ألسنة اللهب التي أتت على «كاتردائية نوتردام» بباريس أحرقت فرنسا والعالم الغربي ككل ، فسارع الجميع للبحث عن حلول لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الكنيسة المحترقة ...صيحات فزع ، تبرعات ، دعوات لمؤتمر دولي للمانحين ..أموال ضخمة ضخت من هنا وهناك ..المهم إنقاذ الكاتدرائية ..المهم إنقاذ التاريخ الإنساني .. "نوتردام" أو " سيدة باريس" ذكرتنا بحريق المسجد الأقصى سنة 1969، حين اهتز العالم وقتها، وتأسست "منظمة المؤتمر الإسلامي" على إثر هذه الحادثة الأليمة، وكانت ردود الفعل العالمية وقتذاك غاضبة.. ب" سيدة باريس" تذكرنا حريق الجامع الأموي سنة 1893، عندما هبّ أبناء دمشق لإطفاء الحريق، وتبرّع أبناء الشام بما يملكون لإعادة ترميم هذا المعلم التاريخي وإطفاء نار اللوعة في النفوس.. لكن اليوم ، تخرب المعالم التاريخية وتدمر في فلسطين والعراق وسوريا واليمن ، ولا أحد يتحرك ..معالمنا المعمارية تدك كل لحظة لكننا لم نعد نبالي مكتفين بمطالعة أخبار الدمار واستنشاق رائحة دخان النيران والبارود .. فما خرب في السنوات الأخيرة في منطقتنا العربية الحافلة بالمعالم الأثرية ، لم يحظ بمثل هذا الاهتمام الذي حظيت به « نوتردام « ومن قبلها المسجد الأقصى والجامع الأموي ..كنا نهتم بتاريخنا وحضارتنا وهويتنا كما يهتمون هم اليوم ، لكننا بتنا لا ننطق ونحن نشاهد معالمنا تنسف ..أصبحنا مجرد حجارة أو جدران لا تنطق شأننا في ذلك شأن نظرتنا لمعالمنا التاريخية التي نرى فيها مجرد حجارة لا تنطق .. تراثنا اليوم ينهب ويسرق ويدمر وجزء كبير منه بين يدي من لا يقيمون وزنا للتراث..بين يدي المدمرين والحريصين على نسف هويتنا وتاريخنا.. بين يدي لصوص التاريخ والمتاجرين بعبق الماضي ..وما أكثرهم اليوم .. نحتفل في هذه الفترة بشهر التراث ، ويكفي أن تطلق نظرة على برامج الاحتفال لتقف على فقرات خارج سياق التوجه العالمي لاستغلال المعالم الأثرية وتثمينها ..احتفالات ، وعلى أهميتها ، لا تهتم في مجملها بمعالمنا الحضارية لترسيخ مفاهيم الانتماء وتأصيلها من خلال تعريف الأجيال بتاريخها ووقائعها حفاظا على الذاكرة المحلية.. احتفالات لا تربط الماضي بالحاضر والمستقبل..احتفالات لا تسعى إلى جلب السائح وتشجع الخواص على الاستغلال الثقافي والاستثمار مع إقرارنا على وجود بعضها ، لكن على استحياء شديد .. المطلوب اليوم إعادة النظر في معالمنا الأثرية التي تزخر بها البلاد، بهيكلة المؤسسات المشرفة وسن قوانين وتشريعات لتطوير منظومة التصرف في هذا المخزون الوطني للنهوض بالسياحة الثقافية التي باتت من ركائز وتوجهات السياحة العالمية الحديثة . المطلوب اليوم كذلك تطوير علاقات التعاون والشراكة في مجال المعمار التراثي وطنيا ودوليا، بالتنسيق مع الهياكل المعنية والعمل على النهوض بالحرف المتصلة بالتراث ووضع استراتيجيات للمحافظة عليها والتعريف بها وتشجيع الشبان على الإقبال عليها والانفتاح على التجارب العالمية في استغلال مواقعنا الأثرية التي طالها الإهمال ..