير لمنتجاتنا الفلاحية . .وكان لا بد لتحقيق ذلك الهدف من وضع استراتيجيا وطنية لتطوير تصدير زيت الزيتون المعلب وهذا يمر حتما عبر دعم تطوير تثمين قطاع زيت الزيتون التونسي وتيسير حصول المؤسسات التونسية العاملة في هذا المجال على شهادات لمؤسسات تقييم عالمية مشهود لها بالنزاهة والكفاءة .