الإرهاب اصبح ثقافة تتسرب من مناهج التعليمي ومن الوسط الاجتماعي ومن الاتقطاع عن التعليم وغياب منظومة للتكوين المهني للتلاميذ غير المتفوقين. تونس (الشروق) صدر كتاب جديد للدكتور الطيب الطويلي بعنوان دراسات في الإرهاب والتعليم وهو كتاب يتناول مناهج مقاومة الفكر المتشدد من المراحل الاولى للتعليم لان الإرهاب في النهاية ثقافة تشجع على القتل والآغتيال والعنف في مواجهة ثقافة الحوار والاختلاف... «الشروق» التقت الدكتور الطيب الطويلي في هذا الحوار ما هو تفسيرك لتنامي « ثقافة» الإرهاب؟ حقا ان الإرهاب يعتبر ثقافة، ثقافة يتم زرعها وتكوينها عبر سيرورة فكرية واجتماعية متكاملة، تبدا بالتنشئة الاجتماعية للاطفال عبر ادخالهم في نسق التشدد الديني، واستعمال الانتقائية في تلقينهم الآيات والاحاديث الدينية من اجل توجيههم نحو الفكر الايديولوجي المتشدد والموجّه نحو الانفجار بمختلف انواعه، تفجير الآخر عبر تفجير رموزه واستقرإره وامنه وتوازنه الفكري والاجتماعي، وتفجير الذات في الحالات القصوى والتي يقوم فيها الإرهابي بعملياته الانتحارية. والإرهاب ظاهرة دولية، لانه صنيعة لتقاطعات مصلحية افرزتها قوى ومصالح اقليمية ودولية متضاربة، وهو إرهاب ثري على مستوى الرساميل المادية اولا، باحتكامه على ملايين الدولارات التي تضخ اليه ذات اليمين وذات الشمال، وثري على مستوى الرساميل الرمزية باعتبإره يستند دائما على مرجعيات دينية يجيد دائما توظيفها ببراغماتية حسب مصالحه، وثري على مستوى الرساميل المنهجية، نظرا لدقة الطرائق التي يتم استعمالها في التجنيد، وحسن التعامل الوظيفي مع الموارد البشرية، وهو ما فصلناه في كتابنا «دراسات في الإرهاب والتعليم». ومن اهداف الإرهاب غرس ثقافة الخوف والرهبة والتي تمكن الإرهابيين ومن خلفهم من يحركهم الى فرض سلطتهم ماديا ورمزيا، والتمكن من جعل الخوف معمما ومتقاسما بين الجميع يحدّ من القدرات الفكرية والانتاجية والابداعية للمجتمعات التي تعاني من الإرهاب، وتجعلها مرتهنة للخوف من حاضرها ومن المستقبل وغير قادرة على تجاوز مركّب الخوف من الموت الذي يحدّها ويسلسل قدراتها على التطور ويجعلها مكبلة وفريسة لمنافسيها. مناهج الدراسة وتراجع مستوى اللغات والانفتاح على العالم هل ترى انه من اسباب تنامي ظاهرة التطرف ؟ للتعليم بمختلف مراحله الابتدائية والاعدادية والثانوية والجامعية وظائف معرفية وعملية واجتماعية تهدف الى تكوين الافراد وادماجهم في المجتمع من اجل انتاج او اعادة انتاج بنية مجتمعية متماسكة وسليمة، ومن اجل ترسيخ هوية المجتمع وتركيز الحس المواطني لدى الافراد. والتكوين حسب بعض معاجم التربية هو مرادف للخلق والتصور والابداع والبناء، وهو عملية تدخل عميقة وشاملة. هذا التدخل يكون في عقل الافراد من اجل تكوين عقل ناقد وقادر على غربلة الافكار الدخيلة ووضعها في ميزان المنطق، وبناء عقل قادر على الصمود امام الدخائل الفكرية والايديولوجية. للتعليم ايضا ارتباط مع مسالة التشغيلية، فبانفصال المناهج التعليمية عن الواقع الشغلي وبفقد مفهوم «المصعد الاجتماعي» الذي كان موجودا من سنوات، نجد عديد الخرّيجين خارج المنظومة الشغلية مما يجعلهم على تخوم المجتمع ويشعرون تجاهه بعدم الانتماء، كما نجد بعض الخرّيجين دون المستوى المامول بسبب تدني المستوى التعليمي، وهو ما يزيد في تعميق الازمة. كما نشير الى ان لتهميش مسار التكوين المهني اثرا سلبيا على المراهق الذي يجد لديه مواهب دراسية تؤهله لمواصلة المشوار الاكاديمي، هذه النوعية من التلاميذ كانت تجد حظها سابقا في التكوين المهني واصبحت لا تجد لها حلا الا الانقطاع المدرسي والتسرب الى الشارع بتطرفه بمختلف انواعه كالمخدرات او الانحراف او الجريمة او التطرف الديني. حيث بينت آخر الدراسات ان عددا كبيرا من التونسيين الذين توجهوا الى بؤر التوتر قد انقطعوا عن الدراسة. هل توجد ارقام محددة حول الشبان الذين استقطبتهم التيارات الإرهابية؟ تختلف الدراسات حول عدد الإرهابيين التونسيين في بؤر التوتر، فحسب دراسة لمعهد واشنطن بعنوان «المقاتلون الاجانب التونسيون في العراق وسوريا»يبلغ عدد الإرهابيين التونسيين الذين قتلوا في بؤر التوتر منذ 2012 الى بداية 2013ال 3204 إرهابيا، فيما وصل 10860 إرهابيا الى العراق وسوريا، عاد منهم الى تونس 2720 مقاتلا الى حدود مارس 2018. اما الارقام الرسمية التونسية فتقول انهم في حدود الثلاثة آلاف، حيث صرح رئيس الجمهورية سنة 2017 ان عددهم لا يتجاوز ال2926، ويوافق هذا الرقم تصريحات اللجنة التونسية لمكافحة الإرهاب التي تقول انهم في حدود الثلاثة آلاف، وعاد منهم زهاء الالف بطرق سرية. هذا فيما يتعلق بالإرهابيين الفعليين الذين نجحوا في الذهاب الى بؤر التوتر، اما اولئك الحاضنون للتطرف الديني والذين يعتنقون توجهاته المتشددة والذين لم ينحجوا في مغادرة البلاد، او الخلايا النائمة التي لم تغادر ارض الوطن فهم يفوقون ذلك حيث انه لا يمكن القيام بتعداد دقيق للشبان والشابات الذين استقطبتهم التيارات الإرهابية او يتعاطفون معها. وهم نتاج لمنظومة فكرية متكاملة ازدهرت بعد الثورة ووجدت الدعم المالي واللوجستي اذ صرّح المدير العام السابق للامن الوطني رفيق الشلي سنة 2014 ان زهاء الخمسمائة جمعية تشجع الشباب على الانتساب للتيارات المتشددة. هناك من أساتذة العلوم الانسانية من نبّه لخطورة تراجع تدريس العلوم الانسانية؟ نؤكد في كتابنا «دراسات في الإرهاب والتعليم» على ان تدريس العلوم الانسانية كالفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس والادب وغيرها ضروري في جامعاتنا، خاصة لطلبة الاختصاصات الفيزيائية والكيميائية، اذ يعتمد الفكر السلفي الجهادي على مقاييس دقيقة في استقطاب الافراد واستيعابهم، باعتماده لاستراتيجيات مخابراتية علمية، وتقنيات صارمة، من اهمها ان يكون المستقطَب ذا خلفية علمية ومعرفية هشة، اي ان تكون قابليته لاستيعاب الخطاب الماسطر والخرافي عالية، حيث يستطيع الداعية ان ينفث خطابه الاسطوري في دماغ ضحيته، ويشكّله وفقا للطريق الايديولوجي الذي يبتغيه. ويرى بعض المحللين ان تواجد عدد هام من المتعلمين في صفوف الجهاديين يدحض هذه النظرية التي ترى ان الفكر السلفي يستهدف الذين لم يتلقوا نصيبا كافيا من التعليم، واصحاب العقول الهشة فكريا ونقديا، ولكن واقع الحال يشير الى ان اصحاب الشهائد ضمن هذه التيارات هم في الاساس ذوو اختصاصات علمية وتقنية، اي ان قدرتهم على تكوين الحس النقدي والفكري لم تنضج، وهو ما يجعلهم فريسة لاي تطويع ايديولوجي يكون ذا بناء متين، وضحية اسهل للتلاعب manipulation الذي يمارسه دعاة هذا الفكر او من يمولونهم، والدليل على ذلك ان التيار الفكري الجهادي لم يستقطب داخله الا القليل من خريجي العلوم الانسانية او الحقوق وغيرها من الاختصاصات النظرية الفكرية. فالجماعات المتشددة هي جماعات مغلقة تتمحور حول الاتباع الاعمى للشيخ او الامير، ولا مجال لاي تحليل او نقد فكري داخلها، واي ميل نحو التفكير او اعمال العقل يضع صاحبه تحت تهديد «الخروج من الملة»او «الارتداد» وعقابه معروف لدى هذه الجماعات. كيف ترى مشاريع اصلاح التعليم ؟ هناك ابعاد عديدة لاصلاح التعليم، اي انه لا ينبغي ان يكون مشروعا واحدا بل مشاريع عديدة تهدف الى تطوير مستويات عدة، اهمها تحديث الربط بين الواقع الشغلي والاختصاصات المطلوبة مهنيا وبين الاختصاصات الاكاديمية والمناهج التعليمية، كما لا بد من التاكيد على بناء تعليم متوازن بين المعارف النظرية والخبرات المهنية التي سيحتاجها على مستوى الممارسة. فعلينا ان نذكّر على سبيل المثال ان خرّيج علم الاجتماع في تونس يمكنه ان يتحصل على شهادته دون ان يكون قد قام ببحث ميداني واحد، في حين ان خرّيج نفس الاختصاص في الجامعات الاروبية لا يمكنه الحصول على شهادته دون القيام ببحث ميداني يمكنه من اكتساب خبراته. فمستقبل التعليم يكمن في تشغيليته، ومدى مطابقته للواقع الشغلي، ولا معنى لتسهيل النجاح المدرسي واعطاء الشهادات الجامعية دون تكوين علمي وتطبيقي حقيقي، ودون القيام بتربصات ميدانية ممنهجة ودقيقة من حيث المكان ونوعية التاطير بما يؤهل الطالب للاستفادة الفعلية من درسه وتربصه. ومن الضروري التشديد على اعادة احياء وتفعيل التكوين المهني الذي كان ملاذا للشباب الذين لا يملكون المقدرة العلمية على مواصلة المسار الاكاديمي، فيجدون في هذا المسار التكويني حماية لهم من العواقب الوخيمة للانقطاع المدرسي، كما يجد المجتمع فيهم خزانا من الحرفيين واصحاب الصنعة الذين شحّوا من السوق. فالتكوين المهني حلّ على المستوى الفردي والاجتماعي، خاصة ان تهميشه اسهم في تدنّي مستوى الطالب التونسي الذي يتمّ تسهيل انجاحه خاصة بالنسبة المائوية للمعدل السنوي في امتحان الباكالوريا، وتكون نهاية المطاف افواجا من الخريجين المكونين بطريقة غير متماشية مع سوق الشغل، والعاطلين عن العمل. الدكتور الطيب الطويلي في سطور متخصّص في علم الاجتماع، متحصل على: شهادة الدراسات المعمقة في علم الاجتماع عن موضوع «الشباب والبطالة في تونس، ولاية بن عروس نموذجا»(2004) نوقشت بكلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس، وتم الحصول عليها بملاحظة مشرف جدا، مع التوصية بالنشر. شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع عن موضوع «التعليم والتشغيل في تونس، الواقع والآفاق.» (2010)، نوقشت بكلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس، وتم الحصول عليها بملاحظة مشرف جدا، مع التوصية بالنشر. وله عديد البحوث المنشورة بمجلات علمية محكمة حول مواضيع اجتماعية، كما شارك في عديد المنتديات والمؤتمرات الدولية بتونس وخارجها. له روايتان: «نقمة المهمّشين.» - «الخروج الى الضوء». كتاب دراسات في الإرهاب والتعليم.