من بين الرسائل التي تضمنها خطاب رئيس الجمهورية أمس بمناسبة عيد الاستقلال دعوته الضمنية لإيقاف الصراع السياسي وتوحيد القوى لمصلحة تونس ورسائل محاسبة الحكومة والتنصّل من المسؤولية. تونس-الشروق-: وقبل خطاب رئيس الجمهورية أمس برزت في الفترة الاخيرة العديد من التسريبات وربما الانتظارات من أن يكون الباجي قائد السبسي أكثر تصعيدا في علاقته بحركة النهضة وبرئيس الحكومة، ولئن خصص جزءا كبيرا من خطابه لتحميل المسؤوليات لهما في النتائج السلبية المحققة فإن الجديد في كلمته بروز مسعى جديد لاحياء الوئام والوحدة الوطنية. وحدة الصف وكعادته حرص رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الى توجيه رسائله السياسية بشكل مبطن وحمّال للمعاني والتأويلات المتعددة، غير أن رسالته المتعلقة بإيقاف الصراع السياسي وتوحيد القوى الوطنية لمصلحة تونس كانت غير واضحة. الباجي قائد السبسي ركّز في حيز زمني مهم من خطابه (تقريبا ثلث زمن الخطاب) على تفاصيل الوحدة القومية عقب الاستقلال ليسحب معانيها على المرحلة الراهنة مبرزا حاجة تونس في الظرف الحالي الى الوحدة وتوحيد القوى، واختار رئيس الجمهورية أسلوب سرد الوقائع مذكرا بمبادرته الرامية الى تحقيق الوحدة الوطنية قبل انخرامها. وفي اقراره بأن تونس لا مصلحة لها في تواصل انخرام الوحدة الوطنية، دفع الباجي قائد السبسي برسالة شديدة الوضوح من خلال قوله:» لوكان يرجعلنا الشاهد...ماقلتش شاهد العقل... يلزمنا نمشيو مع بعضنا اليد في اليد» ،مبرزا أنه ليس من المهم تسجيل النقاط السياسية بقدر أهمية وجود فكر رجل الدولة الذي ينشغل بمستقبل البلاد» فماذا يمكن أن نفهم من دعوة رئيس الجمهورية الشاهد الى العودة وما هو الموقع الذي يريده أن يعود إليه ؟ استعادة الشاهد إلى أين؟ من المؤكد أن رئيس الجمهورية لا يقصد بعودة الشاهد رجوعه الى حزب نداء تونس خصوصا وأنه في خلاف كبير مع ابنه حافظ ولكن لإدراكه أن رئيس الحكومة قد مضى اشواطا في مشروعه السياسي الجديد ومن غير المنطقي تراجعه عنها، لكن الاقرب الى المنطق أن يكون معنى الدعوة الرجوع الى الوئام في مستوى العلاقة بينهما والذي برزت مؤشراته في لقائهما الاخير يوم الجمعة الماضي. وتتضح معاني هذه الرسالة من خلال تأكيد رئيس الجمهورية على عدم وجود عداوة وخصومة دائمتين في المجال السياسي كما أنه أراد معاتبة يوسف الشاهد على خيار المضي في تشكيل حكومة ائتلافية بديلة عن حكومة الوحدة الوطنية و خروجه السياسي عن الخطوط التي رسمها الباجي قائد السبسي مستشرفا لمستقبل آخر للعلاقة مع الشاهد من دون الإفصاح بالتفاصيل. غموض فعلى قدر غموض رسالة رئيس الجمهورية في سياق الدعوة الى الوئام و توحيد القوى لمصلحة تونس فإن العديد من مضامينها بقت مبهمة، خاصة في علاقة بما سبقها من تحميله المسؤولية كاملة في الازمة الواقعة الى الائتلاف الحكومي من دون العودة الى تقييم مبادرته الرامية الى الوحدة الوطنية والتي عجزت بدورها في مهمة انقاذ البلاد. في المقابل قد يفهم ايضا من مسعى رئيس الجمهورية امس في استرجاع الشاهد الى ‹›العقل» الذي سكت الباجي قائد السبسي عن ذكره نوعا من التفصي من المسؤولية السياسية سيما وأنه بات يعتبر أن السلطة التنفيذية حاليا برأس واحد بعد مصادقة البرلمان على التحوير الوزاري الاخير،ومن هذا المنطلق بدا قائد السبسي في نظر عدد من الملاحظين يصفي حسابات سياسية من خلال التركيز على محاسبة الحكومة والتنصّل من المسؤولية. وهذا الطرح لا يخدم تحقيق الوئام المنشود والوحدة الوطنية المطلوبة في المرحلة القادمة. في المحصلة وبغض النظر عن تحميل المسؤوليات و ابراز الاتهامات تضمن خطاب رئيس الجمهورية في عيد الاستقلال استخلاصا للعبر من الماضي و التذكير بأن تونس كلما دخلت في مواجهة رهانات كبرى نجحت في تجاوزها بفضل الوحدة الوطنية ، وهذا هو المطلوب حقا في الوقت الراهن للتغلب على الصعاب وتنقية المناخات السياسية قبل الانتخابات.