أنا لا أفشل في الزواج ... أنا أنجح في الطلاق جملة طالما تبجحت بلوكها في الحانات على مسامع الندامى ، فيقهقهون ، وأطلب نخبا جديدا .... كانوا يتعجبون كيف استطعت التخلص من ثلاث زوجات دون أن أدفع مليما واحدا كنفقة أو تعويض لأي واحدة منهن... العديد من الاصدقاء والاصحاب هموا بالطلاق لكنهم لم يفلحوا، فقوانين الطلاق في تونس حازمة جدا ، ونساؤها لسن غبيات ، وحتى ان كن محدودات الثقافة أو التحصيل العلمي فإن المحامين يتكفلون بقلع أعين الازواج بالنفقة وحتى بالتنازل عن منازلهم . وكنت أداعبهم بتلك الجملة المستفزة : «من يهدد بالطلاق لا يقدم عليه أبدا ثمة من يهدد بالطلاق وثمة من يطلق ، ولن تكونوا أبدا من الصنف الثاني أيها الجبناء» . بعد طلاقي الثالث استعذبت معاودة حياة العزوبية ، اعمل صباحا كمصمم اعلانات باحدى الاذاعات الخاصة ، اما ساعات المساء والليل فأنفقها بين الحانات والكتب وأحيانا بصحبة فتيات لا يبحثن عن الزواج . مطالعة الكتب جعلتني افتتن بالكتابة فانغمست فيها ، كان خيالي خصبا لنسج الحكايات ، خيال جامح لا تقض مضجعه مناكفات زوجة ولا طلباتها وكتبت ... كتبت ... كتبت توقفت عن الذهاب الى الحانات ، وعودت نفسي على اطفاء عطشي في شقتي المتواضعة حتى لا أبتعد عن طاولة الكتابة . ومضت الايام والسنوات « كالماء بين يدي» ، لم أفلح في نيل حظوة أدبية ولا حصلت على جائزة أجنبية او محلية . بدأ جسدي يخونني ، وأصبحت زبونا وفيا لدى مصحات الأطباء . لم يكن لي أصدقاء ، وحتى اكون صادقا لم أستطع ان احافظ على افضلهم لم انتم ابدا لحزب أو جمعية ولم تكن مداخيلي جيدة حتى أوزع الجعة والنبيذ وأبتني علاقات حتى لو كانت انتهازية . زوجتي الثالثة كانت حاملا عند طلاقنا ، لم أطلق على ابني اسمه ، لم أشهد ختانه ، لم أسمع منه «بابا» بلكنته الطفولية، ولم تكن اللقاءات الاسبوعية به كافية لاحس بحبه لي ، كان يختلق الاسباب لتفويت مواعيده معي . اعتقدت في البداية أن والدته تحثه على فعل ذلك ، لكني كنت مخطئا ، لقد فشلت في جعل ابني يحبني ، فشلت في الكتابة ، فشلت في الحياة . انا موسيقي لا يعزف الا على مقام الفشل . وها أنا أسعل وحدي في الظلام الثلجي لبيتي ، وأعلم اني سأموت وحيدا ، قد يكتشف الناس موتي بعد أسبوعين أو ثلاثة .. واعلم أن لا أحد سيقول كلمة طيبة عني أو عما كتبت سيكتفون بالتعليق دون اطالة : عاش فاشلا ومات فاشلا . * هذه القصة كتبها الأسعد بن حسين دون أن يستعمل فيها حرف «الراء» علما أنٌه لا ينطق هذا الحرف