يكفي فقط إلقاء نظرة على الإحصائيات المتعلقة بتلقيح المواليد الجدد في تونس لنكتشف سر الوفيات المتتابعة مؤخرا للأطفال الذين أصيبوا بفيروس الحصبة. تونس (الشروق) رغم أننا نجهل تحديدا عدد الأطفال الذين توفوا نتيجة اصابتهم بفيروس الحصبة الا أن التأمل في تقارير منظمة الصحة العالمية يوفر مدخلا هاما الى فهم ما حدث وخاصة في علاقة بانتشار هذا الفيروس في بلد يعد الى تاريخ غير بعيد من أكبر البلدان تيقظا تجاه الاحاطة بالمواليد الجدد بإقرار اجبارية التلقيح ومجانيته ضد كامل الفيروسات والامراض التي تستهدف الطفولة. وحاء في آخر تقرير صادر عن هذه المنظمة ليبين أن 90 بالمائة فقط من المواليد الجدد استفادوا خلال السنتين الاخيرتين من التلقيح وذلك وفق احصائيات اللجنة الفنية للتلاقيح التابعة لوزارة الصحة العالمية. وقد تبدو هذه النسبة محترمة قياسا ببلدان أخرى الا أن واقع الامر وفق هذه الارقام يبين ان اكثر من 20 الف مولود جديد سنويا في تونس لا يستفيدون من اي نوع من التلاقيح التي تفرضها منظمة الصحة العالمية للتوقي من الاصابة بأمراض خطيرة كالشلل وامراض الكبد والبوصفير والتشوهات وغيرها من الامراض المميتة. إضافة الى ذلك يبلغ عدد الولادات سنويا في تونس 206 آلاف ولادة حسب احصائيات وزارة الصحة لسنة 2014 ولا يستفيد من التلاقيح الضرورية الا 90 بالمائة وهي النسبة التي أتى عليها تقرير منظمة الصحة العالمية الصادر في سنة 2018. تفاوت جهوي أن تسجل ولاية القصرين أكبر عدد من الوفيات خلال العدوى الأخيرة لفيروس الحصبة فذلك مرده التفاوت الجهوي في الخطة الوطنية للتلاقيح المعتمدة من طرف وزارة الصحة. فمن بين التلاقيح الضرورية التي يجب تطعيم المواليد الجدد بها خلال ال24 ساعة الموالية للولادة نجد أن معدل التلقيح ينزل الى أقل من سبعين بالمائة بثماني ولايات. وهي زغوانوالقصرين ومدنين وسليانة والمهدية وسيدي بوزيد وقبلي وتطاوين وهو ما يعني أن المواليد الجدد في هذه الولايات معرضون أكثر من غيرهم للإصابة بأمراض خطيرة ومميتة الا ان المعضلة الكبرى تتمثل في التقارير التي يجب على الوحدات الجهوية المكلفة بمراقبة الامراض المعدية على غرار البوصفير والحصبة والكوليرا إيفادها في الابان للمصالح المركزية بوزارة الصحة فعلى سبيل المثال لم ترسل الوحدة التابعة لولاية أريانة ولو بتقرير واحد خلال السنتين الأخيرتين رغم تسجيل حالات للاصابة بفيروس الحصبة والجرب في هذه الولاية. وعلى منوالها نسجت الوحدة التابعة لولاية القيروان التي رغم انتشار مرض البوصفير وامراض معدية أخرى في المنطقة لم تنجز الا سبعة تقارير على مدى السنتين الأخيرتين. وتعتبر هذه التقارير مهمة جدا. اذ تسمح بالتدخل الاستباقي لتطويق محيط انتشار العدوى ومن ثمة التقليص من حجم الاصابات. وقد أشار تقرير المنظمة العالمية للصحة كذلك الى أن كل التقارير الصادرة والمنجزة من طرف الوحدات المذكورة في كامل تراب الجمهورية تفتقد الى الدقة. ولا تحترم المعايير الدولية. بل هي عبارة عن نصوص أدبية أكثر منها تقارير طبية. انهيار المنظومة اضافة الى ارتفاع معدلات الوفيات لدى المواليد الجدد فإن نسب الوفيات لدى الامهات عند الولادة هي كذلك في ارتفاع. اذ بلغت نسبة وفيات الأمهات أثناء الولادة في تونس حوالي 30 وفاة لكل مائة ألف ولادة. وقدرت نسبة وفاة الرضع حديثي الولادة في الشهر الأول من الحياة بنحو12 وفاة لكل ألف مولود جديد الا أن المثير للريبة هو حالات الوفيات المشبوهة لدى الرضع تماما كما حدث مع ولدان مستشفى الرابطة خلال شهر مارس الماضي. حيث لم تعلن اللجنة التي كلفت بالتحقيق في هذه المأساة الى حد اليوم عن نتائج أعمالها. وتشهد ولايات بأكملها دوريا حالات وفيات لأطفال نتيجة إصابتهم بأمراض يفترض أن تونس قضت عليها كالسل والبوصفير والحصبة.