قال لي صديقي تبريدا لخاطري وتطييبا لنفسي: «لا تحزن، إنّ الله معنا». كانت كأسي قد فاضت من الهمّ ولم يبق لي إلاّ أن أغادر البيت إلى حيث لا أدري لثقتي في أنّي حيثما ولّيت وجهي سأجد قدرا أفضل من حبسي. ونحن رجال هذا الزمان لم تبق في رؤوسنا شعرة من شعرات سيّدنا علي ولم يبق لنا وزن أمام القانون ولا حقّ وفق مجّلة الأحوال الشخصيّة، غفر الله لمن أرادوا بها خيرا على درب المصلحين. حدّثت صديقي عن الكيد العظيم وقصصت عليه أحسن القصص من الفتنة الكبرى. قال لي مبتسما: « اهدأ، فهمّي أعظم من همّك، وحربي المنزليّة لا تعرف هدنة، ونارها متأجّجة على مدار الساعة ولا تخفت إلاّ قليلا بعد الإرهاق من الشتائم المعطوفة على بعضها بعضا عطف الإسطوانة المجروحة التي تجترّ الماضي. ولسان امرأتي « المصون « سليط متعدّد المقامات كناعورة الطبوع. وطاقتها من الطاقات المتجدّدة، فلا يضعف شحنها ولا يكلّفها عناء. وعبارات :» بك... وعليك. .» طعامنا البائت المسخّن غداء وعشاء. قلت له: « لولا محافظتي على الوحدة الوطنيّة داخل البيت لفعلت كذا وكذا، كأن اعتصم أوأغضب عن الطعام والشراب أوأشعل أحذية قديمة في غرفة الاستحمام أوأكدّس عوائق من سقط المتاع على الطريق العامّ من قاعة الاستقبال إلى بيت النوم. ولكن بيننا الأولاد، ولا ذنب لهم في الحروب الداخليّة والفتن الزوجيّة. « قال لي: « أنصحك بالتحالف مع الشيطان فإنّها من دونه لا تقدر عليك. وردّ عليها بالدّم البارد، والأحسن ألاّ تبالي بما أفسده الدهر بينكما. ولك أن تستعين عليها بالمفاوضات إن كان لك نائب في المجلس الموقّر أوعضوفي النقابة العنيدة». قلت له: « سأغريها بالمال فأرتّب لها منحة التقاعد المبكّر. والناس يقولون إذا وقعت الكارثة: في المال، لا في الأبدان.» قال لي :»لقد جرّبت هذا مع شريكة حياتي اليوم وشهيدة مماتي غدا، فلم تسكتها الأوراق المنثورة حتّى تداينت بشروط صندوق النقد الدولي، وتعاملت مع بارونات التهريب والتجارة الموازية والأموال المغسولة، فهدّدتني بالتبليغ عن الفساد والتوريط في جرائم الإرهاب. « وأردف ناصحا كالمستشار الحكومي :»بقي لك يا أحمد يا أخي – كما غنّت صليحة – حلّ واحد وحيد: أن تستفتي داهية الشيوخ محتميا « بالجماعة « فتكون صوتا مضافا إلى الإخوان فإنّهم يبشّرون في حملتهم الانتخابيّة بخلافة سادسة ويعدون بمثنى وثلاث ورباع. وبضرّة أوبضرّتين أوبثلاث تكسر شوكتها فلا يبقى للحيّة إذا غضبت ولم يعجبها الحال إلاّ أن تكسّر رأسها على الحائط فترتاح هي من الصداع وتنجوأنت من الهمّ الأزرق الذي غرّقت سبّابتك فيه. ولكن انتظر تنقيح الدستور بتوسيع البال واللاّمبالاة. « ألا نستحقّ – معشر رجال اليوم، الصابرين، الصامتين – تعويضات من صندوق الكرامة جبرا للضرر كضحايا الاستبداد الناعم ؟ رحم الله أمّهاتنا الصابرات على رجال ذلك الزّمان.