ينهي الغنوشي السنة القادمة رئاسته لحركة النهضة دون أن يكون له الحق في ولاية إضافية، وبالتوازي يبدو مصرا على عدم الترشح لرئاسة الجمهورية فأي مستقبل له؟. تونس الشروق: راشد الغنوشي رئيسا لحركة النهضة في ولاية ثانية، أي إنه لا يملك الحق في الترشح لولاية ثالثة خلال السنة القادمة تبعا لقانون الحركة الداخلي ما يعني أن علاقته برئاسة النهضة تنتهي رسميا سنة 2020 ليحل محله رئيس آخر. هذا التخلي المفترض دفع بالبعض من المراقبين إلى التكهن بتحول الغنوشي إلى قصر قرطاج ليحل محل الباجي قايد السبسي بناء على شعبية حركته وانضباط قاعدتها الانتخابية ومكانته لديها فضلا عن أخبار غير مؤكدة حول صفقة أبرمت بين الشيخين منذ سنة 2013 حول التداول السلمي بينهما على رئاسة الجمهورية. هذه التخمينات قد تسقط في الماء نظرا لعدم ترشح الغنوشي للاستحقاق الرئاسي وعدم إمكانية التكهن بمراجعته موقفه. فبماذا سينشغل مستقبلا؟. مرشدا أعلى؟ هناك فرضيات ثلاث حول علاقة الغنوشي المستقبلية بحركته فإما أن يقع تحوير القانون الداخلي بما يسمح له بولاية ثالثة، وهذا مستبعد لأن الحركة ستقدم مثالا سيئا في احترام القوانين ولاسيما قانونها الداخلي الشبيه بالدستور كما إن بعض الحالمين بالرئاسة من داخل الحركة لن يرضوا بالتقليل من حظوظهم ولا من حقهم في التداول على المنصب الأول. الفرضية الثانية أن يتقاعد سياسيا ويتفرغ لكتابة مذكراته أو ينشغل بالتنظير لحركته. وأما الفرضية الثالثة فهي أن يسلم الرئاسة النهضوية الفعلية والرسمية ويمسك بالرئاسة الشرفية التي يكتفي فيها بالتوجيه والنصح والتدبير كما لو كان مرشدا أعلى لحركة يمكن أن يستلهم منها المعجبون خارج تونس التجربة الجديدة من الإسلام السياسي. في كل الحالات من المستبعد جدا أن تنقطع علاقة الغنوشي بحركته وإن كانت الفرضية الثالثة أقرب إلى المنطق فماذا عن علاقته بالدولة؟. محرك أساسي الغنوشي فاعل مؤثر في سياسة الدولة وهذا التأثير واضح على مستوى رئاسة الدولة والحكومة. فعلى المستوى الأول تبدو بصمته واضحة في إقامة التوازن مع الباجي قايد السبسي رغم تحول علاقتهما من التوافق التام إلى التضارب. وأما على المستوى الثاني فإن تخطيط الغنوشي وتكتيكه هو الذي أخرج الحركة من الحكم شبه المطلق في عهد الترويكا (الأولى والثانية) وأبقى عليها في الحكومة بعد تشريعية 2014 قبل أن تحكم قبضتها عليها بالحيلولة دون إقالة الشاهد. الغنوشي هو الذي حول يوسف الشاهد من رئيس توافقي للحكومة يأتمر بأوامر رئيس الجمهورية إلى رئيس يمارس صلاحياته الدستورية كاملة ويمد عينيه حتى إلى صلاحيات رئاسة الجمهورية بما أنه يستمد بقاءه وقوته من حركة النهضة وهذا كله يحسب للغنوشي ويظهره في صورة المحرك الأساسي للمشهد السياسي. بعد الانتخابات القادمة سيتغير الوضع ولو قرر الغنوشي الترشح في آخر وقت للرئاسية فسيكون له حظ كبير في الفوز لكننا سنتعامل مع الأمر الواقع حتى اليوم وهو عدم رغبته في الترشح: رئاسة مجلس النواب؟ لن يكون للغنوشي التأثير نفسه في السياسة التونسية لو سارت الأمور نحو المنطق الذي يفترض تسليمه رئاسة النهضة والعزوف عن الترشح لرئاسة الجمهورية. هناك من يتوقع أن يترشح في إحدى القوائم الانتخابية التشريعية حتى يكون له حظ في رئاسة الحكومة أو رئاسة مجلس نواب الشعب لكن الرأي عندنا أن من يعزف عن الترشح لرئاسة الجمهورية لن يطمع في رئاسة الحكومة ولا في رئاسة مجلس نواب الشعب. فرغم محدودية الصلاحيات الدستورية الممنوحة لرئيس الجمهورية فإنه يبقى المنصب الأنسب لمن يبحث عن البرستيج لشخصه وحزبه ولمن يحلم بمغادرة المشهد السياسي من أوسع الأبواب. قريبا يحتفل الغنوشي بعيد ميلاده الثامن بعد السبعين وعندما ينهي ولاية ثانية على رأس النهضة سيكون على أبواب الثمانين وهي سن مناسبة للابتعاد نسبيا عن الواجهة والاكتفاء بالتوجيه من وراء الستار إلا إذا رأى الاقتداء بصديقه الباجي في الحكم على نفسه بالحضور السياسي مدى الحياة. الغنوشي في سطور ولد يوم 22 جوان 1941 بحامة قابس. درس أصول الدين في جامعة الزيتونة، والزراعة في جامعة القاهرة ثم الفلسفة في دمشق. عضو مؤسس للجماعة الإسلامية أوائل السبعينات لكنه خالف مبدأها الأساسي (بوصفها حركة فكرية غير مسيسة) فأسس لاحقا حركة الاتجاه الإسلامي. عفا عنه زين العابدين بن علي وعلى حركته وسمح لها بخوض انتخابات 1988 التشريعية شريطة تغيير اسمها بما لا يخالف قانون الأحزاب الذي يمنع تأسيس أي حزب على أساس ديني فغيرت اسمها إلى النهضة لكن علاقتها بالنظام ساءت فخير الغنوشي الهجرة والاستقرار في لندن. عاد بعد الثورة ليقود حركته نحو الفوز بانتخابات المجلس التأسيسي سنة 2011 وقيادة حكومة الترويكا قبل الاكتفاء بالمرتبة الثانية في تشريعية 2014. اتفق مع قايد السبسي سنة 2013 على التوافق بين حزبيهما بما سمح للنهضة بالبقاء في الحكم إلى اليوم يرأس حركة النهضة في ولايته الثانية التي تنتهي رسميا سنة 2020. لا رغبة له في الترشح أكد رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي أن لا رغبة له في الترشح للاستحقاق الرئاسي القادم وفق ما نقلته عنه موزاييك آف آم أواخر مارس الماضي. وقال الغنوشي حسب المصدر ذاته «إن الحركة لم تحسم موقفها بعد في هذا الغرض». مضيفا أن «المطلوب اليوم هو رئيس توافقي، وأن الحركة لم تدخل في محادثات مع الأحزاب السياسية في هذا الإطار».