لم يسبق أن أثارت زيادة في أسعار المحروقات موجة غضب وسخط لدى التونسيين كالتي أحدثتها الزيادة الاخيرة. فرُقعة الاحتجاجات اتسعت، ولهجة التنديد والرفض من الاحزاب والمنظمات الوطنية ارتفعت ، ولا يُعرف إن كانت الحكومة ستقبل بالتراجع عن هذه الزيادة أم لا. تاريخيا، ظل قطاع المحروقات والطاقة في البلاد مُحاطا بالغموض والشكوك قبل ان يتحول في السنوات الاخيرة إلى مصدر أزمة اقتصادية واجتماعية دائمة في البلاد دون أن تقدر الدولة على تجاوزها لإيقاف تداعياتها الخطيرة على استقرار الوضعين الاجتماعي والاقتصادي في البلاد. فالزيادات المتتالية في أسعار الكهرباء والغاز والبنزين تكون دائما متبوعة بزيادات أخرى في أسعار النقل ومختلف المنتوجات وهو ما سيرفع في كل مرة منسوب الاحتقان والغضب الشعبي في وقت تحتاج فيه البلاد إلى أكثر ما يمكن من هدوء اجتماعي ونماء اقتصادي واستقرار. فالحكومات المتعاقبة تبرر كل مرة الزيادات المتتالية بتدهور وضعية المالية العمومية وبمحدودية الانتاج الوطني من الطاقة وبارتفاع حاجياتنا وأيضا بارتفاع كلفة توريد النفط.. لكن من جهة أخرى لم تنجح أية حكومة إلى حد الآن في تركيز منظومة الطاقات البديلة والمتجددة لانتاج الكهرباء والتي أصبحت في السنوات الاخيرة ملاذ الدول لتفادي أزمة ارتفاع سعر البترول في العالم. ويحصل كل ذلك رغم ما تتوفر ببلادنا من امكانات طبيعية للطاقات البديلة ، وهو أمر مثير للاستغراب وللشكوك. ومنذ أكثر من 8 سنوات تعطّل منح رخص الاستغلال للشركات النفطية الدولية في بلادنا وذلك في ظل وضعية قانونية ودستورية معقدة أصبحت تفرض مرور كل التراخيص على مجلس نواب الشعب للمصادقة عليها. وهو ما نبه منه مؤخرا رئيس الجمهورية بالقول ان أغلب الشركات الدولية في مجال النفط غادرت بلادنا بعد أن طال انتظارها للحصول على تراخيص الاستغلال فتراجع الانتاج الوطني. إضافة إلى كل ذلك فان تونس بقيت من الدول القلائل التي تعتمد منظومة بالية لدعم المحروقات، حيث ان هذا الدعم يستفيد منه الأثرياء كما الفقراء ومتوسطي الحال والشركات الربحية، ويدفع الجميع الثمن نفسه عند التزود بالوقود أو عند خلاص فواتير الكهرباء والغاز، ومن الطبيعي ان يحصل الاحتقان لدى الطبقتين الفقيرة والمتوسطة كلما حصل ترفيع في الأسعار. إن أزمة المحروقات والطاقة في البلاد وما يترتب عنها من احتقان وغضب شعبي أصبحت تقتضي من الدولة التخلص في أقرب وقت من مختلف أسبابها وذلك عبر اصلاح منظومة الدعم الطاقي وإعادة النظر في مسألة تراخيص استغلال آبار النفط وتوفير رغبة حقيقية وإرادة سياسية لارساء منظومة الطاقات البديلة.. ودون ذلك ستظل أزمة دائمة.