أشارت بيانات المعهد الوطني للإحصاء حول المبادلات التجارية مع الخارج بالأسعار الجارية الصادرة قبل ايام الى تفاقم العجز التجاري خلال شهري جانفي وفيفري من سنة 2019 ليصل الى ما قيمته 2462,4 مليون دينار مقابل 2215,3 م د، خلال نفس الفترة من سنة 2018، وفق ما أبرزته الأشغال الدورية التي ينجزها المعهد الوطني للإحصاء حول المبادلات التجارية التونسية مع الخارج بالأسعار الجارية. وسجلت نسبة تغطية الواردات بالصادرات تحسنا بنسبة 0,9 بالمائة نقطة مقارنة بالشهرين الأولين من سنة 2018 حيث بلغت على التوالي 75,8 بالمائة و74,9 بالمائة، حسب معطيات المعهد. ويعزى عجز الميزان التجاري للسلع المسجل على المستوى الجملي للمبادلات، وفق المعهد، الى العجز المسجل مع بعض البلدان كالصين (940 م د) وتركيا (9ر435 م د) وايطاليا (6ر423 م د) والجزائر (5ر420 م د) وروسيا (3ر238 م د). في المقابل، سجلت المبادلات التجارية فائضا مع العديد من البلدان الأخرى وأهمها فرنسا بما قيمته 943,6 م د وليبيا 218 م د والمغرب 95,1 م د. كما تبرز النتائج أن مستوى عجز الميزان التجاري دون احتساب قطاع الطاقة ينخفض إلى حدود 1735,9 م د مع العلم أن العجز التجاري لقطاع الطاقة بلغ 726,5 م د (29,5 بالمائة من العجز الجملي) مقابل 797,8 م د خلال نفس الفترة من سنة 2019. ارتفاع الواردات من المواد الغذائية ويعتبر الخبراء ان السبب الرئيس وراء تفاقم عجز الميزان التجاري التونسي هو التدهور الحاصل في الميزان التجاري الغذائي الذي سجل خلال الشهرين الأولين من سنة 2019 تراجعا في نسبة تغطية الواردات بالصادرات حيث بلغت 90,2 %مقابل 134,2 % خلال نفس الفترة من سنة 2018 مع الإشارة أن هذه النسبة كانت في حدود 74.1% خلال جانفي 2019 ويعزى هذا إلى ارتفاع قيمة الواردات الغذائية بنسبة 20,1 % وتقلص الصادرات ب 18,9% جراء تراجع عائدات زيت الزيتون بنسبة 47 %، مما أدى إلى تسجيل عجز مالي في الميزان التجاري الغذائي بلغ 91,3 مليون دينار (وهو ما مثل 3,7 % من إجمالي عجز الميزان التجاري) مقابل فائض ب 268,3 م د خلال الشهرين الأولين من سنة 2018. وقد سجلت صادرات المواد الغذائية خلال شهرين الأولين من سنة 2019 انخفاضا ب 20,1 % مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2018 نتيجة تراجع مبيعات زيت الزيتون بنسبة 47 % من حيث القيمة (288,6 م د مقابل 544,8 م د) و40 % من حيث الكمية (32,7 ألف طن مقابل 54,5 ألف طن). مع الإشارة الى أنه بدون اعتبار عائدات زيت الزيتون تكون الصادرات الغذائية قد تطورت بنسبة 9%، وذلك بفضل نمو عائدات التمور ب 27 % والقوارص ب 17%، علاوة على تحسن قيمة صادرات الخضر الطازجة بنسبة 22 % ومصبرات الخضر والغلال والأسماك ب 35 %، بالإضافة إلى تضاعف قيمة صادرات العجين الغذائي حيث بلغت 65.4 م د كما تجدر الإشارة الى أن قيمة الصادرات الغذائية خلال الشهرين الأولين من سنة 2019 مثلت نسبة 10,9% من إجمالي صادرات خيرات البلاد مقابل 16% خلال الفترة المماثلة من سنة 2018. في المقابل بلغت قيمة الواردات الغذائية خلال الشهرين الأولين 2019 ما يعادل 932,2 مليون دينار مسجلة زيادة بنسبة 18,9% مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2018، جراء ارتفاع واردات بعض المواد الغذائية على غرار الشعير (108%) والذرة الصفراء (67%) والقمح اللين (47%) وارتفاع أسعارها العالمية، بالإضافة إلى ارتفاع وتيرة توريد مواد غذائية أخرى كالحليب ومشتقاته (+45%) والقهوة (+20%). فيما سجلت بعض المنتجات غذائية أخرى تقلصا في قيمة وارداتها خلال هذه الفترة على غرار السكر والزيوت النباتية ومادة البطاطا بنسب على التوالي 49 % و43 % و59 % نتيجة تراجع الكميات الموردة علما وأن قيمة الواردات الغذائية خلال الشهرين الأولين من السنة الجارية مثلت نسبة 10.2% من إجمالي واردات البلاد مقابل 8.9 % خلال نفس الفترة من سنة 2018. أسباب كثيرة هذا التراجع المستفحل من سنة إلى أخرى اسبابه الرئيسية التباطؤ المسجل في الاقتصاد الوطني مما ادى إلى تراجع صادرات تونس من المواد الصناعية واكتفاؤها في النسبة الاغلب بتصدير المنتجات الفلاحية التي تراجع انتاجها هذه السنة بفعل الجفاف والنقص الحاصل في زيت الزيتون اضافة الى تراجع الدينار امام العملتين الرئيسيتين المتعامل بهما في التجارة الخارجية التونسية وهما الدولار والاورو طبعا دون نسيان تعطل الانتاج لاكثر من سبب اذ اضافة الى الافراط في استعمال سلاح الاضرابات فان ثقافة العمل صارت تقريبا منعدمة عند عموم العمال والموظفين في كل القطاعات كما ان النزعة الاستهلاكية المتفاقمة عند التونسيين دفعتهم الى الاقبال على اقتناء كل المعروضات مما يغري عديد المستثمرين بالترفيع في وارداتهم حتى مما لا نحتاجه في تونس او مما ننتجه لان التوريد اقل كملفة بالنسبة لهم من فتح المصانع والاستثمار في مناخ يتميز بالضبابية وعدم الاستقرار على كل المستويات ولم تقم وزارة المالية ولا وزارة التجارة ولا الحكومة برمتها باي ردة فعل لايقاف نزيف توريد ما لا نحتاجه على الاقل حتى نحافظ على موجوداتنا من العملة الصعبة التي استقرت دون المستوى المطلوب وهو 90 يوم توريدا منذ اشهر وثبتت الدينار في وضعية ضعف امام العملات الاجنبية الرئيسية. التوريد العشوائي الخلل لا يكمن فقط في التهريب كما يدعي بعض المسؤولين الذي يبقى خطره منحصرا في المناطق الحدودية بل يمثل متنفسا لابناء تلك الجهات في غياب تنمية حقيقية هناك تغنيهم عن ركوب الخطر باللجوء الى التهريب بل يكمن ايضا في التوريد العشوائي الذي تم تقنينه وفق كراس شروط صدر منذ سنوات ما قبل الثورة إلا ان تطبيق ما جاء فيه لم يحصل ليتم توريد كميات كبيرة من منتجات يتم تصنيعها في تونس فكان الضرر مضاعفا باستنزاف رصيد البلاد من العملة الصعبة وايضا ضرب المؤسسات الوطنية التي فقدت جراء ذلك قدراتها التنافسية وخسرت اسواقا خارجية كثيرة بل وصارت مهددة بالافلاس مما منعها من تطوير وسائل انتاجها. والملفت للانتباه ان الحكومات المتعاقبة لم تحرك ساكنا ازاء هذه المعضلة كما تقاعست في توفير الدعم اللوجستي للمؤسسات الوطنية على عدة مستويات اذ فشلت الحكومات في توفير المرافقة الديبلوماسية للمؤسسات التونسية للولوج الى اسواق خارجية جديدة بل ان الدعم لبعض الهياكل الساعية الى فتح اسواق جديدة في افريقيا خاصة مثل كونكت ومجلس اعمال تونس افريقيا كان محتشما رغم الدراسات المنجزة اثر رحلات استكشافية لبعثات اقتصادية تونسية من الهيكلين المذكورين. هذه الرحلات اثبتت ان القارة السمراء سوقا واعدة يمكن ان تمتص العجز المسجل في الميزان التجاري لو تم تيسير وصول المنتجات التونسية الى هناك .. معضلة النقل تقاعس الحكومة تجلى ايضا في عدم توفير النقل ولئن تم مؤخرا فتح عديد الخطوط الجوية مع دول افريقية فان ذلك يبقى غير كاف لكلفة النقل الجوي ومحدودية طاقة استيعابه للمنتجات وهو ما يحتم السعي الى فتح خطوط بحرية سواء مع افريقيا او مع دول في اوروبا الشرقية وايضا تركيا لان الموجود منها الان لا يفي بالغرض. بل انه من الغريب ان تتصاعد اصوات من هنا وهناك منددة بالعجز المسجل على مستوى مبادلاتنا مع تركيا رغم انه يأتي في المرتبة الثالثة بعد الصينوروسيا في حين انه تربطنا مع تركيا اتفاقية للتبادل التجاري ممضاة منذ سنة 2005 الا ان تونس لم تستفد شيئا منها لا لتقصير من الجانب التركي بل من تونس فالسلع التونسية لا تصل الى هناك الا بصعوبة، فهل ننتظر من تركيا او من روسيا او من الصين وباقي الدول الاخرى ان توفر هي النقل الجوي والبحري لمؤسساتنا حتى تنقل منتجاتها اليها ام ان الدور موكول الى بلادنا التي ركزت في مبادلاتها على الاتحاد الاوروبي وتناست هذه الاسواق الناهضة التي يتكهن لها كل الخبراء في العالم بانها ستكون في سنوات قليلة قادمة من اقوى الاقتصاديات.