كمية الحبوب المُجمّعة    صفاقس : إفتتاح الدورة الثانية للأيام التنشيطية الثقافية والرياضية بفضاء شاطئ القراقنة لتتواصل إلى يوم 25 جويلية    بنزرت: تحرير 40 مخالفة إثر حملة رقابية مشتركة بشاطئ كوكو بمعتمدية أوتيك    أكثر من 95 ألف جزائري عبروا الحدود نحو تونس خلال جوان: انتعاشة واعدة في جندوبة مع انطلاق الموسم السياحي    هام/ وزارة السياحة: خطّ أخضر للتشكّيات..    كاس امم افريقيا للسيدات: المنتخب التونسي ينهزم امام نظيره النيجيري صفر-3    كرة السلة – البطولة العربية سيدات : تونس تتغلب على الأردن وتلتقي مصر في النهائي (فيديو)    بطريقة هوليودية: يسرق محل مجوهرات ويستولي على ذهب بقيمة تتجاوز 400 ألف دينار..وهذه التفاصيل..    فاجعة تهز هذه الجهة/ بفارق ساعتين: وفاة زوجين في نفس اليوم..!    تونس – الطقس: استمرار العواصف الرعدية على الجهة الغربية من البلاد    "ائتلاف صمود" يواصل مشاوراته حول مبادرة "العقد السياسي الجديد": نحو توافق مدني واسع يعيد التوازن السياسي    سفينة بريطانية تتعرض لهجوم صاروخي قبالة سواحل اليمن    ممثلو وزارة المالية يدعون في جلسة استماع صلب لجنة الفلاحة الى الحفاظ على ديوان الاراضي الدولية الفلاحية بدل تصفيته    وزير الطوارئ السوري: الوضع مأساوي مع حرائق اللاذقية و10 آلاف هكتار باتت رماداً    وزير الشباب والرياضة يعطي إشارة انطلاق "البرنامج الوطني للأنشطة الصيفية والسياحة الشبابية 2025"    بطولة العالم للكرة الطائرة للسيدات (U19): المنتخب التونسي ينهزم امام نظيره البلجيكي 3-صفر    وزارة الثقافة تنعى فقيد الأسرة الثقافية فتحي بن مسعود العجمي    الفلبين: فيضانات تجبر أكثر من 2000 شخص على ترك منازلهم    بن عروس: "تمتع بالصيف وخلي البحر نظيف" عنوان تظاهرة بيئية متعددة الفقرات على شاطئ حمام الشط    كاس العالم للاندية: مدرب بايرن ميونيخ غاضب بسبب إصابة لاعبه موسيالا    الفنان غازي العيادي يعود إلى المهرجانات بسهرة "حبيت زماني"    181 ألف شاب ينتفعون ببرنامج صيفي جديد لمكافحة الإدمان    الصباح ولا العشية؟ أفضل وقت للعومان    غرامات مالية تنتظر المخالفين لقواعد السلامة في البحر    هاو الخطر وقت تعوم في عزّ القايلة..التفاصيل    في موجة الحرّ: الماء أحسن من المشروبات المثلّجة    وقتاش تعطي الماء للرضيع من غير ما تضره؟    يوم 8 جويلية: جلسة عامة للنظر في مشروع قانون يتعلّق بغلق ميزانية الدولة لسنة 2021    إحداث لجنة وطنية لبرنامج الإنسان والمحيط الحيوي    تونس: وزارة الفلاحة تضع ارقاما للتبليغ الفوري عن الحرائق    عاجل/ للمطالبة بفتح المفاوضات الإجتماعية : إقرار مبدأ الإضراب الجهوي في القطاع الخاص بهذه الولاية..    قائمة الفرق الأكثر أرباحًا في مونديال الأندية 2025 ... بعد انتهاء الدور ربع النهائي – أرقام قياسية ومكافآت ضخمة    وزارة الفلاحة تضع أرقاما للتبليغ الفوري عن الحرائق    عادل إمام يتوسط عائلته في صورة نادرة بعد غياب طويل بمناسبة عقد قران حفيده    "الزعيم" يظهر..ابتسامة غائبة تعود لتُطمئن القلوب    البكالوريا دورة المراقبة: هذا موعد انطلاق التسجيل عبر الإرساليات القصيرة..    انطلاق قمة "بريكس" في ريو دي جانيرو اليوم بمشاركة بوتين    الى غاية 4 جويلية.. تجميع أكثر من 9 ملايين قنطار من الحبوب    إلغاء إضراب أعوان شركة فسفاط قفصة    الملعب التونسي يُحصّن أحد ركائزه    نوردو ... رحلة فنان لم يفقد البوصلة    تطبيقة جديدة لتسهيل التصريح بالعملة: الإدارة العامة للديوانة تطلق خدمة رقمية موجهة للتونسيين بالخارج    طقس اليوم: الحرارة في ارتفاع طفيف    اليوم الأحد: الدخول مجاني إلى المتاحف والمواقع الأثرية والتاريخية    سلاح الجو الأمريكي يعترض طائرة فوق نادي ترامب للغولف    تاريخ الخيانات السياسية (6) .. أبو لؤلؤة المجوسي يقتل الفاروق    بالمرصاد : لنعوّض رجم الشيطان برجم خونة الوطن    عاجل/ أول رد من حماس على مقترح وقف اطلاق النار في غزة..    إدارة الغابات.. إطلاق سراح طيور الساف التي تم القبض عليها لممارسة هواية البيزرة    في تونس: أسعار الزيوت تنخفض والخضر تلتهب!    غياب رونالدو عن جنازة جوتا يثير حيرة الجماهير    هام/ تكثيف حملات المراقبة لمياه الشرب بهذه الولاية تزامنا مع ارتفاع درجات الحرارة..    مواجهة ودية منتظرة بين الأهلي المصري والترجي الرياضي    تذكير بقدرة الله على نصرة المظلومين: ما قصة يوم عاشوراء ولماذا يصومه المسلمون ؟!..    الفرجاني يلتقي فريقا من منظمة الصحة العالمية في ختام مهمته في تقييم نظم تنظيم الأدوية واللقاحات بتونس    فوائد غير متوقعة لشاي النعناع    تاريخ الخيانات السياسية (5): ابن أبي سلول عدوّ رسول الله    أفضل أدعية وأذكار يوم عاشوراء 1447-2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النظر الدقيق في سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن الكريم تأليف الدكتور محسن عبد النّاظر
كتاب الصباح المتسلسل
نشر في الصباح يوم 29 - 07 - 2012

تنشر «الصباح» طوال شهر الصيام المبارك فصول كتاب «النّظر الدقيق في سيرة الرّسول محمّد- صلّى الله عليه وسلّم من القرآن الكريم» الصّادر عن شركة المنى للنّشر لمؤلّفه الدكتور محسن عبد الناظر.
والدكتور محسن عبد الناظر أستاذ متميز بجامعة الزيتونة وعضو المجلس الاسلامي الأعلى له عديد المؤلفات في السيرة والهدي النبوي.
«الصّباح» تشكر الدكتور محسن عبد الناظر باتاحته هذه الفرصة لقرائها لكي يطلعوا على قيمة أحدث مؤلفاته...
الحلقة التاسعة
2 الخروج من مكة
اثبت البحث ان الخروج من مكة هو اخراج منها، وقد يثبت ان هذا الاخراج حقق للمؤمنين حماية من اذى قريش وادى الى نشر الاسلام. وان اول خروج من مكة كان الى الحبشة.
الهجرة الى الحبشة
رجح البحث ان الهجرة الى الحبشة كانت على فترات، بدأت في السنة الخامسة من البعثة، واستمرت اقامة بعضهم بالحبشة الى ان ارسل رسول الله (ص) اليهم عمرو بن امية الضمري فحملهم في سفينة عادت بهم الى المدينة المنورة سنة سبع للهجرة، واورد الاخبار التي تبين ان الدافع الى هذه الهجرة يتمثل في تجنب اذى قريش، واقام الدليل على انها حققت اهدافا اخرى منها
التعريف بالاسلام خارج بلاد العرب. استمر الرسول (ص) والمؤمنون يدعون قومهم الى توحيد الله وعبادته، فآمن من آمن وتعصب للشرك كثير من قادة مكة واعيانها، فآذوا المؤمنين وساموهم سوء العذاب، ففكر الرسول (ص) في وسيلة تقي بعض اصحابه الاضطهاد، وتبدأ بفضلها مرحلة جديدة لنشر الدعوة الى الاسلام، فاقترح ان يتفرق، من يقدر على الخروج من مكة، في الارض، واختار لهم ارض الحبشة ملاذا آمنا، وذكرت روايات انه علل اختياره بقوله: «ان بارض الحبشة ملكا لا يظلم احد عنده». كان الرسول (ص) عالما بجانب من اخبار هذا الملك، فبلده كان قبلة لبعض اهل مكة، حيث جاء في رسالة عروة بن الزبير الى عبد الملك بن مروان: «وكانت ارض الحبشة متجرا لقريش يتجرون فيها يجدون فيها سعة من الرزق وامنا ومتجرا حسنا». يعلم الرسول (ص) ان الله تعالى كلفه بتبليغ الاسلام الى هذا البلد الذي يتبع اهله النصرانية، والى غيره من البلدان، فارسال بعض المؤمنين اليه، ليطلعوا اهله على الاسلام، ويعرفوهم باصوله، مأمور به الرسول (ص)، ففي الهجرة الى الحبشة صلة بعالمية الدعوة التي ستتأكد بالكتب التي يرسلها الرسول (ص) الى اصحاب السلطة عندما يتيسر له ذلك، فمن اهداف الهجرة الى الحبشة التعريف بالاسلام تعريفا يفتح الباب لعلاقات بين المسلمين والمسيحيين الذين يجمع بينهم الانتماء الى نبي الله ابراهيم عليه السلام فهت قريش هذا الهدف وادركت ما ينجر عنه، فعملت على الحيلولة دون تحقيقه.
كان لهجرة بعض المسلمين وقع سيء على المشركين الذين بلغهم ان النجاشي اصبح خير جار لمن هاجر الى بلده منهم، فارسلوا اليه والى بطارقته الهدايا، وكلفوا شريفين منهم، وهما عبد الله ابن ابي ربيعة، وعمرو بن العاص بان يبذلا ما في وسعهما ليقنعا النجاشي حتى يرد الى قريش من هاجر الى بلده من وصفوهم بغلمانهم السفه. اراد المشركون ان يكلل سعيهم بالنجاح بفضل الهدايا التي حملوها الى النجاشي، والى بطارقته طالبين ان تلبى مطالبهم دون تمكين المهاجرين من بيان اسباب لجوئهم الى الحبشة، ولكن الملك الذي وصفه الرسول بالعادل، رفض ذلك وسمح للمسلمين بالحضور لديه حتى يسمع منهم كما سمع من خصومهم. وعقد النجاشي مجالس وحاور المسلمين بحضور البطارقة ومبعوثي قريش، واستطاع المسلمون في هذا المجلس ان يعرفوا بالاسلام وبالرسول (ص). وان ينشروا قصص عيسى عليه السلام التي قصها القرآن، وسلكوا منهجا يعتمد الصدق والوضوح. وطبق جعفر ابن ابي طالب ما اوصى به المهاجرون، فاعطى النجاشي حقه دون تزلف، وقارن بين ما كان عليه العرب قبل بعثة الرسول (ص)، وبين ما يدعو اليه الاسلام مقارنة ابرزت ما بين الايمان والكفر من فوارق، واشارت الى ان من يتبع دينا سماويا كالمسيحية، يدعم الاسلام واهله، فهم اقرب الى دينه من دين المشركين، لم ينطق جعفر ابن ابي طالب بهذه النتيجة، وترك للنجاشي استخلاصها، وهو ما وقع فعلا، اذ رفض الاستجابة لمطلب عمرو بن العاص وصاحبه، وامن المسلمين على حياتهم، وسمح لهم بالبقاء ببلده دون ان يقيد حريتهم الدينية او غيرها. وتكرر تصميمه على ايوائهم وحمايتهم لما سعى عمرو بن العاص الى احراجهم، فادعى انهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما، تشاور المهاجرون، واتفقوا على ان ينقلوا للنجاشي ما نزله الله فيه بطريقة واضحة، لا تفتح ابواب الجدل. ونجح المسلمون في نشر عقيدة التوحيد الخالص، وفي دفع المسيحيين بالحبشة الى دراسة الايات القرآنية المتصلة بعيسى عليه السلام، والاتصال بالرسول (ص) لمحاورته، اورد ابن اسحاق خبرا، جاء فيه انه قدم على رسول الله (ص) وهو بمكة عشرون رجلا او قريبا من ذلك من النصارى حين ظهر خبره من الحبشة.. وذكر الخبر ان الوافدين سألوه، وناقشوه وانهم امنوا به، فلامهم على ذلك اعيان المشركين.. يناسب هذا الخبر الحركية التي تدفع بعض اصحاب الديانات الى البحث عن الحقيقة ومناقشة من يخالف اصولهم العقدية، وتتفق مع قصة نصارى نجران الذين بلغهم مبعث الرسول (ص) فوفدوا عليه وهو بالمدينة ليحاجوه في عيسى عليه السلام.
حظي المهاجرون الى الحبشة برعاية ملكها، ولم تفرض عليهم قيود، فكيف ستكون علاقاتهم الاجتماعية، وما هي موارد رزقهم؟
لم تأت في مصادر البحث نصوص تستمد منها الاجابة عن السؤالين، وسيعتمد لتحقيق ذلك الاصول الاسلامية، وبعض الاخبار المتصلة بهما بصفة غير مباشرة. فمن المتفق عليه ان الاسلام يدعو الى العمل، ويحث الفرد على ان يعتمد على نفسه لكسب قوته، فقد روي عن الرسول (ص) انه قال: «والذي نفسي بيده لان يأخذ احدكم حبله، فيحتطب على ظهره خير له من يأتي رجلا فيسأله اعطاه او منعه». لا يزعم البحث عن المهاجرين الى الحبشة، سمعوا من الرسول (ص) هذا الحديث، فهو يعلم ان مناسبة صدوره متأخرة عن الهجرة اليها، ولكنه يذكر بان الاسلام يحث على العمل ويدعو الى ان تكون للفرد عزة نفس لا تسمح له بان يكون عالة على غيره، واذا اضيف الى ما تقدم ان بعض من هاجر الى الحبشة كان تاجرا، وقد يكون حل بها بصفته تلك، فما جاء في رسالة عروة بن الزبير الى عبد الله بن مروان يذكر انها كانت متجرا لقريش يتجرون فيها، ويرجح القول بان من المهاجرين الى الحبشة من امتهن التجارة في هجرته ليعول نفسه، ومن هم في كفالته، ولعله استعان، ببعض من هاجر معه، في تجارته او اعان غيره لممارسة عمل ما، فمن لا يعمل وهو قادر على العمل يفقد احترام الاخرين، يستنتج مما تقدم ان من المهاجرين الى الحبشة، من عمل في التجارة، ومنهم من عمل في غيرها حتى لا يكون عالة على البلد الذي حماه من بطش قريش، واعانه على توحيد ربه وعبادته امنا مطمئنا، وهكذا يستطيع البحث ان يرجح القول بان العمل التجاري لم يكن الهدف الاول لمن هاجر الى الحبشة، وانما كان وسيلة للكسب الحلال الذي يقي صاحبه الخصاصة، او اثقال كاهل الاخرين، فلا يقبل المهاجرون بدينهم، ان يعولهم غيرهم، او ان يتركوا اخوانهم عاطلين عن العمل، وفي حاجة الى الصدقة، فقد تعلموا من الرسول (ص) مبادئ الاخوة والتعاون والتآزر، كما تعلموا مبدأ التسامح، ومنهج الدعوة الى الاسلام، واحترام الاخر وضوابط محاورته والاستماع اليه، لذلك يمكن القول بان المهاجرين الى الحبشة لم يصدموا اهلها، ولم يقدموا انفسهم على انهم قدموا اليهم هادين. عمل المهاجرون الى الحبشة على ان يكونوا مثالا للمسلم الذي يحترم الاخر، ويعرف فضله، ويتركه يقارن بين ما هو عليه، وبين ما عليه الاخر، ليختار بعد ذلك ما يناسبه، فسلوك المهاجرين ومنهجهم في التعامل مع غيرهم ومع بعضهم، جعلهم سفراء للاسلام ببلد النجاشي، وهمزة وصل بين الاسلام والمسيحية.
حققت الهجرة الى الحبشة اهدافا، وحمت مجموعة من المسلمين من البطش، ولكنها اججت الحقد في نفوس المشركين، وضاعفت تصميمهم على استخدام اقصى وسائل القمع والتعذيب، فقضي الله تعالى ان يشد ازر الرسول (ص) والمؤمنين بمعجزات تخفف عنهم البلاء وتعدهم لمرحلة جديدة سيمرون بها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.