منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    عاجل/ مسؤول يؤكد تراجع أسعار الأضاحي ب200 و300 دينار..ما القصة..؟!    الوكالة العقارية للسكنى توجه نداء هام للمواطنين..وهذه التفاصيل..    عاجل/ جريمة أكودة: الادراة العامة للامن الوطني تكشف تفاصيل جديدة..    تونس تستقبل أكثر من 2.3 مليون سائح إلى غاية 20 أفريل 2025    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    في مظاهرة أمام منزله.. دروز إسرائيل يتهمون نتنياهو ب"الخيانة"    جندوبة: سكان منطقة التوايتية عبد الجبار يستغيثون    عاجل/ هذه البلدية تصدر بلاغ هام وتدعو المواطنين الى الحذر..    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية في إطار التعيينات الفردية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    الرابطة المحترفة الاولى: صافرة مغربية لمباراة الملعب التونسي والاتحاد المنستيري    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    الإفريقي: الزمزمي يغيب واليفرني يعود لحراسة المرمى ضد النادي البنزرتي    عاجل/ قضية التسفير..تطورات جديدة…    استقرار نسبة الفائدة في السوق النقدية عند 7.5 %..    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    ارتفاع تكلفة الترفيه للتونسيين بنسبة 30%    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    القضية الفلسطينية تتصدر مظاهرات عيد الشغل في باريس    عاجل/ هلاك ستيني في حريق بمنزل..    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    نهائيات ماي: مواجهات نارية وأول نهائي لمرموش في مانشستر سيتى    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    لي جو هو يتولى منصب الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية    سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم    عيد الاضحى 2025: الأضاحي متوفرة للتونسيين والأسعار تُحدد قريبًا    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    الليلة: سحب عابرة والحرارة تتراوح بين 15 و26 درجة    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا هذه الهوة بيننا وبين السّلف؟

إنّ أسبابا كثيرة وعديدة ومتنوّعة كانت ولا تزال وراء تخلّف المسلمين وكلالتهم وانعدام فعاليّتهم وغيابهم عن التّأثير في الواقع المحلّي والقطري والدّوليّ، ولعلّ من أهمّ تلك الأسباب أنّنا لم نتشبّع بأسرار تفوّق سلفنا الصّالح خير النّاس على الإطلاق بعد محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، ذلك الجيل الفريد، أولئك النّموذج النّيّر، ذلك الجيل الحجّة على من بعدهم، وقد تركنا نموذجهم وراءنا ظهريّا وان كنا ندعي ذلك قولا وادّعاء، بل ربّما سخرنا ممّن يدعو إلى جعلهم حجّة لنا في كلّ شيء.
إنّهم كانوا خير النّاس عقيدة وعلما وخلقا وعملا وفقها وسياسة وكياسة ومعرفة لواقعهم وتنزيلا لدينهم وبسطا له في مشارق الأرض ومغاربها في مسافة زمنيّة تكاد تكون خرافيّة، قياسا بعددهم وعددهم أمام حضارات قويّة واجهوها وأزالوها من الوجود لا من أجل إفتكاك خيراتهم وآنتهاك أعراضهم بل من أجل أن يخرجوهم من كلّ عبوديّة لأحد إلاّ لمولانا الصّمد. إنّهم قاموا بأعظم حركة تحرير شاملة وطاهرة على الإطلاق، كانت حركة تحرير الإنسانيّة من كلّ العباد إلى ربّ العباد، من الأرض إلى السّماء!!! تقول "لورا فيشيا فاغليري" عن سرعة انتشار الإسلام: "إنّ التاريخ لم يشهد قطُّ ظاهرة مثل هذه من قبل. ومن العسير على المرء أن يقدِّر السرعة الّتي حقّق بها الإسلام فتوحه، والّتي تحوّل بها من دين يعتنقه بضعة نفر من المتحمِّسين إلى دين يؤمن به ملايين الناس. ولا يزال العقل البشريّ يقف ذاهلا دون اكتشاف القوى السرّيّة الّتي مكّنت جماعة من المحاربين الجفاة من الانتصار على شعوب متفوّقة عليها تفوّقاً كبيراً في الحضارة والثروة والخبرة والقدرة على شنّ الحرب".
ولم يكن لهم ذلك إلاّ أنّهم استجمعوا كلّ عناصر النّصر وأعدّوا كلّ ما يستطيعون. ومن أعظم تلك العوامل حسن استغلال الوقت وعدم تضييعه.
إنّ حسن توظيف الوقت ليعدّ من أهمّ أسباب النّجاح والتّفوّق ومن أهمّ عوامل التّنمية والتّحضّر، ولأنّ الصّيف على الأبواب، والنّاس مع الأسف ابتعدوا عن ، SYSTHEME خلق السّلف الصّالح وقلّدوا غيرهم وآنخرطوا في مسالكم
وضيّعوا أوقاتهم وأهدروا أموالهم وفرّطوا في أحوالهم، فإنّي استسمحك أخي القارئ أن أنقل لك بهذه المناسبة نماذج من أقوال وأعمال السّلف الصّالح في آهتمامهم بالوقت النّفيس حتّى نقيس حالنا بحالهم لندرك الفارق العظيم والهائل بيننا وبينهم، لعلّ هذا ممّا يشعل هممنا ويوقظ الحماسة في قلوبنا حتّى نفيق ونشغل أوقاتنا ضمن أولويّات الشّرع المسطّرة، وأعظمها لا شكّ طاعة المولى عزّ وجلّ وتوحيده.
وأريد من خلال هذا السّرد لأقوالهم وأحوالهم أن أقتفي أثرهم في منهج التّذكير والإصلاح والعودة إلى نموذجهم المشرق، إذ القصص عنهم يعدّ من أعظم المواعظ التي ترقّق قلوب أولياء الله تعالى وتثبّت العارفين منهم وتردّ الشّاردين عنهم، فلقد جاء عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى:"الحكايات عن العلماء ومحاسنهم أحبّ إليّ من كثير من الفقه، لأنّها آداب القوم وأخلاقهم".
الوقت في الحديث النّبويّ الشّريف:
قال صلّى الله عليه وآله وسلّم:" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ".
وقال أيضا :" لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن خمس، وذكر منها: وعن عمره فيما أفناه " ويقول عليه أفضل الصلاة والتسليم :" اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وغناك قبل فقرك وحياتك قبل موتك".
وكان صلّى الله عليه وآله وسلّم أحفظ النّاس لوقته، إذ كانت كلّ حياته غنما له، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : كنّا نعدّ لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المجلس الواحد مائة مرّة: ربّ آغفر لي وتب عليّ إنّك أنت التّوّاب الرّحيم".
الوقت عند الصّحابة
ولقد تعهّد الصّحابة خاصّة منهم الخلفاء متابعة النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم والمحافظة على الوقت وكان ممّا جاء من أقوالهم ونصائحهم:
قال أبو بكر الصّدّيق وهو يوصي عمر الفروق رضي الله عنهما:"وآعلم أنّ للّه عملا بالنّهار لا يقبله باللّيل، وعملا باللّيل لا يقبله بالنّهار".
وكان من دعاء الصدّيق رضي الله عنه:" اللهم لا تدعنا في غمزة ، ولا تأخذنا على غرة ، ولا تجعلنا من الغافلين".
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:" إنّي لأكره أن أرى أحدكم سبهللا لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة".
وكان من دعائه رضى الله عنه:" اللهم إنا نسألك صلاح الساعات والبركة في الأوقات".
ودخل معاوية بن خديج على الفاروق في وقت الظّهيرة فظنّه قائلا، فقال له عمر: بئس ما ظننت! لئن نمت بالنّهار لأضيّعنّ الرّعيّة، ولئن نمت باللّيل لأضيّعنّ نفسي! فكيف بالنّوم مع هذين يا معاوية؟؟؟ وذكر جاره العبّاس بن عبد المطّلب: كنت جارا لعمر بن الخطّاب فما رأيت أحدا من النّاس كان أفضل من عمر، إنّ ليله صلاة، وإنّ نهاره صيام وفي حاجات النّاس".
ومن كلمات عثمان ذي النورين رضي الله عنه: " إنّ الدّنيا تفنى والآخرة تبقى، فلا تبطرنّكم الفانية ولا تشغلنّكم عن الباقية، آثروا ما يبقى على ما يفنى".
ومما قاله علي رضي الله عنه:"الأيّام صحائف أعماركم فخلّدوها صالح أعمالهم".
وكان للخليفة الأمويّ عبد الملك بن مروان نموذجا وضّاءا في تربية أبنائه الصّغار على حسن استغلال الوقت وتوظيفه في الطّاعات وهم يتنزّهون، فقد حدّث ولده عبد الله بأنّه وإخوانه كانوا يوافقون أباهم في نزهته، وكان يقول لهم:" تعالوا نسبّح الله حتّى نصل إلى تلك الشّجرة، فنأخذ في التّسبيح حتّى نصلها، ثمّ يقول لنا: تعالوا نحمد الله حتّى نصل إلى ذلك الوادي، فنحمد الله حتّى نصل إلى الوادي المشار إليه، ثمّ يقول: والآن تعالوا بنا نكبّر الله حتّى نصل إلى تلك الهضبة، وهكذا دواليك، حتّى نصل إلى مكان نزهتنا.. فإذا عدنا إلى البيت قال لنا في طريق العودة: تعالوا بنا نهلّل الله حتّى نصل إلى المكان الفلاني، وتعالوا بنا نقول لا حول ولا قوّة إلاّ بالله حتّى نصل إلى كذا، وهيّا بنا نصلّي على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى نصل إلى البيت، وكان إذا وصل إلى البيت شرح لهم كم كسب كلّ واحد منهم من الحسنات".
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "إني لأكره أن أرى الرجل فارغا ، لا في عمل الدنيا ، ولا في عمل الآخرة". وقال أيضا: "ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت في شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي". وقال رضي الله عنه:"لو سخرت من كلب لخشيت أن أكون كلبا وإنّي لأكره أن أرى الرّجل فارغا ليس في عمل آخرة ولا دنيا". ولقد شبّه رضي الله عنه بالكلب لأنّ هذا الأخير ليس عنده إلاّ الفراغ!!!
وقال أبو الدّرداء رضي الله عنه:"ابن آدم ! إنما أنت أيام فكلما ذهب يوم ذهب بعضك
ابن آدم! إنك لم تزل في هدم عمرك منذ ولدتك أمك".
الوقت عند التّابعين وتابعيهم:
وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه:"إنّ اللّيل والنّهار يعملان فيك فآعمل فيهما".
وقيل له يوماً: - آخر هذا العمل إلى الغد، فقال: ويحكم " إنه يعجزني عمل يوم واحد فكيف اصنع إذا اجتمع على عمل يومين" ؟
وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى:" أدركت أقواما كان احدهم أشحّ على وقته منه على درهمه". وفي رواية: "أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشدّ منكم على دراهمكم ودنانيركم".
وقال: "يعرض على ابن آدم يوم القيامة ساعات عمره فكلّ ساعة لم يحدث فيها خيرا تقطّعت نفسه عليها حسرات". وقال:" إنّما أنت أيام مجموعة كلما مضى يوم مضى بعضك وقال : ابن آدم غنما أنت بين مطيتين يوضعانك، يوضعك النهار إلى الليل والليل إلى النهار حتى يسلمانك إلى الآخرة فمن أعظم منك يا ابن أدم خطراً". وقال: " الموت معقود في نواصيكم والدنيا تطوى من ورائكم".وقال:" ما من يوم ينشقّ فجره إلاّ وينادي: يا آبن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزوّد منّي فإنّي لا أعود إلى يوم القيامة".
قال داود الطائي: "إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زاد لما بين يديها فافعل فإن انقطاع السفر عن قريب ما هو والأمر أعجل من ذلك فتزود لسفرك واقض ما أنت قاض من أمرك فكأنك بالمر قد بغتك ".
وقال بعضهم:" كلّ يوم يمرّ بي لا أزداد فيه علما يقرّبني من الله عزّ وجلّ فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم."
وقال آخر: "إذا مرَّ بي يومٌ ولم أتخذْ يداً ولم أستفدْ علماً فما هو مِن عمري".
وكان الإهتمام بمسألة الوقت من مشاغل كلّ الأمّة نسائها ورجالها، فهذه حفصة بنت سيرين توصي الشّباب فتقول:" خذوا من أنفسكم وآغتنموا وقتكم وأنتم شباب، فإنّي ما رأيت العمل إلاّ في الشّباب".
قال حكيم:" من أمضى يوما من عمره من غير حقّ قضاه، أو فرض أدّاه، أو مجد أثله، أو حمد حصله، أو خير أسّسه، أو علم آقتبسه، فقد عقّ يومه وظلم نفسه".
وكتب بعض السلف إلى أخ له : يا أخي يخيل لك أنك مقيم بل أنت دائب السير تساق مع ذلك سوقاً حثيثاً الموت موجه إليك والدنيا تطوى من ورائك وما مضى من عمرك فليس بكار عليك حتى يكر عليك يوم التغابن.
قال ابو بكر بن عياش: "يصف فيه حالنا" أحدهم لو سقط منه درهم لظل يومه يقول:إنّا لله ذهب درهمي. وهو يذهب يومه! ولا يقول : ذهب يومي ما عملت فيه".
قال رجل مرة لعامر بن عبد قيس – وهو أحد التابعين –: كلّمني . فقال له : أمسك الشمس! وما ذلك إلا ليشعره بقيمة الوقت.
قال حماد بن سلمة :" ما أتينا سليمان التّيمي في ساعة يطاع الله عزّ وجلّ فيها إلاّ وجدناه مطيعا إن كان في ساعة صلاة وجدناه مصلّيا وإن لم تكن ساعة صلاة وجدناه إمّا متوضّئا أو عائدا مريضا أو مشيعا جنازة أو قاعدا في المسجد. قال: "فكنا نرى أنه لا يحسن أن يعصي الله عزّ وجلّ".
وقال موسى بن إسماعيل: " لو قلت لكم إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكا قط صدقتكم، كان مشغولا بنفسه؛ إما أن يُحدِّث، وإما أن يقرأ، وإما أن يسبح وإما أن يصلي. كان قد قسم النهار على هذه الأعمال".
وكانوا يقولون: "من علامات المقت، إضاعة الوقت"و" من كان يومه كأمسه فهو مغبون، ومن كان يومه شرّا من أمسه فهو ملعون"و" الوقت من ذهب إن لم تقطعه قطعك".
كان ابن الجوزي رحمه الله من شدة حرصه على الوقت يجعل بريَ الأقلام في أوقات مجالسة من يزوره ، وقد أوصى يوماً ابنه فقال: واعلم يا بني أنّ الأيام تبسط ساعات، والساعات تبسط أنفاساً ، وكل نَفَسٍ خِزانة ، فاحذر أن يذهب نَفَسٌ بغير شيء ، فتَرى في القيامةِ خزانةً فارغة فتندم.
وكانوا يقولون:
والوقتُ أنفسُ ما عُنيتَ بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيعُ
وقالوا :
دقّّات قلب المرء قائلة له *** إنّ الحياة دقائق وثوان
فآرفع لنفسك قبل موتك ذكرها *** فالذّكر للإنسان عمر ثان
أحوالهم مع الوقت:
وهذه بعض قصصهم الرّائعة التي ترشّحهم بها أن يكونوا خير النّاس على الإطلاق.
فقد كان الرّبيع بن خزيم يكتب كلامه من الجمعة إلى الجمعة ويحاسب نفسه مساء كلّ يوم سبت".
قال الرّبيع بن سليمان: كان الشّافعي قد جزّأ اللّيل ثلاث أجزاء: الثّلث الأوّل يكتب والثلث الثّاني يصلّي والثلث الثّالث ينام.
ولمّا حضرت أبا بكر بن عيّاش الوفاة بكت أخته فقال:" لا تبكي .. وأشار إلى زاوية في البيت فقد ختم أخوك في تلك الزاوية 18 ألف ختمة."
وقال ابن ثابت البناني: ذهبت ألقن أبي فقال:"يا بني دعني فإني في وردي السادس"! ودخلوا على بعض السلف عند موته وهو يصلي فعاتبوه فقال :الآن تطوى صحيفتي".
وكان أبو بكر الخياط النحوي يدرس جميع أوقاته حتى في الطريق وكان ربما سقط في صرف أو خبطته دابة".
قيل لابي بكر الخوارزمي عند موته : ماذا تشتهي؟ قال : النظر في الحواشي".
ولقد صنّف إبن شاهين 330 مصنّفا، كتبها ب2800 رطلا من الحبر. أمّا الإمام الطّبري رحمه الله تعالى فقد قال لأصحابه: أتنشطون لتفسيرالقرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ فقال: ثلاثون ألف ورقة! فقالوا: هذا ممّا تفنى الأعمار قبل تمامه، فآختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة.، ثمّ قال:"هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا هذا ؟ قالوا: كم قدره؟ فقال: ثلاثون ألف ورقة! فقالوا: هذا ممّا تفنى الأعمار قبل تمامه ! فقال:" إنّا للّه ماتت الهمم، فآختصره في ثلاثة آلاف ورقة. وكتب رحمه الله تعالى في 71 سنة 357840 ورقة.
وكانوا يسرعون في كلّ شيء ربحا للوقت: قال ابن طاهر: وسمعت الهروي يقول: "المحدّث يجب أن يكون سريع المشي، سريع الكتابة، سريع القراءة".
وكانوا يحرّمون على أنفسهم تضييع الوقت: قال ابن الجوزي: قال ابن عقيل: "إنّي لا يحلّ لي أن أضيّع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي، وأنا مستطرح، فلا أنهض إلاّ وقد خطر لي ما أسطره، وإنّي لأجد من حرصي على العلم، وأنا في عشرؤ الثّمانين أشدّ مما كنت أجده وأنا ابن عشرين سنة".
وكانوا يأخذون الفائدة من وقت أكلهم:
ذكر ابن عقل في فنونه: قال حنبلي - يعني نفسه -: «أنا أقصر بغاية جهدي أوقات أكلي، حتى أختار سفّ الكعك وتحسيه بالماء على الخبز؛ لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ، توفراً على مطالعة، أو تسطير فائدة، لم أدركها فيه".
وهذا الخليل بن أحمد الفراهيدي رحمه الله تعالى يقول:"أثقل السّاعات عليّ ساعة آكل فيها".
وهذا داود الطّائي رحمه الله تعالى يشرب الفتيت أي الخبز المبلول بالماء ولا يأكل الخبز الجافّ بدون فتّ، فقالت له مولاته: أما تشتهي أكل الخبز؟ فقال لها :ط لقد وجدت بين مضغ الخبز وشرب الفتيت قدر قراءة خمسين آية".
وكان عثمان الباقلاّوي دائم الذّكر للّه عزّ وجلّ وكان يقول:" إنّي وقت الإفطار أحسّ بروحي كأنّها تخرج لأجل اشتغالي بالأكل عن الذّكر".
وقال عبيد بن يعيش وهو من شيوخ البخاري ومسلم رحمهم الله تعالى جميعا:" أقمت ثلاثين سنة ما أكلت بيدي في اللّيل، كانت أختي تلقمني الطّعام في فمي وأنا مشغول بكتابة حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم".
ويحكي ابن حجر عن الحافظ الأصبهاني رحمهما الله تعالى أنّه كان يمتنع كثيرا عن الأكل لئلاّ يحتاج إلى الشّرب فيحتاج إلى دخول الخلاء فيضيع عليه الزّمان.
والأغرب من هذا كلّه كانوا يستفيدون حتّى في وقت قضاء الحاجة وهم في بيت الخلاء:
قال أحمد بن عليّ لعبد الرّحمان بن أبي حاتم الرّازي رحمهما الله تعالى:" ما سبب كثرة سماعك الحديث من أبيك؟ وكثرة سؤالاتك له؟ فقال: ربما كان يأكل طعامه وأنا أقرأ عليه الحديث ويمشي و أقرأ ويدخل الخلاء وأقرأ عليه ويدخل البيت في طلب شيء وأقرأ عليه"
قلت: هذه الهمّة العالية هي التي أثمرت أن ألّف كتابه العظيم" الجرح والتّعديل"في تسعة مجلّدات ضخام وألّف كتابه المسند في ألف 1000 جزء أي ما يقارب عشرين ألف ورقة 20,000 ورقة.
قال ابن القيّم رحمه الله تعالى:"حدّثني أبو شيخنا ابن تيميّة عن أبيه قال:" كان الجدّ أي مجدّ الدّين بن تيميّة إذا دخل الخلاء يقول لي:" إقرأ في هذا الكتاب وآرفع صوتك حتّى أسمع".
وكانوا لا يضيّعون أوقاتهم في لهو أو لعب، أفلا يكفيهم وقت النّوم ضياعا، قال ابن السمعاني: سمت محمد بن عبد الباقي يقول: «ما ضيعت ساعة من عمري في لهو أو لعب".
ماذا عسانا أن نقول نحن بعد هذا القليل من النّصوص وفينا من يتفنّن في تضييع الأوقات بتوافه الأمور والأشياء، بل وبما يُغضب الله، والله عزّ وجلّ يوجّه رسوله المعصوم صلّى الله عليه وآله وسلّم بقوله: " فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ".
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : أي إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها فانصب إلى العبادة وقم إليها نشيطا فارغ البال وأخلص لربك النية والرغبة".
قلت ما حالنا مع الوقت وكيف لو رآنا السّلف ونحن في هذا الوضع من البؤس والتّيه وتضييع الأعمار وقيل وقال وكثرة سجال وتطييش كلام والله المستعان!!!
نسألك يا ألله يا كريم يا ربّ العرش العظيم أن تصلح لنا السّاعات وتبارك لنا في الأوقات...
خَمِيس بن علي الماجري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.