بعد مخاض عسير وطويل أفضى حراك الشعب الجزائري الرافض لإعادة ترشح بتوفليقة إلى عهدة خامسة والمطالب بتغيير جذري في رأس السلطة وإرساء نظام جديد يتماشى وتطلعات الجزائريين، بعد كل هذا المخاض جاء خبر تنحية الرئيس بتوفليقة ليشكّل منعرجا في سيرورة الأحداث نتمنى أن يفضي إلى تهدئة الشارع الجزائري ويمكّن أبناء الجزائر من التوافق على خارطة طريق تنهي هذه الأزمة التي بدت مفتوحة على عدة سيناريوهات. فقد دعا الفريق قايد صالح إلى تفعيل المادة 102 من الدستور التي تنص على الخطوات المستوجبة إذا استحال على الرئيس ممارسة مهامه بسبب مرض خطير مزمن... والتي تقضي كذلك بأن يتولى البرلمان المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا ثبوت المانع لرئيس الدولة بأغلبية الثلثين مع تكليف رئيس مجلس الأمة بتولي منصب رئيس مؤقت إلى حين تنظيم انتخابات رئاسية في أجل لا يتعدى 90 يوما. والأمل بعد هذا التحوّل الجذري في مجرى الأحداث على الساحة الجزائرية هو أن يشكل حلا يقبل به الجزائريون وأن تجد فيه شرائح الشعب الجزائري ونخبه المخرج الملائم الذي يطوي صفحة هذه الأزمة التي بدت مستعصية ويمكّن الشعب الجزائري الشقيق من التركيز على بناء مستقبله وإحداث التحول الديمقراطي الذي ينشده مع الحفاظ على الدولة وعلى مؤسسات الدولة.. حتى تتجنّب الجزائر كل الهزّات التي يمكن أن تنجرّ عن فراغ مؤسساتي ودستوري لا يخدم إلا أصحاب الأجندات المتربصة بالجزائر والتي لا تفضي إلا إلى الفوضى. فقد تحرّك الشعب الجزائري ونزل إلى الشوارع منذ أزيد من شهر ورفع شعارات تدعو إلى إرساء الديمقراطية وإعلاء راية الحريات في الجزائر وإطلاق الطاقات المبدعة للشباب الجزائري الذي يشكل الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب الجزائري. هذا الشعب تسكنه تطلعات وحاجات وانتظارات تختلف عن تلك التي ساست الأمور حتى الآن والتي حملها واختزلها بناة دولة الاستقلال وجيل التحرير والذين أمنوا بناء دولة عتيدة تجاوز إشعاعها حدود الإقليم إلى ساحة العالم الثالث والساحة الدولية. لقد بدا واضحا على امتداد أيام الحراك الشعبي الجزائري أن شباب الجزائر بات يطالب بحقه في تسلم المشعل... وبحقه في أخذ فرصته للإسهام بطاقاته الخلاّقة في صياغة حاضر الجزائر ومستقبلها على أسس الحرية والمشاركة والتنوع في نظام ديمقراطي يضمن فرض التداول على السلطة... ويضمن تنفيذ خطط تنموية وبرامج تفضي إلى إشاعة التنمية في كل ربوع الجزائر وتفضي إلى توزيع عادل للثروات الهائلة التي تختزنها أرض الجزائر بعيدا عن كل مظاهر الفساد والمحسوبية والحقرة التي طفت في السنوات الأخيرة على سطح الأحداث... والرجاء كل الرجاء أن تفضي هذه الخطوة الجريئة والشجاعة التي أقدمت عليها قيادة الجيش الجزائري إلى توافق شعبي وسياسي كامل على المآلات الدستورية التي ترسمها.. وهي المآلات التي تمكّن من تجنب أي فراغ وتُمكّن من تفويت الفرصة على أصحاب الأجندات الذين ما فتئوا يشحذون سكاكينهم ويسعون لبثّ سمومهم لإحداث الفوضى وإشعال نيران الفتنة... والشعب الجزائري الذي أظهر حتى الآن كل تلك القدرة على ضبط النفس والذي تسلّح بكل ذلك الحس الوطني وبكل ذلك الحرص على تجنيب الجزائر كل المطبات سيعرف كيف يساعد على إيصال السفينة إلى بر الأمان بما يمكّن من تحقيق التحوّل الديمقراطي المطلوب ويحفظ الجزائر والجزائريين من كل الشرور.