بانعقاد القمّة العربيّة في تونس، تكون بلادنا قد حقّقت الكثير من المكاسب. إذ رغم كلّ الصعوبات والعراقيل والتحديات الماثلة على أكثر من صعيد والرهانات الصعبة، فإنّ تونس عادت لتكون جاذبة لأشقائها العرب، مرحّبة بهم جميعا ومجمّعة لهم رغم إكراهات وضع إقليمي ودولي متداخل ومتشعّب. تغنمُ تونس اليوم، مزايا انتعاشة الدبلوماسية وحنكة القيادة السياسية، في الابتعاد عن مزالق الاصطفاف وحروب الوكالة ورفض التدخّل في شؤون الغير والحرص على الدفع بإيجابيّة لعلاقات عربيّة جيّدة تتجاوز الخلافات الظرفيّة والعابرة وبعيدة عن تصفية الحسابات الضيّقة أو محاولات المسّ من الخصوصيات المحليّة. بالنسبة الى تونس، فإنّ القمة العربيّة نجحت قبل انطلاقتها، بالتأكيد على قدرات الدولة التونسيّة في الاستضافة وكرم الوفادة. فهذا لوحده نجاح تنظيم باهر سهرت عليه كفاءات تونسيّة وأمّنته كأفضل ما يكون أجهزة أمنيّة باتت تستعيد عافيتها ونجاعتها. وهو أيضا نجاح دبلوماسي غير مسبوق تمكّن من خفض منسوب التوتّر بين الأشقاء ومنحهم متنفسا جديدا لتقريب وجهات النظر والتفاعل في أجواء من الثقة والارتياح حول مختلف قضايا الساعة ورسم ما يُمكن من تفاهمات تهم مستقبل المنطقة ودفع عناصر الأمن والاستقرار وسطها. هو نجاح للدولة التونسيّة ودعم إشعاعها الإقليمي والدولي، بما سيكون لاحتضان هذه القمة العربية من تأثير إيجابي على صورة تونس في الخارج ودعم مكانتها وتعزيز حظوظ نجاح تجربتها في الانتقال الديمقراطي المدني والسلمي ورفع سقف الانتظارات من تدفق الاستثمارات الخارجية ومزيد الثقة في سلامة المسار الذي دخلته بلادنا منذ ثماني سنوات. في حضورهم القمّة، بوفود رفيعة المستوى، فإنّ الأشقاء العرب يرفضون دونما شكّ التدخّل في الشأن الداخلي التونسي. بل إنّ قوى فاعلة ومؤثّرة مثل المملكة العربيّة السعوديّة والبحرين والجزائر والكويت، تضعُ اليوم ثقلها ومكانتها المعتبرة وقدراتها المالية والاستثماريّة دعما لتونس الجديدة بما اختارته من توجّهات حضاريّة وثقافيّة وسياسيّة جديدة وناشئة عمادها الحريّة والديمقراطية ودولة المواطنة والقانون والمساواة والانفتاح على قيم العصر. لقد خابت أماني الكثيرين الذين كانوا يُراهنون على أن تنزاح الدبلوماسية التونسيّة عن خيارها التاريخي في الحياد والاستقلالية بمناسبة هذه القمّة أو غيرها. وسيذكُر التاريخ الدور المحوري الذي لعبهُ رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في حماية القرار الوطني وتأمين الوحدة الوطنيّة ورفض كل أجندات التخريب والهدم التي باتت للأسف شعارا مُعلنا لطيف من السياسيّين التونسيّين عملوا ويعملون على ضرب معاني التوافق الوطني الواسع لحسابات ضيّقة ومحدودة الأفق تستثمر في الفتنة والاحتراب والتقسيم المجتمعي. يحقّ اليوم للتونسيّين والتونسيّات الافتخار بالمكانة التي تحظى بها بلدهم ودولتهم على الصعيد الدولي والإقليمي والقاري، كمنارة للأمن والاستقرار وواجهة للسياحة وتنظيم الملتقيات والمؤتمرات الكبرى وقلعة من قلاع الحريّة والديمقراطية والتداول السلمي على السلطة في المنطقة. وهذا لوحده كفيل بمزيد تعزيز فرص النهوض والتطوير والتنمية في المستقبلين القريب والبعيد.