لم ينتظر نداء تونس تعليق رئاسة الجمهورية على اللقاء الذي جمع السبسي بالغنوشي مساء الاثنين. بل أصدر بيانا سريعا متسرعا أكد فيه عدم التراجع في إنهاء التوافق بين الطرفين. فلماذا يصر الطرف الأضعف على إنهاء علاقته بالطرف الأقوى؟ تونس (الشروق) «تعتبر حركة نداء تونس أن الحكومة الحالية هي حكومة حركة النهضة. وعليه فإن الحركة غير معنية بدعمها سياسيا». هذا ما أكده نداء تونس ليلة الاثنين قبل أن يضيف في بلاغ حمل توقيع الناطق الرسمي باسم الحزب أنس الحطاب أن «التوافق الذي تم العمل به بين السيد رئيس الجمهورية وحزب حركة نداء تونس من جهة وحركة النهضة من جهة أخرى منذ انتخابات 2014 يعتبر منتهيا». البلاغ لم يتحدث باسم الحزب فحسب ولا باسم رئاسة الجمهورية فقط بل أيضا باسم رئيس الدولة الباجي قايد السبسي وهذا لا يعني - حسب رأينا - مجرد خطإ إجرائي. بل هو مسارعة من الحزب نحو غلق الباب أمام العودة إلى التوافق مع النهضة. ولكن هل عبّر فعلا عن إرادة الباجي؟ فرضيتان «أكد السيد رئيس الجمهورية الاستاذ الباجي قائد السبسي أن قبول الزيارة (زيارة الغنوشي) يتنزل في إطار انفتاحه واستجابته لجميع أفراد الشعب التونسي دون إقصاء وأن الموقف الرسمي من حركة النهضة يبقى إنهاء التوافق. كما صرح به منذ خطابه الأخير بتاريخ 24 سبتمبر 2018». ولم نسمع هذا القول من رئيس الجمهورية ولا من الناطق الرسمي باسم الرئاسة. بل نقله عنه أبناء حزبه في البلاغ الذي أصدروه ليلة الثلاثاء مما يضعنا أمام فرضيتين: فإما أن يكون الباجي قد صرح بما نقل عنه قبل أن يبشر أبناء حزبه بتأكيد موقفه الجديد من حركة النهضة وتثبيته رغم اجتهادها في محاولة ثنيه، وإما أن يكون الندائيون من أتباع ابنه حافظ قد نسبوا إليه ما يريدون منه دون العودة إليه وربما دون معرفة ما قاله للغنوشي حتى يضعوه أمام الأمر الواقع الذي يرضون به وهو دفن التوافق مع النهضة. فما سبب هذا الإصرار؟ خيانة ؟ يمكن تقسيم الأسباب - منهجيا - إلى أقسام ثلاثة أولها يتعلق بالماضي وثانيها بالحاضر وثالثها بالمستقبل وإن اجتمعت ثلاثتها تحت عنوان موحد. وهو انتفاء المصلحة: ففي الماضي استفاد النداء من التوافق. لكنه تضرر أكثر خلافا لحركة النهضة التي استفادت أكثر مما تضررت. أهم محطات الضرر الندائي حصلت في انتخابات ألمانيا الجزئية. حيث تجرع النداء فشلا أرجعه بعض الندائيين إلى ما وصفوه بخيانة النهضة. وكانت المحطة الثانية في الانتخابات البلدية التي قال عنها البعض مثل رئيس البناء الوطني رياض الشعيبي إن النداء وافق على تاريخها. وإن الباجي أصدر أمره الرئاسي حول إجرائها بعد ضمانات من النهضة تلتزم فيها بالحلول ثانية خلف النداء لكنها نزلت بثقلها كله لتكون الأولى في ما يشبه «النكث بالوعد» على حد قوله قبل أسابيع في تصريح إعلامي. وكانت المحطة الثالثة في الحملة التي شنها محسوبون على النهضة تجاه قايد السبسي ومبادرته المتعلقة بالمساواة رغم التطمينات التي تلقاها منذ أوت 2017 من القيادة النهضوية. إعادة شحن الرصيد لم تكن حركة النهضة شريكا حميما للنداء وفق قناعة أبنائه. الأمر لا يتعلق بالماضي فقط بل أيضا بالحاضر ذلك أن الحركة غلبت مصالحها عندما تصدت لرغبة النداء في إقالة حكومته ورئيسها يوسف الشاهد، مما أدى إلى انقسام ما تبقى منه بين معارض للشاهد ومريد. والأكثر من هذا أن هناك من يدعي أن موافقة النداء على إجراء الانتخابات البلدية في الموعد المعلوم كان مقابل ضمانات من النهضة بالتخلي عن الشاهد بمجرد غلق صفحة الانتخابات لكنها غيرت موقفها بطريقة أزعجت قيادات النداء. فالحركة التي لم تنفع شريكها في أهم امتحانات الماضي وتزيد في الاستخفاف به وتدميره حاضرا لن تنفعه مستقبلا. هذه القناعة الندائية تتعزز بمعطى مهم. فنداء تونس فاز بالتشريعية الماضية بفضل مساهمة كبيرة من خصوم النهضة (التصويت الموجه) وإذا حلم بإعادة الكرة فما عليه إلا أن يحاول من الآن استعادة أنصاره وشحن رصيده الانتخابي عبر إعلان القطيعة مع النهضة. تحسبا لحدوث المعجزة قد تبدو للبعض محاولة يائسة من حزب يوشك على الاضمحلال. وقد يراها البعض الآخر انتفاضة الديك المذبوح. ولكن الثابت أن النداء لن يغنم شيئا من حفاظه على توافق يصفه العديد من السياسيين ب»المغشوش». وقد يغنم شيئا من المحاولة وإن بدت حظوظ نجاحها قليلة. قد يعود النداء إلى قوته. وقد يتغلب على حركة النهضة لو حدثت المعجزة بعودة بعض الندائيين الغاضبين ورفع التجميد عن الشاهد وإقامة مؤتمر تأسيسي وانتخابي أوائل السنة القادمة. والأهم بإقامة تحالف أو اندماج مع مشروع «الائتلاف الديمقراطي» مثلما يروج البعض حاليا على غرار رئيس حركة مشروع تونس محسن مرزوق. لو تحققت المعجزة فإن النداء سيؤدب شريكته السابقة على ما ألحقته به من مضرة و»خيانة». فيخرجها من الحكم ويرفع عنها لحاف الحداثة والمدنية الذي يحميها به من التهديدات الداخلية والإقليمية. بلغة المنطق لن تحصل المعجزة مادام حافظ قايد السبسي مصرا على ممارسة حقه في السياسة والقيادة وما دام خصومه من الندائيين مصرين على إقصائه وحرمانه مما يراه حقا .ولكن من يعلم فقد يفكر جميعهم في مصلحة حزبهم للمرة الأولى في اللحظة الحاسمة. في السياسة ليس هناك مستحيل. لهذا نلمس الفرق في المواقف بين حزب لم يعد لديه ما يخسر. وبات مستعدا لأي انتفاضة قد تعيد إليه الروح وبين حركة تملك كل شيء وتخاف أن تخسر كل شيء. قالوا عن نهاية التوافق لنكن واضحين، فالتوافق في جوهره هو مع رئيس الدولة الذي يتمتع بثقة كبيرة ويحمل قدرا كبيرا من استيعاب الاختلاف والتنوع. فنحن نعتبر أنفسنا في شراكة مع رئيس الدولة. وننتظر من نداء تونس تعدي نفسه واستيعاب أوضاع ما بعد الانتخابات البلدية...››. (عضو مجلس شورى حركة النهضة زبير الشهودي من حوار نشرته "القدس العربي" يوم 12 جويلية الماضي). «رئيس الجمهورية محافظ على العلاقة الخاصة بينه وبين الغنوشي. لكن التوافق مع حركة النهضة قد انتهى مثلما أكّده سابقا في حواره التلفزي على قناة الحوار...». (الناطقة الرسمية باسم رئاسة الجمهورية سعيدة قراش من تصريح أدلت به أمس ل»آخر خبر»). «إذا خُيّرت النهضة، ستختار دعم رئيس الحكومة يوسف الشاهد والاستقرار الحكومي على التوافق مع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي… لو كلّفنا اختيار الاستقرار الحكومي فض التوافق لن نكون المسؤول الأكبر والمباشر عن هذه النتيجة…». رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة نور الدين العرباوي من مداخلة على «شمس أف أم» يوم 25 سبتمبر الماضي).