الخبير في التنمية حسين الرحيلي: قابس اليوم أمام لحظة فارقة.. المطلوب رؤية استراتيجية لا حلول ظرفية    أصحاب الشهائد العليا ممن طالت بطالتهم يطالبون بانتدابهم..#خبر_عاجل    عاجل/ عائلات مفقودين في عمليات "حرقة" يحتجّون أمام سفارة إيطاليا    تسميات جديدة بهذه الوزارة..#خبر_عاجل    القصرين: عملية بيولوجية جديدة لمكافحة الحشرة القرمزية بزلفان من معتمدية فوسانة    موسم القوارص يبشّر بصابة قياسية في تونس... اتحاد الفلاحة يكشف    9 دول أوروبية تطالب بفتح معابر غزة وضمان وقف إطلاق النار    الدوري المصري: المدرب الجديد للأهلي يحسم مصير محمد علي بن رمضان    الرابطة الأولى: تفاصيل بيع تذاكر مواجهة النجم الساحلي والأولمبي الباجي    تحضيرا لتصفيات مونديال كرة السلة 2027: المنتخب التونسي يخوض 4 مباريات ودية بتركيا    ما حقيقة دهس مواطن بسيارة أمنية في قابس؟.. مصدر أمني يكشف #خبر_عاجل    17 فيلما من 10 بلدان في الدورة الثامنة لمهرجان "وثائقي المتوسط"    14 عملا مسرحيا في المسابقة الرسمية لمهرجان مواسم الإبداع في دورته الثالثة    كيفاش تحافظ على زيت الزيتونة ويقعد معاك مدة طويلة؟    عاجل : دراسة صادمة... لحوم البقر والأسماك تسبب أعراض الاكتئاب    عاجل: هيئة الصيادلة للتونسيين ''مفعول تلقيح القريب يظهر كان بعد 10 أيّام''    بن عروس: الشروع في تأمين عيادات في اختصاص جراحة العظام بالمراكز الوسيطة بالجهة    عاجل/ حادث اصطدام عربتي المترو 3 و5: تفاصيل جديدة ووضعية المصابين..    فظيع/ زوج يلقى بزوجته من الطابق الثاني..    عاجل/ اتفاق وقف الحرب في غزة..أول تصريح لخليل الحية..    صندوق النقد الدولي يرفع توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2025 إلى 3.3 بالمائة..    تأمينات البنك الوطني الفلاحي: رقم الأعمال يزيد ب9،8 بالمائة ويبلغ 136 مليون دينار موفى سبتمبر 2025    التجارة الخارجية: هل لا تزال تونس قادرة على الحفاظ على استقلالها الاقتصادي؟    نادي ميالبي يتوج بلقب بطولة السويد للمرة الاولى في تاريخه    عطل في خوادم AWS يعطل Snapchat وFortnite وAlexa في الولايات المتحدة    موجودة في كل منزل/ توابل تحافظ على شبابك وتحمي قلبك..    قابس: تنفيذ الاضراب العام الجهوي مع تواصل العمل ببعض القطاعات الحيوية    بمناسبة الذكرى 77 لتأسيسها: الخطوط التونسية تطلق عروضا استثنائية لمدة 77 ساعة    أحكام سجنية في قضايا فساد تطال نقابة قوات الأمن الداخلي وصاحب مطبعة    البطولة العربية للجيدو للاكابر بالعراق: تونس تتوج بذهبية مسابقة الفرق للسيدات    تونس تشارك بثلاثة لاعبين في بطولة العالم للكرة الحديدية المقيدة لاقل من 18 و23 عاما    قابس: اضراب عام جهوي مع تواصل العمل ببعض القطاعات الحيوية    الهاني: استغربنا من الزيادة في الأجور في مشروع قانون المالية    لمنع عودته إلى غزة.. وزيرة إسرائيلية تطالب ب"حرق" جثمان السنوار    طقس اليوم: الحرارة تصل إلى 34 درجة وأمطار ضعيفة بأقصى الشمال    عاجل: حضّروا كلّ الوثائق...التسجيل للباك يبدأ غدوة    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي الإفريقي في مواجهة الإتحاد المنستيري    عاجل: ساركوزي يتوجّه الى السجن ويحمل في يده 3 أشياء...ماهي؟    تونس تتألّق في الصين: 7 ميداليات في بطولة العالم للووشو كونغ فو    طائرات مسيّرة تضرب مطار الخرطوم قبيل إعادة افتتاحه    عاجل/ حماس تفجرها وتكشف عدد الخرقات التي ارتكبها الاحتلال لاتفاق وقف اطلاق النار..    مدنين: استعدادات حثيثة لاحتضان جزيرة جربة الملتقى الدولي للمناطيد والطائرات الشراعية    ساناي تاكايشي أول امرأة في تاريخ اليابان على رأس الحكومة    الكوتش وليد زليلة يكتب..الإفراط في أحدهما يُسبّبُ مشاكل للطفل.. بين التشجيع والدلال .. كيف نُربي أبناءنا؟    أصداء التربية بولاية سليانة .. مهرجان circuit théâtre    في ظل عزوف الأطفال عنها .. كيف نحوّل المُطالعة من واجب إلى مُتعة ؟    وكالة النهوض بالصّناعة والتجديد تفتح مناظرة خارجية بالاختبارات لانتداب 14 إطار    مواطنة من أمريكا تعلن إسلامها اليوم بمكتب مفتي الجمهورية!    شركة نقل تونس: اصابة عون التأمين وحالات هلع في اصطدام بين عربتي مترو... ولجنة للتحقيق في الحادث    الدورة الرابعة لملتقى محجوب العياري للكتاب والآداب تحتفي بالكاتبة حياة الرايس من 24 إلى 26 أكتوبر 2025    تحسّن الصناعات الكهربائية والميكانيكية استثمارا وتصديرا    طقس اليوم: سحب أحيانا كثيفة بهذه المناطق مع أمطار متفرقة    لا تدعها تستنزفك.. أفضل طريقة للتعامل مع الشخصيات السامة    دراسة علمية تربط بين تربية القطط وارتفاع مستوى التعاطف والحنان لدى النساء    التوأمة الرقمية: إعادة تشكيل الذات والهوية في زمن التحول الرقمي وإحتضار العقل العربي    عاجل: الكاتب التونسي عمر الجملي يفوز بجائزة كتارا للرواية العربية 2025    لطفي بوشناق في رمضان 2026...التوانسة بإنتظاره    خطبة الجمعة .. إن الحسود لا يسود ولا يبلغ المقصود    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النظر الدقيق في سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن الكريم تأليف الدكتور محسن عبد النّاظر
كتاب الصباح المتسلسل
نشر في الصباح يوم 29 - 07 - 2012

تنشر «الصباح» طوال شهر الصيام المبارك فصول كتاب «النّظر الدقيق في سيرة الرّسول محمّد- صلّى الله عليه وسلّم من القرآن الكريم» الصّادر عن شركة المنى للنّشر لمؤلّفه الدكتور محسن عبد الناظر.
والدكتور محسن عبد الناظر أستاذ متميز بجامعة الزيتونة وعضو المجلس الاسلامي الأعلى له عديد المؤلفات في السيرة والهدي النبوي.
«الصّباح» تشكر الدكتور محسن عبد الناظر باتاحته هذه الفرصة لقرائها لكي يطلعوا على قيمة أحدث مؤلفاته...
الحلقة التاسعة
2 الخروج من مكة
اثبت البحث ان الخروج من مكة هو اخراج منها، وقد يثبت ان هذا الاخراج حقق للمؤمنين حماية من اذى قريش وادى الى نشر الاسلام. وان اول خروج من مكة كان الى الحبشة.
الهجرة الى الحبشة
رجح البحث ان الهجرة الى الحبشة كانت على فترات، بدأت في السنة الخامسة من البعثة، واستمرت اقامة بعضهم بالحبشة الى ان ارسل رسول الله (ص) اليهم عمرو بن امية الضمري فحملهم في سفينة عادت بهم الى المدينة المنورة سنة سبع للهجرة، واورد الاخبار التي تبين ان الدافع الى هذه الهجرة يتمثل في تجنب اذى قريش، واقام الدليل على انها حققت اهدافا اخرى منها
التعريف بالاسلام خارج بلاد العرب. استمر الرسول (ص) والمؤمنون يدعون قومهم الى توحيد الله وعبادته، فآمن من آمن وتعصب للشرك كثير من قادة مكة واعيانها، فآذوا المؤمنين وساموهم سوء العذاب، ففكر الرسول (ص) في وسيلة تقي بعض اصحابه الاضطهاد، وتبدأ بفضلها مرحلة جديدة لنشر الدعوة الى الاسلام، فاقترح ان يتفرق، من يقدر على الخروج من مكة، في الارض، واختار لهم ارض الحبشة ملاذا آمنا، وذكرت روايات انه علل اختياره بقوله: «ان بارض الحبشة ملكا لا يظلم احد عنده». كان الرسول (ص) عالما بجانب من اخبار هذا الملك، فبلده كان قبلة لبعض اهل مكة، حيث جاء في رسالة عروة بن الزبير الى عبد الملك بن مروان: «وكانت ارض الحبشة متجرا لقريش يتجرون فيها يجدون فيها سعة من الرزق وامنا ومتجرا حسنا». يعلم الرسول (ص) ان الله تعالى كلفه بتبليغ الاسلام الى هذا البلد الذي يتبع اهله النصرانية، والى غيره من البلدان، فارسال بعض المؤمنين اليه، ليطلعوا اهله على الاسلام، ويعرفوهم باصوله، مأمور به الرسول (ص)، ففي الهجرة الى الحبشة صلة بعالمية الدعوة التي ستتأكد بالكتب التي يرسلها الرسول (ص) الى اصحاب السلطة عندما يتيسر له ذلك، فمن اهداف الهجرة الى الحبشة التعريف بالاسلام تعريفا يفتح الباب لعلاقات بين المسلمين والمسيحيين الذين يجمع بينهم الانتماء الى نبي الله ابراهيم عليه السلام فهت قريش هذا الهدف وادركت ما ينجر عنه، فعملت على الحيلولة دون تحقيقه.
كان لهجرة بعض المسلمين وقع سيء على المشركين الذين بلغهم ان النجاشي اصبح خير جار لمن هاجر الى بلده منهم، فارسلوا اليه والى بطارقته الهدايا، وكلفوا شريفين منهم، وهما عبد الله ابن ابي ربيعة، وعمرو بن العاص بان يبذلا ما في وسعهما ليقنعا النجاشي حتى يرد الى قريش من هاجر الى بلده من وصفوهم بغلمانهم السفه. اراد المشركون ان يكلل سعيهم بالنجاح بفضل الهدايا التي حملوها الى النجاشي، والى بطارقته طالبين ان تلبى مطالبهم دون تمكين المهاجرين من بيان اسباب لجوئهم الى الحبشة، ولكن الملك الذي وصفه الرسول بالعادل، رفض ذلك وسمح للمسلمين بالحضور لديه حتى يسمع منهم كما سمع من خصومهم. وعقد النجاشي مجالس وحاور المسلمين بحضور البطارقة ومبعوثي قريش، واستطاع المسلمون في هذا المجلس ان يعرفوا بالاسلام وبالرسول (ص). وان ينشروا قصص عيسى عليه السلام التي قصها القرآن، وسلكوا منهجا يعتمد الصدق والوضوح. وطبق جعفر ابن ابي طالب ما اوصى به المهاجرون، فاعطى النجاشي حقه دون تزلف، وقارن بين ما كان عليه العرب قبل بعثة الرسول (ص)، وبين ما يدعو اليه الاسلام مقارنة ابرزت ما بين الايمان والكفر من فوارق، واشارت الى ان من يتبع دينا سماويا كالمسيحية، يدعم الاسلام واهله، فهم اقرب الى دينه من دين المشركين، لم ينطق جعفر ابن ابي طالب بهذه النتيجة، وترك للنجاشي استخلاصها، وهو ما وقع فعلا، اذ رفض الاستجابة لمطلب عمرو بن العاص وصاحبه، وامن المسلمين على حياتهم، وسمح لهم بالبقاء ببلده دون ان يقيد حريتهم الدينية او غيرها. وتكرر تصميمه على ايوائهم وحمايتهم لما سعى عمرو بن العاص الى احراجهم، فادعى انهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما، تشاور المهاجرون، واتفقوا على ان ينقلوا للنجاشي ما نزله الله فيه بطريقة واضحة، لا تفتح ابواب الجدل. ونجح المسلمون في نشر عقيدة التوحيد الخالص، وفي دفع المسيحيين بالحبشة الى دراسة الايات القرآنية المتصلة بعيسى عليه السلام، والاتصال بالرسول (ص) لمحاورته، اورد ابن اسحاق خبرا، جاء فيه انه قدم على رسول الله (ص) وهو بمكة عشرون رجلا او قريبا من ذلك من النصارى حين ظهر خبره من الحبشة.. وذكر الخبر ان الوافدين سألوه، وناقشوه وانهم امنوا به، فلامهم على ذلك اعيان المشركين.. يناسب هذا الخبر الحركية التي تدفع بعض اصحاب الديانات الى البحث عن الحقيقة ومناقشة من يخالف اصولهم العقدية، وتتفق مع قصة نصارى نجران الذين بلغهم مبعث الرسول (ص) فوفدوا عليه وهو بالمدينة ليحاجوه في عيسى عليه السلام.
حظي المهاجرون الى الحبشة برعاية ملكها، ولم تفرض عليهم قيود، فكيف ستكون علاقاتهم الاجتماعية، وما هي موارد رزقهم؟
لم تأت في مصادر البحث نصوص تستمد منها الاجابة عن السؤالين، وسيعتمد لتحقيق ذلك الاصول الاسلامية، وبعض الاخبار المتصلة بهما بصفة غير مباشرة. فمن المتفق عليه ان الاسلام يدعو الى العمل، ويحث الفرد على ان يعتمد على نفسه لكسب قوته، فقد روي عن الرسول (ص) انه قال: «والذي نفسي بيده لان يأخذ احدكم حبله، فيحتطب على ظهره خير له من يأتي رجلا فيسأله اعطاه او منعه». لا يزعم البحث عن المهاجرين الى الحبشة، سمعوا من الرسول (ص) هذا الحديث، فهو يعلم ان مناسبة صدوره متأخرة عن الهجرة اليها، ولكنه يذكر بان الاسلام يحث على العمل ويدعو الى ان تكون للفرد عزة نفس لا تسمح له بان يكون عالة على غيره، واذا اضيف الى ما تقدم ان بعض من هاجر الى الحبشة كان تاجرا، وقد يكون حل بها بصفته تلك، فما جاء في رسالة عروة بن الزبير الى عبد الله بن مروان يذكر انها كانت متجرا لقريش يتجرون فيها، ويرجح القول بان من المهاجرين الى الحبشة من امتهن التجارة في هجرته ليعول نفسه، ومن هم في كفالته، ولعله استعان، ببعض من هاجر معه، في تجارته او اعان غيره لممارسة عمل ما، فمن لا يعمل وهو قادر على العمل يفقد احترام الاخرين، يستنتج مما تقدم ان من المهاجرين الى الحبشة، من عمل في التجارة، ومنهم من عمل في غيرها حتى لا يكون عالة على البلد الذي حماه من بطش قريش، واعانه على توحيد ربه وعبادته امنا مطمئنا، وهكذا يستطيع البحث ان يرجح القول بان العمل التجاري لم يكن الهدف الاول لمن هاجر الى الحبشة، وانما كان وسيلة للكسب الحلال الذي يقي صاحبه الخصاصة، او اثقال كاهل الاخرين، فلا يقبل المهاجرون بدينهم، ان يعولهم غيرهم، او ان يتركوا اخوانهم عاطلين عن العمل، وفي حاجة الى الصدقة، فقد تعلموا من الرسول (ص) مبادئ الاخوة والتعاون والتآزر، كما تعلموا مبدأ التسامح، ومنهج الدعوة الى الاسلام، واحترام الاخر وضوابط محاورته والاستماع اليه، لذلك يمكن القول بان المهاجرين الى الحبشة لم يصدموا اهلها، ولم يقدموا انفسهم على انهم قدموا اليهم هادين. عمل المهاجرون الى الحبشة على ان يكونوا مثالا للمسلم الذي يحترم الاخر، ويعرف فضله، ويتركه يقارن بين ما هو عليه، وبين ما عليه الاخر، ليختار بعد ذلك ما يناسبه، فسلوك المهاجرين ومنهجهم في التعامل مع غيرهم ومع بعضهم، جعلهم سفراء للاسلام ببلد النجاشي، وهمزة وصل بين الاسلام والمسيحية.
حققت الهجرة الى الحبشة اهدافا، وحمت مجموعة من المسلمين من البطش، ولكنها اججت الحقد في نفوس المشركين، وضاعفت تصميمهم على استخدام اقصى وسائل القمع والتعذيب، فقضي الله تعالى ان يشد ازر الرسول (ص) والمؤمنين بمعجزات تخفف عنهم البلاء وتعدهم لمرحلة جديدة سيمرون بها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.