وهل أعظم من هذا الإجرام : يحرّفون الكلام عن مواضعه مدّعين المعرفة بعلوم الأوّلين و الآخرين ومتبجّحين بالمناهج الحديثة في النقد والبحث ومسايرة العقل والعلم مخالفين صريح النصّ وواضح المعنى وظاهر القصد وهم أبعد ما يكونون عن روح القرآن ومعناه ومقصده بل هم أبعد ما يكونون عن الإسلام والمسلمين من عهد الرسول (ص) إلى اليوم والغد ، هداهم الله وغفر لهم إن تابوا عمّا يعتزمون وعمّا يدسّون. وأنا لست ضدّ النظر العقلي في الأثر الديني بل ضدّ النيّة المبيّتة وضدّ سوء الظنّ . وأنا لا أخشى على القرآن من المسيئين إليه كما لا أخشى على نبيّه من الطاعنين في رسالته المتتبّعين لأخطائه حسب ما يزعمون، وما هم بأوائل المفترين. وقد ردّ القرآن نفسه على أمثالهم منذ عهد الرسول (ص) ومنذ أوّل الوحي. واعتقادي أنّ كلام الله هو الغالب على الأراجيف اليوم وغدا مثلما كان المفحم للمكذّبين بالأمس. و لا ألوم أعداء الإسلام من خارج الملّة في حربهم الدائمة على القرآن و السنّة وحتّى على تاريخ المسلمين ، فذاك همّهم عبر العصور تنفيسا عن أحقادهم و إعلاء لمعتقداتهم ، وإنّما ألوم أبناء الدين الحنيف على فعلهم بدينهم ، ومن ورائه فعلهم بإخوانهم وهم في أضعف أحوالهم تعصف بهم ، بعقولهم وقلوبهم ، رياح الثورات وتتناوش قلاعهم معاول الهدم و الإبادة . ألومهم لأنّهم اختاروا الكتابة بأقلام مأجورة لا بأقلام حرّة متظاهرين بالدفاع عن إسلام حداثي متطوّر مواكب لتطوّر المجتمع وتقدّم العلوم في غمرة الإعجاب بأنفسهم في جرأتهم على المقدّس بالقدر الذي يضمن لهم المكانة والشهرة والفوز والتقدير لدى الجمعيّات والمنظّمات وفي المحافل و المجالس العاملة بجهد جهيد ومال وفير ضدّ الإسلام و المسلمين في إطار صليبيّة جديدة مقنّعة بحقوق الإنسان أو بالتسامح وحوار الأديان أو باسم علمانيّة متبرّئة من الدين خشية الإسلام السياسي الرهيب. وقد تناوب على الإضرار بالإسلام عبر تاريخ العرب حكّام مستبدّون وأعداء متربّصون بما فرض على المخلصين له الوقوف ضدّ هؤلاء وأولئك في واجهتين داخليّة وخارجيّة ، فكانت المعارك طاحنة بلا هدنة و بمختلف الأسلحة : الماديّة و الفكريّة . وكفانا تجربة «الدواعش» الذين شوّهوا الإسلام وحكم أنصار النهضة بعكس معناها حتّى افتضح نفاق الّذين روّجوا لانتخابهم بشعار «الّذين يخافون ربّي» ! وشبكة الأنترنات تعجّ بالطرفين تحت عنوان « دراسات قرآنية «. وقد تتبّعت يوسف الصدّيق في ادّعائه أنّ المصحف عمل إنساني تجب الإطاحة به ! كما تتبّعت كتابات محمد الطالبي وعبد المجيد الشرفي ومريديهما من الجنسين فأوصلتني إلى ما هو أشنع وأخطر ممّا يروّجون له من الأفكار الهدّامة والمواقف المغرضة ، أوصلتني إلى الأيادي التي تحرّك البيادق و إلى الأصوات التي تنفخ في الأبواق كالذي يلتقط الجمر بأصابع غيره . فمنهم كثيرون يتكلّمون بلسان أعجميّ مبين ، ومنهم عديدون يتكلّمون بلهجات عربيّة هجينة ، وقليلون بالفصحى السليمة . وفيهم المسيحي القبطي، وفيهم المسلم الشيعي ، وفيهم العلماني ، وفيهم الملحد المتمتّع بحرّية الضمير ، الداعي لتهميش الدين وما تبعه من لغة وثقافة وحضارة وقيم . وإنّما الدين عند الله هو الإسلام . البداية مع قناة الأخ ( بالمعنى المسيحي) رشيد التي خصّص عدّة حلقات فيها للطعن في صحّة القرآن اعتمادا على مخطوطات صنعاء مقابل طعن المسلمين القديم في صحّة الكتاب المقدّس و التشنيع على النصارى في عقيدة التثليث . وعلى نفس النسق خصّص رأفت عماري ( مع محاوره الأخ دانيال) حلقات بموقع « الدين و التاريخ « لانتقاد القرآن في إخباره عن مريم وعن سليمان وملكة سبإ وغير ذلك من القصص . ومثلها خصّص حامد عبد الصمد موقع « صندوق الإسلام « في أكثر من مائة وخمسين حلقة للتشكيك في موقع مكّة وموقع الكعبة وموطن محمد (ص) مع السخريّة من الحجّ. وفي نفس الاتّجاه هبّ غيث التميمي ، وهو عراقي شيعي ، لإثبات تحريف القرآن بالأدلّة ، حسب زعمه ، منكرا الزواج في الفقه الإسلامي و مغربا في تفسير نعت المسجدين بالحرام و بالأقصى في قصّة الإسراء و المعراج. وأغرب منه أمين صبري ، الشاب المصري الوسيم الذي لا يزال حليب أمّه بين أسنانه كما يقال ، والذي انتصب مفسّرا سورة المسد وسورة التين لاستنتاج أنّهما لا تليقان بالخالق لتضمّن الأولى داء الحقد وتضمّن الثانية دواء الشيخوخة ! وهو نفسه ينكر كرويّة الأرض – كدكتور صفاقس – و يكذّب الصعود إلى القمر ويؤكّد ظهور يأجوج ومأجوج ويفسّر الجنّ ب «الوكالات الاستخباراتيّة الخفيّة» على حدّ قوله المخطئ ! هذا بالإضافة إلى شكوك رشيد أيلال المغربي وأحمد عبده ماهر المصري في صحّة « صحيح البخاري» ، ومن ورائه نقد علوم الحديث.